18/01/2011 - 09:48

العبرة الفلسطينية من انتفاضة تونس../ هاني المصري

-

العبرة الفلسطينية من انتفاضة تونس../ هاني المصري

لا تزال انتفاضة تونس تسيطر على المشهد الفلسطيني والعربي والدولي، نظرا لأهميتها التاريخية، ولما يمكن أن تتركه، اذا حققت أهدافها ولم تجهض، من آثار يمكن أن تكون بداية تغيير حقيقي في المنطقة العربية برمتها.
ما يهمني في هذا المقال بعد أن أشبعت الانتفاضة التونسية بحثا و تعليقا تناول العبرة الفلسطينية من ثورة الياسمين.

أبدأ بالتوقف أمام ردة الفعل الإسرائيلية. فلقد عبرت أوساط إسرائيلية عن أسفها لسقوط زعيم صديق لإسرائيل وعبرت عن خشيتها على مصير مماثل في الأردن ومصر، واعتبر سيلفان شالوم نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن انتفاضة تونس تهدد أمن إسرائيل وقد تكون لها نتائج خطيرة عليها.

وحذر بنيامين نتنياهو من انتشار عدوى انتفاضة تونس مستغلا هذه الانتفاضة للتأكيد والتشديد أكثر على صحة الموقف الإسرائيلي، وطالب بترتيبات أمنية صارمة عند عقد أي اتفاق لإنهاء الصراع، لأن الأنظمة في المنطقة غير مستقرة وتعيش على رمال متحركة.

أما الموقف الفلسطيني الرسمي فقد كان مرتبكاً، ولا ينسجم مع الشعور الطاغي بالفرحة التي عمت صفوف الفلسطينيين أينما كانوا. فمن جهة صدر بيان باسم المنظمة يشيد بانتفاضة الشعب التونسي وبشجاعته منقطعة النظير، ومن جهة أخرى سارع مستشار للرئيس بنفي صدور أي موقف باسم المنظمة.

إن الحذر من اتخاذ موقف لا يبدو مفهوما طالما أن الأمر يتعلق بضرورة التضامن مع شعب شقيق عبر بإرادته الحرة عن قراره برفض الظلم والطغيان، وانتصر بتحقيق الجزء الأول من أهدافه بعد هرب الطاغية، وهذا يختلف عما حصل سابقا عندما تسرعت القيادة الفلسطينية بتأييد احتلال العراق للكويت.

إن الموقف الفلسطيني لا يمكن إلا أن يكون داعما ومتضامناً مع انتفاضة شعب تونس لأنها تجسيد لإرادته وحقوقه في مواجهة الفساد والاستبداد، لأن الفلسطينين أكبر المستفيدين منها.

فانتصار أي شعب، خصوصا اذا كان عربيا، بانجاز حقوقه وديمقراطية نظامه السياسي عبر انتفاضة شعبية بدون تدخل اجنبي، لا بد أن تنعكس خيراً على الفلسطينيين وقضيتهم. فالديمقراطية حليف دائم وموثوق للقضية الفسطينية، ولقد لاحظنا كيف تخلت الإدارة الأميركية في عهد بوش عن الدعوة لنشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته في المنطقة العربية، وفضلت عليها الاستقرار ولو على أيدي أنظمة ديكتاتورية. وواصلت إدارة أوباما نفس السياسة وفضلت الديمقراطية المشوهة والإصلاح الزائف الممارس لدى حلفائها من الانظمة العربية على الحرية والديمقراطية والاستقلال الوطني، لأنها أيقنت أن الديمقراطية الحقيقية ستدفع إلى سدة الحكم أحزاباً وقادة وطنيين ديمقراطيين مكافحين ضد الاستعمار والتبعية ومدافعين عن الكرامة والمصالح العربية وداعمين للقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري الإجلائي العنصري الذي تتحالف و ترتبط بعلاقات عضوية إستراتيجية معه.

إن انتفاضة تونس أعادت الاعتبار للإنسان العربي وللثقافة العربية، وكسرت الصورة النمطية الغربية عن العرب وعدم قدرتهم على تجسيد الديمقراطية، وهي أكدت مرة أخرى وبقوة أنه إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، وأن الشعوب العربية قادرة على تغيير واقع الاستبداد والتبعية والتخلف والجهل والمرض والبطالة والفقر وغياب العدالة والمؤسسة والمساواة، وأكدت أن ما يظهر على سطح الحياة السياسية العربية من هدوء لا يعكس الغليان الذي يستقر في الأعماق.

