28/01/2011 - 11:25

المرحلة السادسة: مرحلة التغيير الشعبي/ خالد خليل

أحداث سبتمبر 2001 دخل الصراع العربي الإسرائيلي إلى مرحلته الخامسة وفقًا لتشخيص محمد حسنين هيكل، وهي مرحلة ابتعاد أمريكا عن حلفائها العرب وتفتيش هؤلاء عنها على اعتبار ان المرحلة التي سبقتها كانت مرحلة الاعتقاد بأن 99% من أوراق الحل في أي قضية وفي أي ملف في الشرق الأوسط هي في يد أمريكا وفقا لتشخيص هيكل أيضا منذ أكتوبر 2009 على قناة الجزيرة.

المرحلة السادسة: مرحلة التغيير الشعبي/ خالد خليل

منذ أحداث سبتمبر 2001 دخل الصراع العربي الإسرائيلي إلى مرحلته الخامسة وفقًا لتشخيص محمد حسنين هيكل، وهي مرحلة ابتعاد أمريكا عن حلفائها العرب وتفتيش هؤلاء عنها على اعتبار ان المرحلة التي سبقتها كانت مرحلة الاعتقاد بأن 99% من أوراق الحل في أي قضية وفي أي ملف في الشرق الأوسط هي في يد أمريكا وفقا لتشخيص هيكل أيضا منذ أكتوبر 2009 على قناة الجزيرة. وأضاف أن المرحلة الخامسة ممكن تسميتها مرحلة نفاذ إسرائيل في الدول العربية، حيث أن إسرائيل تقوم بالتوسط للدول العربية عند الولايات المتحدة عندما تعجز تلك الدول عن تسويق أي من ملفاتها أو مصالحها عند الإدارة الأمريكية، وهذه الملفات غير متعلقة بإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، بل هي مصالح قطرية وتصب عادة في مصلحة النظام العربي المعني أو في مصلحة بعض شخوصه ومقربيه. وبالطبع لا أحد يعترض على هذا التشخيص لأنه يستند إلى معطيات ومعلومات وحقائق نعتقد أنها دامغة اذا ما صدرت عن مصدر وثيق ومطلّع مثل الصحفي محمد حسنين هيكل، فعندما يقول إن إسرائيل تتوسط للدول العربية تكون جعبته مليئة بالقصص والروايات التي لا غُبار على صحتها.

وتقسيم المراحل التي حددها هيكل لا يقف عند التفاصيل والأحداث الصغيرة، بل يمفصل تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وفقًا لعلامات وأحداث كبيرة فارقة:

1- مرحلة 1948 قيام دولة إسرائيل في ارض فلسطين في قلب الأمة العربية.

2- مرحلة سنة 1949 واحتلال منطقة ام الرشراش (ايلات) وإقامة ميناءها واقتسام العالم العربي الى قسمين من خلال الفصل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

3- المرحلة الثالثة وتمتد حتى 1973 وهي مرحلة العجز العربي والتفوق الإسرائيلي المُطلق المدعوم من أمريكا والغرب.

4- مرحلة 1973 وهي اكتشاف العرب أنهم قادرون على مواجهة إسرائيل، وهذه المرحلة امتدت حتى 2001 (أحداث سبتمبر)، فيها ساد الاعتقاد أن أوراق الحل في يد أمريكا، وتوقف الخيار العربي على الركض وراء أمريكا والسعي لتحسين صورتهم عندها وتقديم الطاعة لها، فكانت علاقاتهم مع أوروبا والعالم ثانوية إن لم تكن على الهامش.

5- المرحلة الخامسة، معاقبة أمريكا للعرب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ونفاذ إسرائيل في الدول العربية، وفيها "هجر العرب التاريخ ولاذوا بالجغرافيا". هذا التوصيف صحيح فيما يتعلق بالنظام العربي الرسمي التابع لأمريكا والذي تقوده مصر والسعودية، ولكنه غير منصف فيما يتعلق بسورية التي على الأقل رفضت التبعية واحتضنت المقاومة، وفتشت عن حلفاء بديلين، فحافظت على علاقة متميزة مع روسيا وثبتت تحالفها الاستراتيجي مع ايران وحسنّت علاقاتها مع تركيا، وتحاول في السنوات الأخيرة خلق توازن منطقي تحافظ من خلاله على هذه العلاقات الاستراتيجية وإخراج نفسها من العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضها الغرب بسبب "مشاكسة" النظام السوري له.

في معرض الحديث عن الهيمنة الاسرائيلية وارتماء النظان العربي في أقنان امريكا واسرائيل اعتقدنا وما زلنا "إنّ أهم علامة فارقة على مستوى الشعوب العربية في "المرحلة الخامسة" هي باعتقادنا نشوء نموذج جديد للمقاومة برز في لبنان عام 2000 عندما انسحبت اسرائيل تحت ضرباته، واستمر بالتطور هناك حتى عام 2006، مُلحقًا الهزيمة بالجيش الذي لا يُقهَر، ومن أهم ميزات هذا النموذج انه ذو أثر كبير على الشعوب العربية من المحيط الى الخليج، والتأييد الشعبي له ولرموزه غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إلى درجة انه بات يتحول الى ثقافة عامة هي ثقافة المقاومة والممانعة التي في صُلبها مناهضة المشروع الامبريالي وإسرائيل.

