27/01/2011 - 22:13

هل هذا المسمار الأخير في نعش التسوية../ عوض عبد الفتاح

بصرف النظر عن الجدل حول المهنية والتوقيت في كشف وطريقة عرض الجزيرة وثائق المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية، فإن هذا الكشف يمكن أن يؤسس لعملية دق المسمار الأخير في نعش نهج التسوية الذي عرفناه حتى الآن

هل هذا المسمار الأخير في نعش التسوية../ عوض عبد الفتاح
بصرف النظر عن الجدل حول المهنية  والتوقيت في كشف وطريقة عرض "الجزيرة" وثائق المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية، فإن هذا الكشف يمكن أن يؤسس لعملية دق المسمار الأخير في نعش نهج التسوية الذي عرفناه حتى الآن. أي أن المسألة الجوهرية هي: كيف نحن شعب فلسطين، وحركته الوطنية نعيد تحديد معالم الطريق بعد أن ضلّ بعض أطراف الحركة الرئيسية هذا الطريق بشكل مأساوي.
 
الوثائق، أو جلها، التي كشفتها الجزيرة، والمواقف المعبّرة عنها، ليست جديدة وليست مفاجئة. الجديد هو في وضع هذه الوثائق أمام الجمهور، أمام الشعب الفلسطيني وهو الأمر الذي كان يجب أن تفعله القيادة التي قادت المفاوضات العبثية على مرّ السنين الطويلة. فالتسويات المهينة التي تم التوصل اليها منذ أوسلو حتى اليوم جرت من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وهيئاته التمثيلية، ولم يقاومها كما يجب إلا بعد أن تكشف المخطط الاسرائيلي الحقيقي من هذه التسويات. فكانت الانتفاضة الثانية العارمة التي أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني ولكن أمورا كثيرة أهمها طريقة التفاوض وهجر المقاومة وطريقة إدارة هذه المقاومة أدخلت الشعب الفلسطيني مرة أخرى في نفق عميق لم يخرج منه بعد. وهذه التسويات ونهج التفاوض هو الذي قاد الى تمزيق الساحة الفلسطينية وصولاً إلى الشرخ الجغرافي والسياسي الكارثي الذي تغذيه اسرائيل وأمريكا لأن هذه أفضل وسيلة للسيطرة والتحكم بالشعب الفلسطيني.
 
هذا النهج في الواقع كان قائمًا قبل ما يسمى بالانقلاب الحمساوي. بل إن هذا الانقلاب هو نتاج التآمر على كل من أراد تعديل النهج والتخلي عن أسلوب المفاوضات العبثية.
 
هناك من تساءل حول جدوى كشف هذه الوثائق في الوقت الراهن، حيث المفاوضات متوقفة باختيار السلطة الفلسطينية، وحيث تقوم هذه السلطة مؤخرًا بفتح جبهة دبلوماسية ضد إسرائيل على الساحة الدولية وإيصال القضية الى مجلس الأمن الدولي. وهناك من يقرأ في مواقف الحكومة الاسرائيلية نيّة بتدمير مكانة أبو مازن لأنه في نظرها يظهر معتدلاً ومستعد أن يكون شريكًا حقيقيًا في المفاوضات مع إسرائيل، مما يُكسبه نقاطا على حساب اسرائيل بزعامة نتنياهو الذي لا يؤمن بإمكانية تحقيق تسوية في المدى المنظور أو المتوسط، إنما يُريد أن يدير الأزمة ويطيل أمد الواقع القائم لأطول فترة ممكنة ظنًا منه أن ذلك يُتيح لاسرائيل إنهاء ملفات عديدة تعزز الأمن الاسرائيلي – كقضية إيران وحزب الله وغيرها. ولكن المعلومات الصادرة عن الدوائر المطلعة على عملية صنع القرار داخل السلطة، تُفيد بأن العمل على لاساحة الدولية، على أهميته، ليس مرتبطًا باستراتيجية جديدة تقوم على الجمع بين المقاومة، حتى اللاعنفية عنها، والعمل الدبلوماسي. ولا تقوم حتى الآن على إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية ومفاهيم الأصلية.
 
