17/01/2011 - 07:35

حظ الحالة التونسية وبؤس الحالة المصرية../ محمد العجاتي*

-

حظ الحالة التونسية وبؤس الحالة المصرية../ محمد العجاتي*

رغم التشابه الشديد بين الوضع الاقتصادي في تونس ومصر من حيث مؤشرات التنمية والاستثمار المرتفعة، مقابل زيادة في نسب الفقر والتضخم والبطالة، ورغم تكرار ظاهرة إحراق المواطنين لأنفسهم اعتراضا على هذه الأوضاع، ففي الأسبوع نفسه الذي قام فيه الشاب التونسي «محمد بوعزيزي» بإحراق نفسه لمصادرة البلدية للبضاعة التي يقوم ببيعها، أشعل حمدي السنوسي النار في نفسه، داخل وحدة مرور 6 أكتوبر، احتجاجا على مصادرة «التوك توك»، الذي يرتزق منه. إلا أن الثورة التونسية لم تحدث في مصر، رغم أن شوارع مصر تشهد على مدار السنوات الأربع السابقة، اعتراضات واحتجاجات مطلبية بشكل شبه يومي.

يعيد كثير من المحللين الفارق إلى اختلاف الوضع السياسي ما بين البلدين، فالنظام المصري يسمح بالتنفيس، بينما النظام التونسي اتسم بقمعية، لدرجة جعلت من النشطاء الحقوقيين يطلقون على «بن علي» بأنه «بينوشيه» العرب، وأن هذا الكبت يؤدي إلى الانفجار وهو ما حدث في تونس. فالنظام في تونس هو نظام ديكتاتوري تقليدي، بينما النظام المصري هو نظام يوصف في الأدبيات الحديثة للعلوم السياسية بالنظام السلطوي الانتخابي، الذي يسمح للتنفيس من خلال تعددية سياسية شكلية، وقضاء مستقل يتم الضغط عليه، على هامش من الحرية الإعلامية، يقابله ضغط على مالكي هذه الوسائل، لوضع خطوط حمراء، فتح الساحة للمعارضة داخل البرلمان، على أن تظل الغالبية المتحكمة في يد الحزب الحاكم.

ويرى هؤلاء في معظمهم أن هذه النظم هي الأصعب في عملية التحول نحو الديموقراطية، على أساس أن هذه النظم تولد حالة من السلبية على مستوى المشاركة وذلك عبر آليتين متوازيتين، الأولى إفقاد المواطنين الثقة بعملية المشاركة المباشرة من خلال نتائج الانتخابات التي تحافظ على الوضع القائم، أو من خلال السيطرة على السلطة التشريعية مما يفقدها قيمتها لدى المواطنين. وفي ذات الوقت تمنحه مساحة للتعبير والرأي بل والحركة أحيانا من خلال مساحة الحرية الممنوحة للأعلام وهامش من الاستقلال بالقضاء، لتصبح منفذا للتنفيس وبديلا عن المشاركة المباشرة.

وبعض المحللين يصورون التطور الديمقراطي على أنه رسم بياني تصاعدي، يبدأ من النظم السلطوية وينتهي بالنظم الديمقراطية، ويضعون النظام السلطوي الانتخابي في نقطة خارج هذا الخط، من أسفل، مؤكدين على ضرورة العمل على تحريك هذه النقطة، لتدخل في إطار الخط البياني حتى يكون النظام قابلاً للتطور نحو الديموقراطية.

إلا أننا لا يمكن أن نسلم بهذه الرؤية بشكل مطلق، فإذا نظرنا إلى الديموقراطية كمفهوم يتشكل في الواقع عبر تفاعل ثلاث دوائر أساسية، الأولى هي نظام ديموقراطي في قوانينه الحاكمة وتشريعاته، يولد مؤسسات ديموقراطية تسمح بحرية الرأي والتعبير، وصولا إلى تداول السلطة. والدائرة الثانية هي معارضة تعمل على تغيير الوضع القائم وتتمتع بقدر من المؤسسية وتمتلك رؤية للتغيير، تتفاعل من خلالها مع جمهورها. والدائرة الثالثة ترتبط بالثقافة المجتمعية التي تؤمن بالديموقراطية والتعددية. فإننا نستطيع أن نرى رغم الوضعية شديدة التعقد التي تولدها النظم السلطوية الانتخابية عبر ميادين عملها الأربعة التي حددها المنظرون، وهي ميدان الانتخابات، والسلطة التشريعية، والقضاء، والإعلام، إلا أنها تفتح مجالا لفرص لا تتوفر في ظل النظم الديموقراطية التقليدية.

