13/02/2011 - 11:39

من أكبر صحن حمص مرورا بالكنافة إلى أعظم ثورة../ زهير أندراوس

يقف الإنسان حائرًا أمام ردود الفعل الصادرة من الدولة العبريّة حول ثورة مصر العظيمة، إسرائيل مصابة بعدوى الهستيريا

من أكبر صحن حمص مرورا بالكنافة إلى أعظم ثورة../ زهير أندراوس
يقف الإنسان حائرًا أمام ردود الفعل الصادرة من الدولة العبريّة حول ثورة مصر العظيمة، إسرائيل مصابة بعدوى الهستيريا، محللون من جميع أطيف اللون السياسيّ والإعلاميّ في الصحافة العبريّة، بالإضافة إلى عددٍ لا يستهان به من المستعربين ينتقلون من قناة تلفزيونيّة إلى أخرى، يُحذّرون من تهاوي نظام حسني مبارك الاستبدادي، ويُشددون على أنّ البديل لنظام مبارك، الذي ما جثم على قلوب وعقول المصريين منذ ثلاثة عقود ونيّف، سيكون سيطرة الإسلام الراديكالي على بلاد النيل، أيْ حركة (الإخوان المسلمين)، وهذا البديل، يُشدد العديد من المعلقين والسياسيين، سيكون أسوأ من الأسوأ لإسرائيل، وبطبيعة الحال لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
 
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كعادته يستعمل الديماغوغيا الرخيصة، ويتكلم بنوعٍ من القلق المصطنع عن خوفه من وقوع مصر في أيدي الحركات الإسلاميّة الأصوليّة، ويضيف بمناسبةٍ أوْ بغيرها، أنّ انتقال مصر إلى الإسلاميين، يعني تحول مصر إلى دولة جريرة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. اللافت أوّ بالأحرى عدم اللافت، أنّ جميع المحللين وأولئك الذين يُطلقون على أنفسهم لقب الاختصاصيين في شؤون العالم العربيّ، لا ينبسون ببنت شفة، إنّهم يعيدون ويُكررون كلمة الإسلام بشكلٍ ممجوجٍ في محاولة لتأليب الرأي العام في دولة الاحتلال على كل ناطقٍ بالضاد وعلى كل من يقول "لا إله إلا لله محمد رسول الله"، الإسلاموفوبيا باتت تقض مضاجعهم، ولبرهةٍ يُخيّل لك أنّ عصابة "المحللين" حريصة على مصر أكثر من ثوار مصر، وهذا الأمر نابع في ما هو نابع من النظرة الاستعلائية والفوقية للشعب في إسرائيل، الذي يعتقد أنّه يرى ولكنّه لا يُرى.
 
ننتقل من قناة تلفزيونيّة إسرائيليّة إلى أخرى، نطالع الصحف الصادرة والمقالات التحليليّة، علنّا نجد محللاً أوْ سياسيًاً يُغرّد خارج سرب الإجماع القومي الصهيوني، ولكنّ الفشل يكون من نصيبنا، الجميع انضموا إلى جوقة التحريض الأرعن والسافر على مصر وعلى ثوارها، الذين يُقدّمون الغالي والنفيس من أجل عبق الحريّة، ولا يكتفي الإعلام العبري، المتطوع لصالح الأجندة الصهيونيّة اليائسة من التطورات الديمقراطيّة في العالم العربيّ، بتضليل الرأي العام، بل يقوم بتعبئة الإسرائيليين لمرحلة ما بعد حسني وما بعد، بعد مبارك: مصر ستتحوّل إلى دولة عدو، وبالتالي، وفق منطقهم الحربي والعسكري، يجب العمل الآن، الآن وليس غدًا من أجل زيادة ميزانية الأمن لمعالجة الجبهة القديمة الجديدة. مضافًا إلى ذلك، فإنّ الساسة والمحللين على حدٍ سواء يذرفون دموع التماسيح وينتقدون الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الذي رمى بحسني مبارك، الحليف الأمين والمؤتمن، إلى الكلاب، كما كتب أحدهم في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، أمّا ما يُسمى باليسار الصهيوني فإنّه يتباكى على مبارك، ويُذكّر من خانته ذاكرته أوْ من يعاني من الذاكرة الانتقائية والقصيرة، أنّ الرئيس المصري كان يستقبلهم استقبال الملوك.
 
