08/02/2011 - 10:06

الثورة المصرية محطة نوعية وفرصة تاريخية../ ظافر الخطيب

يستحق الواقع أن يقرأ بعين جديدة تختلف بأدواتها عن كل الطرق السابقة في التفكير، إذ أن السؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة لكل الأجيال المتقادمة أو في طريقها إلى التقادم هو أين نحن مما يحدث؟ وهل صحيح أننا بتنا خارج التاريخ وعليه فإن الاصطفاف في موقع اللاشيء والفراغ هو اصطفاف العدم والنهاية؟ أو تسليم القياد لشرعيات جديدة منسجمة أكثر مع التطور والحداثة، جيل الآنترنت والمواقع الاجتماعية، وهم يبرهنون يوما بعد يوم أنهم الأقدر على تقديم الاجابة على أسئلة الواقع بصيروراته وحتمياته، بمفاعليه و ضروراته

الثورة المصرية محطة نوعية وفرصة تاريخية../ ظافر الخطيب
يستحق الواقع أن يقرأ بعين جديدة تختلف بأدواتها عن كل الطرق السابقة في التفكير، إذ أن السؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة لكل الأجيال المتقادمة أو في طريقها إلى التقادم هو أين نحن مما يحدث؟ وهل صحيح أننا بتنا خارج التاريخ وعليه فإن الاصطفاف في موقع اللاشيء والفراغ هو اصطفاف العدم والنهاية؟ أو تسليم القياد لشرعيات جديدة منسجمة أكثر مع التطور والحداثة، جيل الآنترنت والمواقع الاجتماعية، وهم يبرهنون يوما بعد يوم أنهم الأقدر على تقديم الاجابة على أسئلة الواقع بصيروراته وحتمياته، بمفاعليه و ضروراته.
 
وها هي الثورة المصرية تنهي أسبوعها الثاني، ولا شيء يشير إلى أن الزخم الجماهيري الملتف حول شباب الثورة قد خف أو تراجع، مع ذلك هناك الكثير من المخاوف التي تزنر ساحاتها وهي تكاد تنقض عليها لتسحب منها كل منجزاتها، ومع أن التفاؤل الذي صاحب نجاح الثورة، كان يؤسس تفاؤله على انكفاء رموز النظام وأدواته، فإن في محاصرة الثورة في ميدان التحرير مؤشراً يستخدمه البعض المتشائم الذي يرى في النظام القدرة على استيعاب جموح الشباب وإعادته الى بيت الطاعة.
 
المواجهة إذن مستمرة بين قوى الثورة وأدوات النظام، وهي تدخل الآن مرحلة خطيرة، أطلق عليها مرحلة الصمود، اختيار الاسم له مدلولاته، التي قد تشير إلى صمود إرادة الثورة على النظام في مواجهة استشراس النظام في الحفاظ على وجوده، وهي مواجهة تدور أيضاً على جذب الفئة الساكنة التي ما زالت مترددة، وقد استطاع النظام بفعل سياسة الترهيب والتعطيل تحييد هذه الفئة لتبقى دون قرار حاسم، يضاف إلى ذلك موقف وسلوك الجيش الذي يلعب حتى الآن دور الضابط السلبي لإيقاع الثورة، وهو دور يصب حكما في مصلحة نظام مبارك وفريقه الحاكم.
 
وعلى الرغم من ضجيج المفاوضات وتركيز النظام وإعلامه عليها في محاولة منه لإقناع الآخرين بآنه جدي وأن ثمة شيء ما يتحرك باتجاه معالجة الوضع القائم من خلال الاستجابة لمطالب الثورة المصرية، فإن خلف هذا الضجيج يختفي حراكٌ آخر تديره الولايات المتحدة الامريكية، ويتضمن رسائل وأسئلة يديرها وسطاء لطالما امتهنوا اللعب من خلف الستار، وعليه فإن طول أمد مبارك ونظامه إنما هو محكومٌ حكماٌ بوصول هذه العملية إلى خواتيمها، هنا يصبح الامر رهناً بحفظ الوظيفة الأمريكية لنظام مبارك، وعليه يمكن استخلاص البعد الاقليمي والدولي للمشهد المصري، وعليه أيضاً فإن المواجهة الكبرى بين الثورة وتحالف القوى المضادة للثورة، إنما لم تأت بعد، فمن يعيق تقدم الثورة هو تماماً من يقيدها عن استكمال خطواتها الهجومية، وعليه فإن تحقيق الانتصار يتوقف على:
 
1.     تحديد مشروع قيادة الثورة السياسي؛
2.     استقطاب الفئة المحايدة وهي غالبية الشعب المصري؛
3.     التقدم دون خوف نحو المواجهة الاخيرة والحاسمة.
 
