22/01/2011 - 13:54

جريمة حرب.. نعم جرائم حرب يا سيدة ميشال../ ناصر السهلي

ببساطة شديدة، ارتكبت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال آليو ماري، خطيئتين في وقت قصير جدا.. فهي التي أثارت في الأوساط الفرنسية جدلا واسعا حين تبرعت في محاولة إنقاذ نظام بن علي، الهارب من ثورة شعبه، عبر مد اليد الأمنية لمساعدته بوجه شعبه

جريمة حرب.. نعم جرائم حرب يا سيدة ميشال../ ناصر السهلي
ببساطة شديدة،  ارتكبت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال آليو ماري، خطيئتين في وقت قصير جدا.. فهي التي أثارت في الأوساط الفرنسية جدلا واسعا حين تبرعت في محاولة إنقاذ نظام بن علي، الهارب من ثورة شعبه، عبر مد اليد الأمنية لمساعدته بوجه شعبه.. صحيح أن السياسة الفرنسية ارتبكت كثيرا أمام مشهد ثوري شعبي فتخبطت كثيرا وارتجلت في مواقفها، لكن من الصحيح أيضا أن فرنسا الرسمية ثابتة في قراءتها القاصرة، المستندة على فكر كولونيالي جديد في خدمة مصالح رأسمالية وتحالفاتها مع أنظمة ترضى للشعوب أن تعيش القمع لمصلحة تثبيت النفوذ وتلك التقاطعات المصلحية مع سياسة إمبريالية في الجانب الآخر من الأطلسي.. وهو أمر يتنافى تماما مع مبادئ الثورة الفرنسية.. الأمر بظني لن يمر في صفوف الاشتراكيين الفرنسيين دون أن تدفع السيدة آليو ماري ثمنا سياسيا داخليا.. لأسباب كثيرة، لكن أساسها لعبة المصالح أيضا في الشأن الفرنسي الداخلي والخارجي..
 
الخطيئة الثانية، السيدة ميشال آليو ماري، وفي لوحة معبرة عن النظرة الاستعلائية والدعم الخاطئ للاحتلال ذهبت بالفعل والتصريح نحو تبني قضية شاليط من منظارين، الأول ربما باعتباره يحمل جنسية مزدوجة، وهو أمر يفتح نقاشا واسعا عما إذا كان مسموحا بالأصل وصف الفيلق الفرنسي بغير وصف المرتزقة كونهم من جنسيات مختلفة بعضهم مزدوجة، يخدمون المصلحة الفرنسية في أي مكان يرسلون إليه.. وإن كانت الجنسية الفرنسية تسمح مثلا أن يستخدمها "الموساد" بالقيام بأعمال إرهابية في أنحاء مختلفة حول العالم.. وكم من الفلسطينيين الذين قتلهم جنود الاحتلال يحملون جنسيات أميركية وغير أميركية ولم يجدوا هذا الاهتمام حين يتعلق الأمر بيهودي أميركي الجنسية يشارك في قتل الفلسطينيين ويسلبهم أرضهم.. باروخ غولدشتاين مثلا صارخا.. أما الثاني فقد تبنت السيدة ميشال القراءة الإسرائيلية في قضية شاليط وكأن المسألة محاولة تماه تام مع الليبرمانية ( ربما تحتاج السيدة وزيرة الخارجية لقراءة المزيد مما يكتبه مثقفي بلادها عن الاحتلال)..
 
الخطيئة الأخرى المرتكبة تحمل صفات مسيئة أولا للشعب الفلسطيني حينما قالت عن أسر جندي مدجج بالسلاح ومحصن بدبابة وليس في عربة غولف على تخوم غزة المحاصرة والمقصوفة يوميا بأنها "جريمة حرب"..
 
ومن العجيب أن توغل وزيرة الخارجية في خطيئتها بأن تطلق هذا التصريح المستفز لعشرات آلاف أسر الفلسطينيين المختطفين يوميا من بيوتهم وعلى الحواجز والمنكل بهم في المعتقلات الإسرائيلية منذ عقود وبعضهم أطفال وآخرون سياسيون مثل السيدة ميشال منتخبون من شعبهم بشكل ديمقراطي .. هذا عدا الإعدام اليومي على الحواجز وفي غرف النوم كما جرى قبل فترة وجيزة في الخليل وحاجز الحمرا..
 
فقد أوغلت بالمزيد من إظهار "الاستهتار والاحتقار" لقيمة الإنسان الفلسطيني تماما مثلما يفعل كبار حاخامات الدولة المعجبة بها وزيرة "اشتراكية" تمثل بلد الثورة القائمة على مبادئ الحرية.. ففي رفضها مقابلة أسر الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين تعزيز للنظرة المنحازة للقراءة الإسرائيلية حتى في المشهد الإنساني البسيط، فما بالك بالمشهد السياسي الأوسع والمتعلق بحق الشعوب بتقرير المصير.. وفيها أيضا رسائل مشينة  بحق  الاشتراكيين في فرنسا..
 