ردود الفعل الإسرائيليّة المؤسساتيّة والشعبيّة تثير العديد من علامات الاستفهام وعلامات السؤال حول تعامل إسرائيل مع مبدأ الديمقراطيّة، وفي هذه العجالة لا بدّ من التذكير بأنّه منذ إقامتها في العام 1948 سوّقت دولة اليهود نفسها إلى العالم، وإلى العالم الغربيّ على وجه الخصوص، بأنّها الديمقراطيّة الوحيدة في صحراء الديكتاتوريّات العربيّة بمنطقة الشرق الأوسط، وانطلت هذه الكذبة على شعوب العالم، كما انطلت عليهم كذبة الحركة الصهيونيّة التي أطلقت مقولتها الكاذبة بأنّ فلسطين هي أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض. وما زالت دولة ليبرمان ونتنياهو وجميع العنصريين تتباهى بهذا اللقب، نعم، نقولها بكل صراحةٍ: في إسرائيل توجد ديمقراطيّة، ديمقراطيّة مقصورة على اليهود فقط، أمّا بالنسبة لمليون ونصف المليون فلسطينيّ، الذين يعيشون في وطنهم وليس في دولتهم، فإنّ كتاب القوانين الإسرائيليّ، بات منذ فترة كتاب ما قبل الفاشيّة وما بعد العنصريّة، الديمقراطيّة الإسرائيلية ذابت عندما وصلت إلى العربيّ الفلسطينيّ، صاحب الأرض. القوانين تُسن في الكنيست ضدّ فلسطينيي الـ48 بهدف تحويل الدولة إلى دولة جميع يهودها، دولة جميع مستوطنيها، دولة جميع عنصرييها، وتضييق الحيّز، الضيّق أصلاً، على فلسطينيي الداخل.
 
وباعتقادنا المتواضع جدًا هنا مربط الفرس وهذا بيت القصيد، هنا تطفو على السطح التناقضات الغربية العجيبة أوْ بكلمات أخرى المفصليّة: إسرائيل التي تُعرف نفسها على أنّها دولة ديمقراطيّة، وهي عمليًا تبعد ألف سنة ضوئية عن الديمقراطيّة، كانت بحكم ذلك ملزمة بالتعاطف مع الشعب المصريّ الثائر ضدّ الاستبداد والديكتاتورية والتوّاق إلى الحريّة والديمقراطيّة، إذ أنّه من المسلمات، أوْ حتى من البديهيات أنْ تقوم الدولة الديمقراطيّة بنبذ أيّ نظام ديكتاتوريّ على وجه هذه البسيطة، علاوةً على ذلك، نسأل وبالصوت العالي: لقد جاء في التوراه أنّه يتحتم على اليهودي أنْ يُحب لغيره ما يرضاه لنفسه، وبالتالي: لماذا تعارضون، أيُها الصهاينة، الديمقراطيّة في مصر؟ هل تخشى إسرائيل من أنْ تفقد اللقب الكاذب أصلاً بأنّها واحة الديمقراطيّة في الشرق الأوسط؟.
 
محلل الشؤون العربيّة في القناة الثانية التجاريّة في التلفزيون الإسرائيلي، المدعو إيهود يعاري، لم يفهم لماذا لم يقم النظام المصريّ بقمع المحتجين فورًا وبدون تأخر، لكي يمنع بذلك تكرار السيناريو الذي حدث في تونس. يعاري ومن لف لفه لم يسألوا أنفسهم، ولو لمرةٍ واحدةٍ: هل الشعب المصريّ المنتفض على حق؟ هل الانتفاضة المصريّة هي تحصيل حاصل لشعب عاني الأمريّن على مدار ثلاثين عامًا من بطش النظام؟ هذه الأسئلة لا تهم المحلل، ما يقض مضاجعه هو بالترجمة إلى العقل الإسرائيلي: ماذا على مبارك أنْ يفعل حتى لا تنتقل السلطة إلى الإخوان المسلمين، هذه النقلة التي تصب في طالح الدولة العبريّة، إنّه يتكلم و"يحلل" بدون كللٍ أوْ مللٍ ويخيف الشعب في إسرائيل من المسلمين.
 