فالنظام قابل للتعديل عبر استغلال المجتمع المدني مساحة الاستقلال الموجود في المستوى القضائي، وعبر اختراقات ممكنة للمجالس التشريعية أو من خلال ضغط إعلامي. كما أنه يمنح المعارضة فرصا للتحرك من خلال هامش الحريات الإعلامية، أو من خلال تواجد ممثليها داخل البرلمان ليصبح ساحة لعرض رؤاهم وآرائهم، كما أنهم من خلال خوض الانتخابات يحتكون أكثر بجمهورهم ويزداد التفاعل معه. أما دائرة الثقافة الديموقراطية فهي قابلة للنمو كنتاج نشاطات المجتمع المدني والمعارضة السابقة، كما أن المساحة الإعلامية الحرة تساهم في ذلك بشكل فعال.

إن هذه الحالة من التفاعل الدائم التي تولدها هذه النظم سواء كانت سلبية أو ايجابية تجعل من النظم السلطوية الانتخابية - من وجهة نظرنا - نظما موقتة ولا تستطيع الحياة طويلا على عكس ما يرى معظم المحللين، فإما أن يحدث في هذه النظم تغيرات جوهرية نحو تحول ديمقراطي مبني على نشاط المجتمع المدني والمعارضة السياسية، سواء أحزاب أو حركات، مثلما حدث في معظم حالات أميركا اللاتينية وشرق أوروبا، أو أن ترتد هذه النظم مرة أخرى إلى نظم سلطوية تقليدية مثلما حدث في معظم الدول الآسيوية التي عرفت هذا النظام ومثلما يحدث حاليا في مصر.

وفي هذا الإطار يمكننا بعد ما شهدته الانتخابات النيابية في مصر على مستوى مجلس الشورى ومجلس الشعب في النصف الثاني من العام 2010، تقديم رؤيتين، الأولى مبنية على فكرة أن النظم السلطوية الانتخابية هي في الأساس معوق للديموقراطية، وتفسر الحالة المصرية في هذا الإطار على أن النظام المصري وحتى ما بعد الانتخابات التي جرت في 2005 لمجلس الشعب كان نظاما يتحول نحو الديمقراطية، إلا أن تخوف النظام السياسي من هذا التحول وما نتج عنه من تحركات أقلقت القائمين عليه بدأ في انتهاج آليات السلطوية الديموقراطية، وبالتالي ضرورة الضغط على النظام للعودة لمساره السابق.

والرؤية الثانية التي ترتكز على فكرة الفرص التي يتيحها النظام السلطوي الانتخابي، والتي ترى أن مصر عاشت هذا النظام خلال فترة 2001 وحتى ما بعد الانتخابات البرلمانية في 2005، وأن ما يحدث في مصر منذ ذاك الحين والذي تجلى بانتخابات العام 2010 هو ردة نحو السلطوية التقليدية.

في كلتي الحالتين لا يمكننا إلقاء اللوم على النظام السياسي وحده، بل تشاركه في المسؤولية أحزاب المعارضة التي تفتتت بدلا من أن تتوحد في هذه المرحلة، والتي لم تستغل الفرص التي كانت متاحة أمامها بالقدر الكافي، سواء كانت أن هذه الفرص هي التي يولدها النظام السلطوي الانتخابي أو إنها نتاج لعملية تحول ديموقراطي في مراحله الأولى.

كما أن الإعلام المستقل أثبت بجدارة في ذات المرحلة أنه إعلام خاص يتبع أفرادا وجماعات ويرتبط بمصالحهم، فغاب التضامن بينه في الهجمات التي وجهت إليه وانخفض سقف حريته مع الإشارات الأولى من جانب النظام. كما أدت الانتخابات الأخيرة كذلك إلى فقدان كامل لإحدى الساحات الهامة للعمل، وهي البرلمان الذي سيطر عليه بشكل شبه مطلق الحزب الحاكم بعد العملية الانتخابية 2010، والتي أثبت كذلك بالدليل القاطع في الانتخابات الأخيرة قدرة الحزب الحاكم على التلاعب والتوجيه المطلق لها. وعلى مستوى القضاء فقد بدأت الأصوات تعلو داخل المؤسسة بالخروج من هذه الدوامة والتي وصلت إلى أن أصواتا من بين القضاة المعروفين بميولهم الإصلاحية، أصبحت تنادي بإبعاد القضاة تماما عن العملية الانتخابية.

كل ما سبق يؤكد أن الوضعية المصرية تراجعت كثيرا في 2010 عن ما كانت عليه منذ خمس سنوات مضت، وأن إمكانيات التحول الديموقراطي باتت أصعب مما سبق.
"السفير"
 

التعليقات