يبدو لي أن تقرير غولدستون لم تعرف عنه الكثير السيدة ميشال.. وربما وصف الدمار الذي تعرضت له غزة، التي استقبلها أهالي الأسرى المستفزون بالبيض والاحتجاج ، لا يدخل في حساباتها وقراءتها الاستعلائية والمستخفة بقيمة عوائل كاملة تم إبادتها في عزبة عبد ربه.. واستمرار حصار الشعب ومنعه من إعادة اعمار بيوته ومؤسساته.. الوصف الدقيق لجرائم الحرب المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني تحتاج إلى تطبيق لفتاوى الحاخامات الداعين لإقامة معسكرات للتخلص من الشعب الفلسطيني لكي تصل الرسالة إلى وزيرة الخارجية ميشال آليو ماري..
 
فعلى أي أساس تقوم بزيارة مليون ونصف إنسان محاصر ويتعرض لعدوان يومي نتيجته قتل لا يفرق بين طفل ومسلح وتترفع حتى عن الالتقاء بسياسيين فلسطينيين في القطاع، وبغض النظر عما إذا كانت لا تريد الالتقاء مع حكومة حماس فعلى الأقل يعج قطاع غزة بأناس منتخبين من شعبهم وتنظيمات ومؤسسات سياسية تعرف عن مبادئ الثورة الفرنسية ربما أكثر من حالة النفاق التي اعترت الكثير من اشتراكيي فرنسا والغرب الأوروبي؟.. لم تفهم السيدة وزيرة الخارجية من حادثة وزير خارجية بلادها ليونيل جوسبان في جامعة بيرزيت قبل سنوات حين وصف المقاومة في لبنان بالإرهاب.. وهي لا يمكنها أن تعتبر التظاهر وإلقاء البيض على عربتها المصفحة فعلا "همجيا".. لأن هذا الفعل وأكثر منه يتلقاه السياسي الفرنسي والغربي في عواصمه الآتي منها إلى بلادنا في نظرة دونية لقيمة الحياة وحرية الشعوب..
 
تحتاج السيدة ميشال آليو ماري إلى قراءة مجلة "باري ماتش" الفرنسية التي نشرت بعض الشهادات الموثقة لجنود الاحتلال حول جرائم الحرب التي مارسوها بقرار سياسي وعسكري لإرهاب الشعب الفلسطيني وقتله بدم بارد.. هذه الشهادات التي وثقها كتاب سيصدر قريبا  لشهادة جنود شاركوا في عمليات عسكرية في الضفة الغربية وغزة بين عامي 2000 و 2009 جُمعت في كتاب بعنوان "كسر الصمت".. يستحق منها ومن غيرها أن يتابعوها كجرائم حرب إذا أرادوا إقناعنا يوما بأنهم أقل نفاقا وازدواجية في المعايير.. فمجرمو الحرب معروفون تماما بالأسماء والمناصب والرتب العسكرية..
 
للمرة الألف يثبت لنا بعض ساسة الغرب مدى الرغبة في العيش في جهل مقصود عما يحدث لتستمر ماكينة النفاق والازدواجية في الدوران حول الرواية الإسرائيلية.. هذه الرواية التي لا تتردد في تدمير القرى والبيوت واضطهاد وممارسة العنصرية الجماعية والفتاوى الدينية التحريضية للقتل بحق "مواطني الدولة" من الفلسطينيين في داخل مدنهم وقراهم التاريخية قبل أن يهاجر والدي الجندي شاليط إلى هذه الأرض.. فلسطين..
 
للأسف الشديد نشعر بأن الخيط الفاصل بين اليمين الأوروبي المتطرف وبعض الاشتراكيين بدأ بالاختفاء مع الخوف من تهمة "معاداة السامية" المسلطة على رقاب من ينتقد السياسات الإسرائيلية حتى في الأراضي المحتلة.. كان الأجدر بالسيدة ميشال أن تزور أم كامل وعائلة غاوي وحنون وحي سلوان في القدس..أن تقف على أطلال فندق شيبرد في القدس المحتلة وأن ترى عذابات أهل شعفاط والشيخ جراح.. وأن تفهم بأن شهادة أحد الجنود في الكتاب المذكور أعلاه تستحق التوقف عندها لتقنع بعضنا بأنها سياسة تعمل حقا لإنهاء الاحتلال ودعم حق الشعوب بتقرير مصيرها دونما وصاية من أحد..
 
أخيرا، اسمح لنفسي أن أقدم لها شهادة أحد الجنود لتفهم معنى جرائم الحرب: "أكثر الأعمال غير الأخلاقية التي ارتكبتها أثناء خدمتي في الجيش هي تفخيخ المنازل، توقيف العشرات معصوبي الأعين ومكبلين، إخراج العائلات من بيوتهم عنوة ثم تفجير المنزل من دون أن نعرف سبب قيامنا بذلك. كنا نعذّب لمجرد التعذيب. وهذا يولّد شعوراً مقيتاً..".. وأنصحها بالعودة إلى مجلة "باري ماتش" الفرنسية وأن تحجز كتابا عبر منظمة "كسر الصمت" لتقرأه بيقظة العقل لا للتسلية!

التعليقات