26/01/2011 - 08:28

لبنان إلى "التونسة" أم إلى "العرقنة"؟! / علي جرادات

تشهد المنطقة العربية فترة من الغليان والتحولات العاصفة، تذكّر بفترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى المجيدة، وتعاظم القوة العسكرية للعراق، عشية إجتياحه للكويت في آب 1990. فانتفاضة الشعب التونسي تتقدم وطنيا، ويتعالى صداها عربيا، فيما المعارضة اللبنانية بقيادة حزب الله في طريقها إلى تشكيل حكومة تتحدى القرار الإتهامي للمحكمة الدولية في قضية إغتيال الحريري، بينما تتصاعد وتيرة التفجيرات المذهبية والطائفية الإجرامية في العراق، في وقت ينفصل فيه جنوب السودان عن شماله، ويستعصي الانقسام الفلسطيني على المعالجة

لبنان إلى
تشهد المنطقة العربية فترة من الغليان والتحولات العاصفة، تذكّر بفترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى المجيدة، وتعاظم القوة العسكرية للعراق، عشية إجتياحه للكويت في آب 1990. فانتفاضة الشعب التونسي تتقدم وطنيا، ويتعالى صداها عربيا، فيما المعارضة اللبنانية بقيادة حزب الله في طريقها إلى تشكيل حكومة تتحدى القرار الإتهامي للمحكمة الدولية في قضية إغتيال الحريري، بينما تتصاعد وتيرة التفجيرات المذهبية والطائفية الإجرامية في العراق، في وقت ينفصل فيه جنوب السودان عن شماله، ويستعصي الانقسام الفلسطيني على المعالجة.
 
   عليه، وإن كان من المقطوع فيه، أن كامل هذه المستجدات العربية، تخضع لعملية بحث سياسي وأمني أمريكي إسرائيلي مشترك، إلا أن تطورات الحالة اللبنانية، تحظى بالنصيب الأكبر من اهتمام القيادة الإسرائيلية، التي لا يمكنها القبول بما وصفته بتشكل حكومة إيرانية على حدودها الشمالية، ناهيك عن وضع الحالة العربية أمام احد احتمالين: إما "تونسة" باقي الاقطار العربية أو "عرقنة" تونس ولبنان. ولعل من الضروري هنا أن نتساءل: ترى إلى أين يسير لبنان؟  
 
   كل صراع، مهما طال، يُحل بإحدى لغتي السياسية: الدبلوماسية أو الحربية، إن انعدمت الأولى، كما في صراع المقاومة اللبنانية مع الإسرائيليين، تصبح الحرب ضرورة، تسبقها حالة من اللاسلم واللاحرب، كما هي حال وقف إطلاق النار منذ آب 2006، كفترة استغلها الطرفان في الإعداد للحرب، واستثمرها الإسرائيليون بدعم أمريكي في توتير الداخل اللبناني، بأداة "المحكمة الدولية" والتحقيق في قضية اغتيال الحريري، ما يعني عدم إمكانية، (حتى لا نقول استحالة)، فصل الأزمة اللبنانية الداخلية عن صراع المقاومة اللبنانية مع إسرائيل، بل، ولا عن ملفي الصراع العربي الإسرائيلي والمشروع النووي الإيراني. وإلا ما معنى دخول الإدارة الأمريكية على خط المحاولة السعودية السورية لتهدئة الأزمة اللبنانية الداخلية والحيلولة دون تفاقمها؟! وما معنى قلق قادة تل أبيب وواشنطن من نجاح قوى المعارضة اللبنانية في إسقاط الحكومة اللبنانية، وحسم إعادة تشكيلها دستوريا لصالحها؟! وما معنى تصريحات قادة واشنطن وتل أبيب بأنهم لن يقبلوا حكومة لبنانية تقودها المعارضة؟! وما معنى تزامن اصدار بيلمار للقرار الظني بشأن اغتيال الحريري، وتسريع تحويله إلى قرار اتهامي، مع إسقاط الحكومة اللبنانية وإعادة تشكيلها؟ ألا يشكل كل ذلك منعا لنجيب ميقاتي، كمرشح للمعارضة اللبنانية، من تشكيل حكومة ائتلاف وطني، وتوطئةً لمقاطعة حكومته الضيقة ومحاصرتها، بذريعة أنها حكومة لون واحد، وترفض التعاطي مع قرار المحكمة الدولية المرتقب، واتهامها بأنها ذراع إيراني سوري "يهدد استقرار المنطقة"، كما بدأ يشيع أكثر من قائد إسرائيلي نافذ؟!
 
