02/02/2011 - 15:32

الديمقراطية ثورة../ فواز طرابلسي

لقد انتهى عهد حسني مبارك. والرجل إلى زوال عاجلاً أو آجلاً. السؤال، بعد التظاهرات المليونية في اليوم الثامن من انتفاضة الشعب المصري، هو متى؟ وكيف؟ وأي نظام بديل؟

الديمقراطية ثورة../ فواز طرابلسي

لقد انتهى عهد حسني مبارك. والرجل إلى زوال عاجلاً أو آجلاً.

السؤال، بعد التظاهرات المليونية في اليوم الثامن من انتفاضة الشعب المصري، هو متى؟ وكيف؟ وأي نظام بديل؟

الثورات تختصر المراحل. تكنّس كل ما هو ثانوي وتبقي على الأساس. هكذا نتعرّف على أن ما يجري في مصر هو... ثورة. مضى وقت المطالبة بعدم التجديد لمبارك لولاية جديدة، ومنع التوريث، والاحتجاج على التزوير الفاضح لانتخابات مجلس الشعب، أو الشكاوى من تدني مستوى المعيشة والبطالة والإفقار والفساد. بل مضى زمن انتزاع المطالب الاجتماعية بواسطة الاعتصامات والإضرابات النضالية الحاشدة، على أهمية هذه وتلك. فكل ما سبق خلال العامين المنصرمين يبدو أنه كان بمثابة تمارين من أجل اليوم الخامس والعشرين من يناير.

اليوم: "الشعب يريد تغيير النظام". ولما بدا أن الحاكم ظن أنه ليس معنياً بالنظام، قيل له: "ارحل. الشعب يريد إسقاط حسني مبارك".

والشعب الذي يملأ شوارع وساحات مدن مصر عيّنات عن كل فئات الشعب المصري الاجتماعية والعمرية والدينية ومن أطيافه الفكرية والسياسية. يتصدّرهم الشباب، ونصف شعب مصر دون الثلاثين. على أن ما يجهر به هذا الشعب هو المدهش. "الشعب يريد" مبدأ في الحكم يعلن ثورة. "الشعب يريد" يعني أن إرادة الشعب هي فوق كل إرادة أخرى. فوق إرادة الحاكم الفرد. وفوق إرادة الأسرة والطبقة وفوق إرادة مدّعي الاحتكام إلى شرائع السماء. الشعب يريد... نظاماً آخر.

في غضون أسبوع لا أطول، قامت في مصر سلطتان. سلطة "الشعب يريد". سلطة ميدان التحرير في القاهرة وميادين التحرير في مدن مصر الرئيسية. وسلطة فقدت وسائل الشرعية والطواعية ـ من حيث طاعة المحكومين العفوية للحكّام وفاعلية أدوار وسائل الإعلام والمؤسسات التمثيلية والإيديولوجيا والقيم السائد.

والأهم أن تلك السلطة فقدت أيضاً السيطرة على أدوات ممارسة القمع تفلت من يد النظام المصري أيضاً. فما الذي يجري عندما تتردّد القوات المسلحة في لعب دورها بما هي أدوات القمع بيد الحكّام على المحكومين؟ ذلك هو السؤال منذ يوم أمس وهو سؤال الأيام المقبلة. تعلن قيادة القوات المسلحة أن المطالب الشعبية مشروعة ـ وهي تعلم أن في رأس تلك المطالب مطلب تنحي رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة.

وتؤكّد القيادة ذاتها أنها لن تستخدم القوة ضد الشعب. رد الشعب المصري على قواته المسلحة: إما مصر وإما مبارك! إما التخلي عن حسني مبارك وإما استخدام القوة ضد الشعب. هنا الفيصل الدال عمّا تبقّى في القوات المسلحة المصرية من جيش وفدائيي السويس 1956 ومن جيوش جمال عبد الناصر وعبد المنعم رياض ومن جيش العبور عام 1973. فبناء على الخيار بين حاكم وبلد، سوف يتقرّر لا مصير الانتفاضة المصرية بل مصير مصر لسنوات طويلة قادمة.