لقد كان من الأفضل أن تُكشف هذه الوثائق في عزّ المفاوضات وتـُعرض بصورة مهنية أفضل لوقف الضرر ولتوفير الجهود وتوجيهها الى المسار السليم. إن أخطر ما في هذه الوثائق، وما هو معروف منذ زمن، هو التنسيق الأمني مع الاحتلال، لأن هذا أصلاً نهج غريب على حركات التحرر، ولأنه قائم على الأرض يوميًا ويؤتي ثمارًا لصالح الاحتلال الاسرائيلي. والأسوأ أنه جرى تطبيع هذه العلاقة التعاونية (الأمنية) وترويض العقل، ليس فقط لدى السلطة بل لدى فصائل أخرى داخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولا نجدها تتصدى له بصورة منهجية، على الأقل ثقافيًا أو نظريًا، حفاظًا على الضمير الوطني والعقل الفلسطيني من التشوّه والتسليم بممارسة المحرّم.
 
ما هي الخلاصة من كل هذا؟
 
أولاً، أعيد تسليط الضوء على عدم شرعية التفاوض باسم الشعب الفلسطيني وعلى الاستعداد لتقديم تنازلات في القضايا الجوهرية، حتى لو قيل أن كل تسوية يتم التوصل اليها ستعرض للاستفتاء. فالسلطة لا تمثل كل الشعب الفلسطيني. وهذا أمر يجب ألا يمرّ مرّ الكرام. فيما يعني ضرورة أن يعاد تشكيل المرجعية الفلسطينية الموحدة. وفي هذا السياق لا بدّ من الانتباه الى دور عرب الداخل لأن المفاوضات تشمل الحديث عن مصير هذا الجزء من شعب فلسطين غير المتمثل من الهيئات الوطنية الفلسطينية.
 
ثانيًا؛ هذا يؤكد أن إسرائيل لا تريد حلاً وسطا مع الشعب الفلسطيني، أي لا تريد تسوية تاريخية تحقق الحدّ الأدنى من العدالة. ويمكن القول إن ما أنقذ الشعب الفلسطيني من تسوية كارثية هو الرفض الاسرائيلي سواء الحكومة الحالية أو السابقة. هذه الحكومات أرادت استسلاما كاملا من القيادة الفلسطينية. أي أن وقف المفاوضات والتوجه الى مجلس الأمن، وهو أمر مهمّ، ليس جرأة أو بطولة بقدر ما كان نتاج خيبة الأمل من عدم قبول حكومات اسرائيل التنازلات الجوهرية التي قدمها الفريق الفلسطيني المفاوض ومن يقف وراءه، وكذلك الأنظمة العربية.
 
ثالثًا؛ نعتقد أن هذا الكشف رغم المرارة المترتبة عنه من شأنه أن يكون رادعا في المستقبل من تقديم تنازلات، وأن يجري شطب هذه التنازلات من قاموس التفاوض والعودة الى الأسس الطبيعية التي ترتكز عليها كل حركة تحرير وطني تقود صراعًا ضد المحتل لدحره عن أرضها لتحقيق حق شعبها في تقرير المصير.
 
كلمة أخيرة، ليست الجزيرة ولا وسائل الإعلام  هي المسؤول عن تلطيخ سمعة قيادة السلطة مهما أخطأت أو أساءت في استعمال المعطيات، إنما النهج البائس الذي اعتمدته هذه القيادة والذي الحق أضرارًا فادحة بالقضية ولن يتم إصلاح ذلك إلا بعد الإقلاع النهائي عن هذا النهج وإعادة ترميم الحركة الوطنية الفلسطينية على أساس الثوابت.
 
إن الغليان الشعبي الذي تشهده المنطقة العربية، والتحولات الدراماتيكية في تونس ومصر وما يمكن أن يترتب عن هذه التحولات من نتائج وآثار هامة، على وجه المنطقة يجب أن تكون حاضرة أمام من يجب أن يعيد النظر في نظرته وسلوكه.

التعليقات