انتفاضة تونس برهنت مجدداً بأنه لا يزال هناك أمل، وان الرهان على الشعوب مهما طال الزمن، سيبقى رهاناً رابحاً.
وبدلاً من أن نمكن اسرائيل من توظيف انتفاضة تونس لصالحها من خلال محاولة فرض شروطها على القادة الفلسطينيين والعرب لا بد من أخذ زمام المبادرة عربياً بتوظيف هذه الأحداث لإجراء تغيير حقيقي في البلدان العربية، وفي علاقاتها مع إسرائيل، بوصفها الداعم الأكبر، للاستبداد والفساد والتخلف والتجزئة، خصوصا بالنسبة للبلدان التي ترتبط بمعاهدات وبعلاقات دبلوماسية وتلك التي تقيم أشكالاً مختلفة من العلاقات معها. فالقضية الوطنية مترابطة مع الديمقراطية بحيث لا حرية حقاً بدون استقلال وطني حقيقي.

إن إسرائيل تخشى من انتفاضة تونس لأنها تبرهن أن بقاء الحال العربي، المريح جداً لإسرائيل، من المحال.
إن من حق الفلسطينيين أن يفخروا بالثورة التونسية، لأن الانتفاضة الفلسطينية ألهمت الانتفاضة التونسية، كما عليهم أن يدركوا أن بمقدورهم توظيف مغزى ودلالات الانتفاضة الشعبية التونسية ضد الاحتلال وضد الانقسام.

لقد برهنت هذه الانتفاضة أنها الطريق المضمون للانتصار، وقدمت نموذجاً بديلاً عن طريق الانتظار والتمنيات والمناشدات والوساطات التي لم تحقق الأهداف الوطنية والديمقراطية، مثلما لم تحقق المصالحة الوطنية الفلسطينية.

آن لنا أن ندرك أن الرهان على المفاوضات والإدارة الأميركية، وعلى بناء المؤسسات وحده لا ينهي الاحتلال ولا يقيم الدولة مهما طال الزمن. فالمطلوب التحلي بقناعة راسخة بالشعب وقدرته على النصر وفرض إرادته إذا اختار الاستمرار بالكفاح حتى النهاية لدحر الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال وقطع الطريق على إقامة دولة البقايا، دولة ميكي ماوس.

إن الضغط الشعبي وصولا الى الانتفاضة الشعبية طريق مضمون لدحر الاحتلال، ويمكن أن يكون سبيلاً لا مفر منه لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

إن الفلسطيني تحت الاحتلال بحاجة لأن يعيش عيشة كريمة وحراً وهذا يتطلب تعزيز مقومات صموده وأن تدرك "سلطتاه"، إلى حين أن يعود تحت سلطة واحدة، أن مكافحة التسيب والهدر والمحسوبية والفساد بشكل جدي وليس بشكل انتقائي واستعراضي وموسمي أو كردة فعل، مهمات لا تقبل الانتظار، كما أن اتخاذ قرارات لدعم أسعار السلع الأساسية والبحث عن مصادر أخرى لاستيرادها خاصة من الدول العربية المجاورة كبديل عن الاحتكارات الإسرائيلية للسوق الفلسطيني وتوفير فرص عمل جديدة خاصة للشباب، وتحديد الحد الأدنى للأجور والعمل على زيادة رواتب العاملين وربط الزيادة بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، ومراجعة السياسة الضريبية، التي أدت مع أسباب أخرى عديدة إلى أن يزداد الأغنياء غنى بينما يزداد الفقراء فقراً، ووقف التزام السلطة باتفاقية باريس الاقتصادية، مسائل لا تحتمل المزيد من التأجيل.

إن تفشي ظاهرة الفقر والجوع وتدني الأجور وغلاء الأسعار وازدياد نسبة البطالة تجعل التحرك الشعبي حاجة لا يمكن تفاديها، وعلى السلطة أن تتحرك قبل فوات الأوان.

إن ما جرى في تونس ليس وصفة سحرية أو عدوى ستنتقل بسرعة إلى البلدان العربية، فلكل بلد شروطه وخصائصه والعوامل المحيطة والمؤثرة فيه، ولكنه جرس إنذار يؤشر، خصوصاً اذا حققت الانتفاضة التونسية أهدافها بإحداث تغيير حقيقي، إلى أن العد العكسي لمرحلة جديدة قد بدأ، وأن هذه المرحلة لن تكون مثلما هي المرحلة الحالية التي أصبح الوضع الرسمي العربي يعاني من الهوان والتبعية والاستبداد والتجزئة، التي وصلت إلى حد البدء بتفكيك الدول القائمة، بحيث بلغ السوء حداً لا يجعل أحدا في العالم وليس فقط إسرائيل، يأخذ الحقوق والمصالح والأهداف والكرامة العربية بالحسبان!

التعليقات