11/02/2011 - 11:35

تعريب الثورة!/ د. جمال زحالقة

يستمر زحف ملايين المصريين نحو إسقاط النظام، ومع كل يوم تنخرط في الثورة فئات اجتماعية جديدة، تلحق بها حتى لا يفوتها قطارها. لقد هزّت الثورة أركان النظام المصري، وزعزعت مسلمات النظام الإقليمي

تعريب الثورة!/ د. جمال زحالقة

يستمر زحف ملايين المصريين نحو إسقاط النظام، ومع كل يوم تنخرط في الثورة فئات اجتماعية جديدة، تلحق بها حتى لا يفوتها قطارها.  لقد هزّت الثورة أركان النظام المصري، وزعزعت مسلمات النظام الإقليمي، وكانت رسالتها واضحة لا لبس فيها: مصر لن تعود كما كانت والشرق الأوسط لن يعود كما كان والعالم العربي لن يعود كما كان.

في حين يطرح الكثيرون السؤال الشرعي لماذا اندلعت الثورة؟ ولماذا الآن بالذات؟ فإن السؤال الآخر لا يقل شرعية وهو لماذا تأخرت الثورة حتى الآن؟ وحتى لو كان هناك نقاش في التحليل، فإن تشخيص الحالة واضح وهو أننا أمام حالة ثورية بدأت وانتصرت في تونس، ووصلت الشرارة إلى مصر لتندلع الثورة فيها، والحبل على الجرار.

لقد اختمرت الأوضاع عشرات السنين حتى وصلت إلى الحالة الثورية، ورغم تقديرنا الكبير وإعجابنا الشديد بدور الشباب الذي لم يطلق شرارة الثورة فحسب، بل يقودها بجدارة، فإن من المهم التأكيد على الدور الطلائعي الذي قامت به قوى وقيادات قومية ويسارية وإسلامية في زرع البذور التي ساهمت في إنتاج هذه الحالة.

لا مبالغة في القول أننا أمام حدث تاريخي حاسم في مصير مصر ومصير الأمة العربية كلها، ولا مبالغة أيضًا في وصف ما يحدث بأنه ثورة عظيمة أهدافها نبيلة: حرية، عدالة ديمقراطية. لقد دخلت الثورة المصرية درب اللا عودة، ولم يعد بإمكان النظام لا قمعها ولا احتواءها، ولم يعد بمقدور الولايات المتحدة حرفها عن طريقها، لا بتملقها ولا بالتحايل عليها. 

يعود هذا بالطبع إلى ما شهدناه من حزم وتصميم ومثابرة من القيادة الشابة للثورة ومن القوى المخلصة للثورة وأهدافها.  لا يمكن التقليل من المخاطر التي تتعرض لها ثورة مصر، ولا من حجم وقدرات القوى التي تخسر من الثورة، ولكن الثورة تعتمد على طاقة جبارة تذلل كل الصعاب وهي الإرادة الشعبية الفعلية التي تعبر عن نفسها كل يوم في ساحات النضال.

إن الحالة التونسية والحالة المصرية اللتان ولدتا الثورة هي حال كل الأقطار العربية، حتى لو اختلفت الظروف في بعض تفاصيلها ومظاهرها، ففي الجوهر لا تمثّل الأنظمة العربية الشعوب العربية ولا تخدم مصالحها ولا تحفظ حقوقها وكرامتها.  الظروف الموضوعية للثورة موجودة في كل الدول العربية بلا استثناء، والعامل الذاتي الشبابي الذي فجر ثورتي تونس ومصر له مثيله فيها كلها، كذلك حالة الاحتقان والغضب والسخط على الأوضاع الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد وخنق الحريات وانتهاك الحقوق وسيادة الطغيان.

من حق الشعوب العربية ومن حق المواطن العربي أن تصان كرامته وتحترم حقوقه، من حقه أن يحظى بالعدالة الاجتماعية وأن يعيش في مجتمع ونظام ديمقراطي عصري، وأن يحصل على تنمية تكفل العيش الكريم له ولعائلته.  تطمح الشعوب العربية إلى تغيير جذري في أوضاعها، وليس إلى مجرد إصلاحات تجميلية, وثبت في مصر وتونس أن الأرض جاهزة للثورة، وعلى الأنظمة أن تختار فإما أن تتغير أو أن تقوم الشعوب بثورات تغيرها وتطيح بها.

لقد طرحت الثورة المصرية الأمور بوضوح غير مسبوق: الشعب يريد التغيير والنظام يرفض التغيير، والشعب يريد ويستطيع إسقاط النظام، وهو مصمم على استبدال الحكام، في المقابل ما من نظام يستطيع استبدال الشعب!

الثورة تتجه نحو الحسم، والحسم يكون حتى النصر، نصر ثورة مصر العظيمة، التي تدشّن ليس لثورات عربية فحسب، بل والأهم من ذلك لنهضة عربية جديدة. بعد تونسة الثورة وبعد تمصيرها، فإن تعريبها على الطريق.

التعليقات