الشراكة الطبيعيّة في إسرائيل بين أركان دولة الاحتلال وبين المحللين على مختلف مشاربهم تعيد إلى الأذهان للمرة ربّما بعد الألف السؤال التالي: الإعلام العبريّ، هو إعلام متطوع لصالح الأجندة الصهيونيّة المتطرفة، يُكرر بكلمات ومصطلحات أخرى ما يصرح به الساسة، عملية غسيل الدماغ مستمرة بوتيرةٍ عاليةٍ للغاية، وعندما يتحوّل الإعلام في دولة تزعم أنّها ديمقراطية إلى إعلام يعمل بكل ما أوتي من قوة لتمرير رسائل الساسة، فإنّه بذلك يقطع الشك باليقين بأنّه إعلام ليس ديمقراطيًا، وأنّ إسرائيل هي أبعد من أنْ تكون ديمقراطيّة، إنّه لا يهتم البتة بأصول الديمقراطية وبحق الشعوب العربيّة وغير العربيّة أنْ تتمتع بها، إنّه إعلام يُهلل لسياسة الحكومة، وبالتالي فإنّه لا يختلف عن الإعلام الرجعيّ في أيّ دولة عربيّة أو دولة عالم ثالث.
 
وقبل الختام لا بدّ من العودة إلى المرحوم إدوارد سعيد ومفهوم الاستشراق Orientalism)) وهوتعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق، ويطلق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم. ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته، ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة، معبراً عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما. وبحسب البروفيسور سعيد فإنّ المستشرقين كانوا يهدفون تحطيم العرب والإسلام، ونحن نضيف أنّ إسرائيل مصابة بعدوى العنصريّة، فلا نفهم ولا يمكن أنْ نتفهم الخوف الإسرائيلي من الديمقراطيّة في مصر، لا ندري ماذا يُحرك هؤلاء فبدل أنْ يفرحوا ويبتهجوا لديمقراطيّة مصر، فإنّهم يعودون إلى نظرية التقوقع في (الغيتو)، فقط، لأنّ المنتفضين هم من العرب، وربّما القلق الإسرائيليّ الحقيقيّ يمكن في ردّة الفعل التي سيقوم بها جيش الاحتلال عندما يقوم الفلسطينيون في المناطق المحتلة منذ عام 1967 بمسيرات سلمية نحو المستوطنات الكولونياليّة مطالبين بدولة حرّة وديمقراطيّة، وأكثر من ذلك، ربّما قلق أركان دولة الاحتلال من قيام العرب الفلسطينيين في الداخل بانتفاضةٍ سلميّةٍ ضدّ الغبن اللاحق بهم، ضدّ العنصريّة المتفشيّة في جميع روافد المجتمع اليهودي، ماذا ستفعل قوات الأمن الإسرائيليّة عند ذلك؟ هل ستقوم بإطلاق العنان لجيشها وقوات أمنها لقتل المتظاهرين سلميًا، كما فعلت خلال هبّة القدس والأقصى في أكتوبر الأسود عام 2000؟.
 
في السنة الأخيرة نافس العرب في صناعة أكبر صحن حمص وأكبر صحن تبولة، وأكبر صحن كنافة، أمّا الآن، بعد تونس ومصر، فإنّ الأمّة بدأت بدخول ربيع الشعوب، وباتت تمثل نموذجًا حيًّا للشعوب الحرّة والديمقراطيّة، هنيئًا لمصر بشعبها العظيم، وإفرحي وتهللي يا أمّتي العربيّة، لشبابُ لن يكلَّ همُّه إلا بعد إعادة مجدَنا التليد.

التعليقات