يعلن الشعب إرادته وتليه الأحزاب في التفصيل. تتمسّك بتنحي مبارك، تطالب بحل مجلس الشعب والوزارة واعتماد مجلس القضاء لملء الفراغ الدستوري، وتنادي بانعقاد جمعية تأسيسية، وبإجراء انتخابات جديدة، وسن دستور جديد، إلخ. وهذه مجتمعة إعلان عن قلب نظام سياسي ـ اجتماعي رأساً على عقب واستبداله بآخر.

وليس صدفة أن يكون النظام المصري، والأنظمة العربية التي تترنح وتواجه معارضات شعبية عارمة، هي تلك التي تنتمي إلى فصيلة أنظمة "الاعتدال". ابحث عن السبب في شدة ما استهلكها وهمّشها الأسياد الأميركيون وكثرة ما ضحك عليها الحلفاء الإسرائيليون. تتلعثم القيادات الأورو أميركية. تكذّب وتراوغ وتسعى لكسب الوقت بالنصائح الغامضة. والكل يدرك أن ما يجري في مصر الآن يهدّد بإطاحة ثلاثة عقود على الأقل من التحكّم بقلب المنطقة، تحكّم سوف ينهار مع انهيار مبارك.

لا يتردّد نتنياهو في أن يجاهر بأن إسرائيل ـ التي تطالب العالم بالاعتراف بها بما هي "الدولة اليهودية الديموقراطية" ـ هي السد المنيع في المنطقة ضد... الديموقراطية. يحذّر من تكرار تجربة إيران ومن أن تقرّر الشعوب مصيرها بنفسها في منطقة ليست مهيأة بعد "للديموقراطية المعاصرة"!

وها هي مجلة المحافظين الأميركيين الجدد الليكودية تؤكّد لمن لم يلاحظ بعد عميق الصلة بين الاستبداد العربي والحفاظ على أمن إسرائيل بالقول إن الاستبداديين العرب هم الذين حقّقوا السلام مع إسرائيل وليس الديموقراطيون. وأن الديموقراطية جاءت بحركة حماس إلى الحكم. وتتساءل "ذي أطلنطك": "هل نريد الملك عبد الله، القائد المتنوّر نسبيا" أن ينهار بفضل تظاهرات في الشارع؟ (روبرت كابلان، "ذي أطلنطك"، 22 يناير 2011).

هي أنظمة الاستبداد العربية، الجمهورية منها والنفطية السلالية، التي تحمي واقع السيطرة الإمبريالية ونهب مواردها وثرواتها وتقديم الذبائح للاهوت السوق وأوامر صندوق النقد الدولي، وهي هي التي تضمن الأمن الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي.

لا حاجة لتونسة العرب ولا لتمصيرهم في الرد على ذلك. مثلما لم يكن حاجة لفلسطنتهم أصلاً. يكفي أن يعمل كل شعب على تقرير مصيره بنفسه وتغيير أنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية حسب مشيئته ومصالحه والتطلعات. يوجد من الوشائج العميقة والأواني المستطرقة بين البلدان العربية وبين قضاياها ما يكفي لاستقبال النتائج الإيجابية للفعل المشترك وتحويل التراكمات الكمية إلى تحوّلات نوعية.

ولتتمحور المسألتان الوطنية والقومية مجدداً وتتمفصلان على المصالح والآمال والتطلعات لشعوب المنطقة ولتعيدا تعريف نفسيهما من خلال حقوق العمل والعلم والتعبير والتنظيم والصحة والسكن والماء النظيف والنور، والسيطرة على الموارد والثروات والحق في اختيار العرب حكامهم ومحاسبتهم واستبدالهم دورياً وفي التوزيع العادل للأمل في الحياة والتقدم والرفاه. هذه من الآن فصاعداً حوامل المسألتين الوطنية والقومية بديلاً من اعتبارها تشتيتاً للتركيز على "قضية مركزية" معلّقة في الهواء، أو على حبال "النخوة" العربية، يجري التضحية بكل ما يعطيها زخمها وعناصر القوة باسم طهرانية أو استبدالية هي الضعف عينه.

وأنت يا أم الدنيا، يا حبّالة، يا ولاّدة، يا نوّارة،
لِدِي لنا في هذه الأيام القادمة دنياك الجديدة!
"السفير"
 

التعليقات