   بلى، هنالك سيناريو أمريكي إسرائيلي مرتقب لتأزيم الوضع اللبناني، ودفعه وفق خطة مبيتة نحو كارثة مهولة، بذرائع تخفي الهدف الأمريكي الإسرائيلي الحقيقي، المتمثل في الجوهر في استئصال سلاح المقاومة اللبنانية، التي تعي ذلك جيداً، ما دعاها إلى بناء تكتيكاتها على أساس استمرار محاولات الفصل بين المحكمة الدولية وقراراتها من جهة، وبين المعضلة اللبنانية الداخلية من جهة ثانية، وأظنها ستواصل العمل بهذه التكتيكات حتى النهاية، بل، أعتقد أن المعارضة اللبنانية، وحزب الله بخاصة، (إن نجحت في تشكيل الحكومة)، ستبدي قدراً غير مسبوق من المرونة والاعتدال على الصعيد الداخلي، بدليل اختيار نجيب ميقاتي، (المعروف كمرشح تسوية)، لتشكيل الحكومة، لكن الأمور ستنقلب رأساً على عقب، في حال الاقتراب من بيت قصيد الأزمة، سلاح المقاومة. وهذا ما ستضعه واشنطن وتل أبيب على رأس الأجندة، فور رفض حكومة نجيب ميقاتي التعاطي مع قرار المحكمة الدولية.
 
   ومن نافلة القول، أن يعطي الحدث التونسي التاريخي، دفعة نوعية إضافية، لرفع منسوب المسعى الأمريكي الإسرائيلي لتأزيم الوضع اللبناني، ووضعه على باب حرب تلوح في الأفق، إذ من شأن تزامن نجاح حكومة المعارضة اللبنانية المرتقبة، مع نجاحات الانتفاضة الشعبية التونسية المتلاحقة، ناهيك عن تداعياتها عربيا، أن يزيد حالة التوتير بين ما يسمى بمعسكري "الممانعة" و"الاعتدال"، الأمر الذي ستوظفه كل من واشنطن وتل أبيب أخطر توظيف، وفي الساحة اللبنانية تحديدا. فمن غير المقبول لدى واشنطن وتل أبيب، هضْمَ تكريس حالتين رسميتين عربيتين، تدفعان الوضع العربي برمته وتستحثانه، نحو التغيير، واحدة في مغربه، والثانية في مشرقه، تنذران بخروج المشهد العربي أكثر فأكثر، من الاستقرار المُسَيْطَر عليه، بسلاح "الفوضى الخلاقة" لكل معاني التذبيح والتفتيت الطائفي والمذهبي والإثني والجهوي، كحالة نموذجية لقادة إسرائيل، يتمنون إدامتها وتوسيعها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ما داموا رافضين بدعم أمريكي للتسوية السياسية، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس شروطهم التعجيزية.
 
   إن ما عجز المسعى السعودي السوري عن إحرازه على الساحة اللبنانية، لن تحرزه مرونة حكومة المعارضة اللبنانية واعتدالها، مهما بلغا، فمصير سلاح المقاومة اللبنانية، والصراع عليه، هو القول الفصل، في تحديد مسار الأزمة اللبنانية، ما يدفع الى الاستنتاج، أن لبنان سائر صوب الخيار العسكري، بصرف النظر عن متى وكيف؟ إذ صحيح أن هذا الخيار لن يكون إلا بعد تهيئة سياسية، وترتيب ذريعة، لمباشرته، إلا أن تفاديه غير وارد، وسيسبقه حصار ومقاطعة وعقوبات على حكومة ميقاتي المرتقبة، كما جرى مع الحكومة الفلسطينية العاشرة بقيادة حركة حماس عام 2006.
 
   قصارى القول، لبنان مقبل على تصعيد عسكري إسرائيلي بدعم أمريكي، سيفتعل قادة تل أبيب ذريعة لمباشرته، وستجد واشنطن في رفض الحكومة اللبنانية المرتقبة التعاطي مع قرار المحكمة الدولية، ذريعة لدعمه، مع ترجيح محاولة حصره في النطاق اللبناني، عبر توجيه ضربة عسكرية حادة وشاملة للبنان، إنما دون الاجتياح البري الشامل، خشية إطالة أمدها، وتطورها إلى حرب إقليمية واسعة، لا تبقي ولا تذر، مع أخذ الاحتياط لكل الاحتمالات، أما الهدف السياسي لهذا التصعيد العسكري المُتوقع، فسيكون تحقيق ما عجز عدوان 2006 على لبنان عن تحقيقه، أعني رفع مستوى قوات ا"ليونيفل" في لبنان، بحيث تكون أكبر عددا وصلاحيات، أي قوات دولية يرسلها مجلس الأمن تحت البند السابع لميثاق الامم المتحدة. ولا مبالغة في القول: إن نتائج هكذا ضربة عسكرية، إن حصلت، سترسم مصير المنطقة العربية لعقود، إيجابا أو سلباً.

التعليقات