10/02/2011 - 11:15

الموقف الأمريكي ومسار الثورة في مصر../ د. يوسف نور عوض*

ظلت الولايات المتحدة - دائما- تنظر إلى مصر على أنها عنصر مهم في نجاح سياساتها في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت علاقات الولايات المتحدة ومصر علوا وانخفاضا لأسباب إقليمية وخاصة

الموقف الأمريكي ومسار الثورة في مصر../ د. يوسف نور عوض*

ظلت الولايات المتحدة - دائما- تنظر إلى مصر على أنها عنصر مهم في نجاح سياساتها في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت علاقات الولايات المتحدة ومصر علوا وانخفاضا لأسباب إقليمية وخاصة.

ويمكننا قراءة خريطة هذه العلاقة منذ عام ألف وتسعمئة واثنين وخمسين عندما قامت مجموعة من الضباط أطلقت على نفسها اسم الضباط الأحرار بالانقلاب على النظام الملكي الذي كان سائدا في البلاد في ذلك الوقت، ولم تنظر الولايات المتحدة للثورة في تلك المرحلة على أنها عمل ذو اتجاهات سياسية، بل نظرت إليها على أنها مجرد انقلاب ضد نظام إقطاعي عانى منه أهل البلاد، غير أن الأمور تغيرت في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر الذي تأثرت سياساته بثلاثة أمور هي ظروف الحرب الباردة، والدعوة إلى القومية العربية، والموقف من إسرائيل.

وعلى الرغم من أن الرئيس عبد الناصر آثر أن يكون أحد زعماء عدم الانحياز فقد اتجه في أول أمره نحو الولايات المتحدة من أجل تزويده بالسلاح، ولكن بما أن الولايات المتحدة كانت تضع في حسابها المصالح الإسرائيلية فقد تقاعست عن إمداد مصر بالسلاح، وذلك ما جعل عبد الناصر يتجه إلى المعسكر الشرقي وإلى الإتحاد السوفييتي بصفة خاصة، وقد زاد ذلك من شقة المسافة بين الولايات المتحدة ومصر إذ تبنى عبد الناصر الشعارات القومية العربية التي لم تكن تنظر إليها الولايات المتحدة على أنها عمل يقرب المصالح العربية بل كانت تنظر إليها على أنها عمل يمكن أن يكون ذا نتائج سلبية بالنسبة لإسرائيل:

غير أن تحولا أساسيا حدث عندما تولى الرئيس أنور السادات السلطة وأصدر أوامره على الفور بمغادرة الخبراء العسكريين السوفييت البلاد، وذلك ما فتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة ومصر، وقد قامت واشنطن على الفور بتقديم مساعدة قدرها مئتان وخمسون مليون دولار لدعم مصر بحسب طلب الرئيس ريتشارد نيكسون.

وتطورت الأمور إلى أن قام الرئيس أنور السادات في السابع عشر من ايلول/ سبتمبر عام ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين بتوقيع اتفاقات كامب ديفيد التي رأت الولايات المتحدة أنها أنهت حالة الصراع بين مصر وإسرائيل، وساعدت على توقيع اتفاقية السلام بين مصر والدولة الصهيونية في عام ألف وتسعمئة وتسعة وسبعين. وعلى الفور وعدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات كبيرة لمصر ما زالت مستمرة حتى اليوم.

واستمرت العلاقات المصرية الأمريكية في التحسن في عهد الرئيس مبارك الذي تعتبره الولايات المتحدة حليفا رئيسيا لها في المنطقة، ويلتزم بتوجهات السياسة الأمريكية خاصة في تأييد فتح ومعارضة حماس في المنطقة، وعلى الرغم من أن سجل حقوق الإنسان في مصر قد حرك انتقادات أمريكية مستمرة للقاهرة فقد ظلت الولايات المتحدة تغض الطرف عن السياسات المصرية في هذا الاتجاه.

وجاءت الانتفاضة المصرية الأخيرة لتضع العلاقة بين مصر والولايات المتحدة في مأزق حقيقي، ذلك أن الانتفاضة رفعت شعارات الحرية والديمقراطية وطالبت بإزالة حاكم تعتبره في نظرها دكتاتورا، ولم تكن ما دعت إليه الانتفاضة يتعارض مع مبادئ الحرية والديمقراطية التي تدعو إليها الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة تنطلق في هذه المرحلة من مبادئ لا علاقة لها بالقيم التي ظل ينادي بها المجتمع الأمريكي، وذلك ما جعل مواقفها تلتزم الحذر مع مراعاة كاملة لتطور الأحداث في المنطقة.