وإذا كانت هذه المرحلة هي مرحلة "نفاذ اسرائيل"، فإنها أيضًا مرحلة "اختمار الوعي القومي المقاوم"، وخميرتها كل الشعوب العربية...
من غير المنصف تاريخيًا (وليس من باب الرومانسية السياسية)، إغفال ذلك وكأنه على هامش المرحلة والتاريخ خاصة وأنّ ملامح الوعي القومي المقاوم باتت واضحة في كافة الساحات العربية، حيث أصبح بالإمكان الحديث عن انتشار وتغلغل ثقافة المقاومة في معظم المجتمعات العربية حتى في ظِل أكثر النظم قمعية. هذه حقيقة تميز المرحلة، وهي نتيجة طبيعية لكسر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر وإلحاق الهزيمة بإسرائيل، ولا شك أنها متأثرة أيضًا إلى حدٍ بعيد بنموذج الجمهورية الإسلامية في إيران.

لا يمكننا بالتأكيد الحديث عن هيمنة ثقافة المقاومة والوصول الى حالة نوعية شاملة، وإنما من غير ريب توفرت حتى اللحظة المقدمات الضرورية لتأسيس هذه الحالة النوعية، والتي أهمها التأييد الشعبي العارم للمقاومة، والذي لا بُدّ وان يتحول إلى حراك شعبي اذا ما أحسن استثماره من قِبل الحركات والأحزاب المناهضة للظلم وللمشاريع الأمريكية والإمبريالية.

لا توجد مقاييس كمية للتعبير عن مدى تغلغل الوعي المقاوِم بين الجماهير، وإنما هناك دلالات معنوية تعبّر عنها النُخب والعامة على حدٍ سواء من خلال الأدبيات والمواقف والآراء وردود الفعل العفوية والمنظَمة والتي تحولت الى مظاهرات مليونية في بعض العواصم" (اكتوبر 2009).

 

وهاهو عام 2011 منذ بدايته ينقلنا الى المرحلة السادسة، مرحلة التورة والانتفاضات الشعبية ضد الانظمة المستبدة وانظمة التوريث والخيانة. بدأت في تونس وهي مستمرة كما يبدو حتى تحقيق اهدافها التي تبلورت مع اشتداد المظاهرات واستمرار محاولات النظام البائد مع القوى الانتهازية، التي دخلت على الخط والمرتبطة مع اطراف خارجية على رأسها أمريكا، للالتفاف عليها.

الانفجار في الشارع المصري هذه الايام ليس بتأثير العدوى التونسية وانما هو وليد احتقان وحراك سياسي شعبي متواصل منذ سنوات وان بوتائر مختلفة صعودا وهبوطا.

ولا شك ان حركة الاحتجاج الحالية عظيمة الأثر وتبشر بآمال كبيرة حول تخليص مصر من ربقة الحكم المستبد، خاصة وانها هذه المرة خرجت عن المألوف ولم تعد تبحث عن المخلّص المنتظر من اجل الانطلاق،  الأمر الذي أبقى في الماضي مصر والشعب المصري عمومًا في دائرة العجز والضعف المعهودة التي تَسِمُ عادة شعوب العالم الثالث والشعوب العربية على وجه الخصوص.

لقد شهد الشارع المصري في العقد الأخير حراكًا سياسيًا هامًا تمثل في ازدياد حجم المعارضة السياسية للنظام وتجسد ذلك في نجاح حركة الإخوان المسلمين بالفوز بثلث مقاعد مجلس النواب على الرغم من عدم نزاهة الانتخابات والتزوير المفضوح من "مافيا" النظام، وتجسّد كذلك بنشوء حركة "كفاية" واتساع دائرة الاحتجاج من قبل الشباب المصري (حركة 6 ابريل)، وغيرها، والأهم من ذلك المجاهرة في الشارع المصري من قبل المواطن البسيط بنقد عملية التوريث والاستبداد وحسني مبارك، الأمر الذي لم يكن رائجًا في سني التسعينات على سبيل المثال إلا من قلة قليلة داخل الغرف المغلقة.

المناخ السياسي في مصر يعبر عن حالة الاحتقان الكبير التي وصل اليها الشعب والتي لم تنجح احزاب المعارضة وتحديدًا حركة الاخوان المسلمين باستثمارها كما يجب وتخلفت وراءها بشكل فاضح في اكثر من موقع ومناسبة ولم تتجرأ على المضي وفقًا لنبض الشارع وخلق حالة شعبية معارضة للحكم عندما توفرت الفرصة لذلك خلال الفورة الشبابية التمردية واعلان الاضراب الذي استنكفت الحركة عن المشاركة فيه او حتى الركوب على موجته قبل حوالي سنة. فهذه الحركة (الاخوان) أضحت تتمتع بصفة "التريّث" كصفة ملازمة لاتخاذ اي قرار وغالبًا ما يؤدي تريثها الى فقدان اللحظة التاريخية للحدث، وها هي هذه الأيام امام مرحلة مصيرية لن ترحم الجماهير الشعبية أي متخلف عن الانخراط فيها.