وانطلاقا مما تقدم فإن الثورة المستعادة بفعل أهل الكنانة وتونس، هي تصحيحٌ للمسار، عملية ثورية بامتياز، تهدف إلى معالجة التشوه الخلقي الذي أصاب قلب العرب وجغرافيتهم. التشوه الخلقي الذي أحرق المراحل وحول ماهيتنا إلى شكل بلا مضمون، حاضر بلا تاريخٍ أو ماض. وعليه يصح القول في ما نعيشه اليوم، إذا ما نظر إليه بعين الشباب، روح الثورة ونصرها القادم لا بعين المتهافتين على قطف ثمار الدم والعرق، في مسار التفاوض مع نظام متهافت، استعادة للروح المسبية، والأمل المفقود، استعادة للكرامة المهدورة والهوية المستباحة، وعليه فإنه في فعله ومفاعليه شبيه بالثورة الفرنسية، إنه تأسيس غير منتظر.
 
إن أي حدث نوعي كبير على مستوى العالم بإشعاعاته وتأثيراته، هو انعطافة نوعية في التاريخ، ما بعدها لا يصح مع ما قبلها، هكذا تعامل التاريخ مع الثورة الفرنسية، كما الثورة الروسية، وهكذا تعامل التاريخ أيضا مع الأزمات الإقتصادية التي شهدها مطلع القرن العشرين، وعليه فإن الأزمة الإقتصادية التي ضربت صميم الرأسمالية وكشفت عن عمق أزماتها ومدى مأزقها، مفصل تاريخي يوجب بعده انعطافة هامة في التاريخ، به تعود أمريكا مربكة، حائرة، مستنزفة وخائرة القوى، وما يزيد من طينها بلةً هو مشهد انهيار معقلها العربي وحصنها الحصين، بذلك تفقد أمريكا الإمبريالية أوراقها القوية، على أن ذلك هو مسار لعملية تاريخية يجب أن تعطى الوقت الكافي.
 
وعليه أيضا يمكن رؤية الثورة المصرية، لا كمجرد انفجار لاحتقان متراكم على مدار عقود من الزمن، بل بكونه استعادة مصر والعرب إلى التاريخ، لا كمتلق ومتفاعل فقط، بل كفاعل مؤثر، هنا يمكن رؤية المبنى التاريخي المستعاد في عملية ثورية غير مخططة أو مبرمجة، كمعالجة لأكذوبة الاستقلال الوطني، ذلك أن الاستقلال الحقيقي، هو ما يتحقق الآن في تونس ومصر، رغم كل التدخلات الأمريكية التي تصر على منطق التحكم بنتائجها عبر إعادة إنتاج النظام المصري بأدوات جديدة، لهذا فإنها تعمل خلف الكواليس على عقد تسويات أو صفقات بين أدوات معتدلة في النظام والجيش وبعض الأطر السياسية التي تصر على التعامل مع الثورة المصرية بأدوات انتهازية فاسدة و قديمة.
 
إن في استعادة مصر والعرب للتاريخ، انعطافة نوعية و تصحح لمسار العالم باجمع، لهذا نلحظ هذا التهافت وذلك التفاعل مع المشهد المصري، وعليه فإن في قراءة العرب أنفسهم لما يجري بين مترقب خائف ومغالٍ في التفاؤل بدون فعل أو تفاعل، تخاذل ممنوعٌ علينا، فإذا كان القمع والفساد، الاستبداد واغتصاب السلطة، الانبطاح والخيانة،الظلم والقهر، الجوع والفقر، الذل والمهانة، سماتٌ لمرحلة القهر التاريخي، فإن في الخلاص منها دفعةً واحدة فرصة تاريخية لا تصح إلا في دورات زمنية طويلة، من هنا فإن تضييع الفرصة وعدم استثمارها بقاء لمصر والكل خارج التاريخ.
 
كما أن التفاعل مع المشهد المصري هو فرصة تاريخية لم تكن بمتناول اليد حتى عهد قريب جداً، وإن كان منطق الإعتدال العقلاني المؤسس على مقولات الخوف من القوة الإمبراطورية الأمريكية وأفكار التوازن المنقلب بقوة لمصلحة العدو، ومنطق المبالغة في تقدير حقيقة المشهد المصري وثورة الشباب لجعلها نصراً مؤزراً بدون إسناد أو تفاعل، وتغييب القاعدة الأساسية التي تنطلق من مقولة أن معركة الاستقلال الحقيقية ما زالت في بدايتها، وأن المعارك الكبيرة القادمة ستكون أكبر وأعظم، وصولاً للخلاص من عصر الانحطاط، يتطلب الخروج من المنطق الانتظاري، والبدء بإعادة صياغة الوظيفة والدور لكل الأحرار الراغبين في الخلاص، وهو ما يوجب تحويل الثورة المصرية إلى نقطة ارتكاز للثورة العربية، بهذا يصبح الكل عنصراً فاعلاً ومتفاعلاً مع التاريخ، مع حفظ امتياز السبق في التقدم وريادة المعركة لشباب تونس ومصر.

التعليقات