وكانت الولايات المتحدة قد أرسلت "فرانك وايزنر" إلى مصر بسبب علاقاته القوية مع المسؤولين من أجل المساعدة في إيجاد مخرج للأزمة المصرية، ولكن تصريحات وايزنر بضرورة أن يبقى الرئيس مبارك بعضا من الوقت في السلطة حتى يتمكن من المساعدة في إيجاد حل للأزمة قد أوجد حرجا للولايات المتحدة خاصة عندما تبينت علاقات وايزنر الاقتصادية مع النظام المصري، فقد أوضحت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن وايزنر يعمل مع شركة "باتون بوغز" القانونية التي تتعاون مع نظام مبارك، وقد وضح تماما أن فرانك وايزنر لا يمكنه أن يقوم بدور المبعوث بين الولايات المتحدة ومصر وذلك ما جعله يعود إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.

ولقد أثارت تصريحاته بضرورة استمرارمبارك في الحكم قلقا في أوساط الإدارة الأمريكية ما دفع السناتور جون كري ليقول إن تصريحات وايزنر لا تعكس مواقف الإدارة الأمريكية من يومها الأول وأنها لا تمثل الرسالة التي طلب إليه أن يبلغها للإدارة المصرية.

وبعد عودتها من المؤتمر الأوروبي الذي حضره فرانك وايزنر قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون إنها تقدر الخدمات التي يقدمها وايزنر ولكنها لا ترى أن تصريحاته تمثل موقف الإدارة الأمريكية من أحداث مصر.

وعلى الرغم من ذلك فإن التصريحات الأمريكية بشأن الوضع في مصر ظلت متضاربة بين المطالبة بأن يحدث تغيير في مصر وبين أن يبقى الرئيس مبارك في موقعه حتى يحقق هذا التغيير، والواضح هو أن أقصى ما تطمح إليه الإدارة الأمريكية هو أن ينتقل الوضع في مصر إلى مرحلة انتقالية بقيادة نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان تمهد لتغيرات دستورية وتسلم السلطة لقيادة جديدة:

ولا يبدو في ضوء ما عرضناه أن الإدارة الأمريكية تستوعب مدى جدية المطالب التي ينادي بها الشارع المصري والتي تتركز أساسا حول رحيل الرئيس مبارك، وليس المقصود بذلك مجرد أن يختفي الرئيس مبارك من المشهد السياسي إذ المقصود هو أن يتغير نظام الحكم في مصر من أجل إفساح المجال لنظام جديد يحقق ما تطمح إليه الجماهير المصرية، ويظل السؤال قائما هل تعرف هذه الجماهير نوع الحكم الذي تريده وكيفية تحقيقه؟

ذلك هو السؤال المحير والذي يضع هذه الثورة بأسرها على المحك، ذلك أن تغيير حاكم بحاكم هو مثل تغيير جزار بجزار، إذا لم يكن هناك تصور لنوع الحاكم الجديد الذي يريده الشعب، وكما قلت في مرات سابقة إن ما يجب أن يفكر فيه المصريون هو كيفية التحول من نظام دكتاتوري سلطوي إلى نظام ديمقراطي حقيقي، ويجب هنا ألا يتركز التفكير في عملية منافسة أحزاب لا تمثل في جوهرها قيمة سياسية، ذلك أن معظم الأحزاب في العالم العربي لا تقوم على مبادئ ديمقراطية، إذ هي في مجملها أحزاب أيديولوجية أو طائفية أو قبلية وكل ما تسعى إليه هو الوصول إلى السلطة، ولكن الوصول إلى السلطة من أجل ماذا؟

هذا أمر لا تتوقف عنده مثل هذه الأحزاب كثيرا لأن كل ما يهمها ويشغلها هو أن تكون هي المتنفذة وتحرم الآخرين من أي نفوذ، وذلك بسبب الثقافة السائدة في العالم العربي، وهي تختلف عن الثقافة السائدة في الدول التي تأسست فيها نظم ديمقراطية رصينة، إذ هي نظم تمتلك رؤى اقتصادية وتطويرية هي التي تتحكم في سلوكها، ولا يكون الحكم إلا وسيلة لتحقيق ما تريد، وهي على استعداد للتعاون مع كل من يساعدها في تحقيق أهدافها، وإذا فشلت في تحقيق هذه الأهداف فإنها تفسح المجال لغيرها كي يواصل المسيرة، وذلك ما لا تتفهمه معظم الأحزاب في العالم العربي التي لا ترى لغيرها مكانا في العمل الوطني كما ترى أن وجود الآخر في السلطة هو أمر يجب أن يتقبل على مضض حتى يمكن التخلص منه.

ولكن مع ذلك يجب أن نعترف أنه في ظل تحرك شعبي ضخم كما يحدث في مصر الآن، فمن الصعب أن يخوض الناس بهذا الحجم في جدلية الحوار، غير أن الجماهير لن تحقق في الوقت ذاته أهدافها، إلا إذا انبثقت من داخلها قيادة تمثل منظمات المجتمع المدني التي تتحدث باسمها، ليس فقط من أجل التحاور مع النظام القائم بل من أجل امتلاك القدرة على فرض إجراءات مدنية أخرى أثبتت نجاعتها في مثل هذه الأحوال.
"القدس العربي"

التعليقات