يعتقد الكثيرون في مصر ان قيادة الاخوان المسلمين أصبح لديها كثير من "الامتيازات" (الاقتصادية تحديدا من خلال الانخراط عميقا في النظام الاقتصادي القائم ) التي تخشى على ضياعها فيما لو خطت خطوات أكثر جرأة باتجاه التغيير والتحريض على النظام (بالطبع إلى جانب أسباب أخرى متعلقة بالقمع وغياب الديمقراطية).

كان بالإمكان تفهم هذا التريث من قبل حركة الاخوان لو أنها مُقدمة على طرح برنامج سياسي لمواجهة الحالة السياسية الراهنة واخراج البلاد والشعب من أزماتهما الخانقة على مستوى الفقر والبؤس والدمقراطية واعادة مصر الى قيادة العالم العربي. فمواجهة النظام المصري المتغوّل بالاستبداد وإفقار الناس بحاجة الى برنامج سياسي واضح والى تحالفات سياسية بين جميع أقطاب المعارضة المعنيين بالتغيير على اساس دمقراطي يحترم التعدد وينبذ الإقصاء السياسي.

المطلوب اتخاذ موقف من الخطاب التغييري الذي تطرحه الحركة الشعبية باسقاط حكم مبارك وبرلمانه والذي يجب ان تتوحد حوله قوى التغيير، فهذه المطالب يجب ان ترفع وتصبح شعارات سياسية لجميع قوى المعارضة،

فالنظام المصري لن يصبح بين ليلة وضحاها دمقراطيًا ويقدم على إصلاحات ديمقراطية شاملة  ويقدمها على طبق من فضة للمعارضة، لا بل من المرشح ان يزداد استبدادًا وقمعًا وتزويرًا.

 

باعتقادنا ان انتفاضة مصر الحالية حولت هذه المطالب الى حالة شعبية عارمة ، لكنها تواجه بأجهزة متمرسة في تخريب وإحباط مبادرات التغيير، ولا بد من تشكيل جبهة معارضة وطنية عريضة مزوّدة بمشروع سياسي واضح لإجراء التغيير المنشود وتحقيق تداول سلمي للسلطة، تتبرعم بذوره الآن في المدن المصرية المشتعلة غضبا واحتجاجا.

التأكيد على مسالة التداول السلمي نابع من كون الانقلابات العسكرية التي حدثت في العالم العربي ابتداء من منتصف القرن الماضي لم تفرز نظاما عربيا قادرا على بناء دولة عصرية وديمقراطية ذات وزن إقليمي حاسم في صراع التوازنات المفروض على المنطقة منذ ظهور إسرائيل كثمرة للمشروع الصهيوني الامبريالي في الشرق الأوسط. وحتى التجربة الناصرية الأكثر إشراقا في التاريخ العربي الحديث، لم يتسن لها التعمير طويلا، ليس فقط بسبب العوامل الخارجية وشراسة الهجمة الإمبريالية الغربية عليها، وإنما أيضا بسبب أخطائها الداخلية التي عمقت الفجوة بين النخب الحاكمة والناس، فلم تنجح بالتحول إلى قيمة وانجاز جماعي، يستقتل الشعب في حمايته فيما لو تعرض لمؤامرات خارجية أو داخلية. ورأينا كيف أن نظام عبد الناصر (المخلص الفرد) افرز بعده نظاما معاديا لأفكاره ومبادئه الأصلية ومتحالفا مع أعداء الأمس، مكرسا لحالة من الفساد طغت على المشهد العام في مصر لتزداد قتامة وسوءا حتى اللحظة.

 ورغم أن هذا النظام في الآونة الأخيرة افتعل كثيرا من الأزمات الخارجية من خلال تأجيج النزعة المحلوية المصرية وحرف الأنظار عن أزمته الداخلية (ألأزمة مع حزب الله والأزمة مع الجزائر)، إلا أن التغيير كما يبدو ناجز  بعدما تم كسر حاجز الخوف من النظام وخرج الألوف إلى الشوارع .

 

المرحلة السادسة هي مرحلة التغيير وانتصار مشروع المقاومة الشعبية ضد أنظمة الاستبداد والعمالة وهزيمة المشروع الأمريكي: انتصرت في لبنان وانتصرت في تونس وحتما ستنتصر في مصر واليمن. ومن أهم سماتها الديمقراطية والتعدد والإصرار على التداول السلمي رغم دموية الأنظمة.

في هذه المرحلة إسرائيل وأمريكا هما المتضرر الرئيسي والمتربص الرئيسي وستكون المعركة القادمة مفتوحة مع الشعوب العربية.

 

التعليقات