16/02/2011 - 09:44

الرأي العام الأمريكي وثورة المصريين/ خالد بركات

لماذا وقف الرأي العام الأمريكي مع ثورة المصريين؟ أو لماذا لم يتخذ موقفا عدائيا من الثورة التونسية والمصرية، كما كان متوقعا، ومأمولا من أعداء ثورة الشعب المصري؟

الرأي العام الأمريكي وثورة المصريين/ خالد بركات
لماذا وقف الرأي العام الأمريكي مع ثورة المصريين؟ أو لماذا لم يتخذ موقفا عدائيا من الثورة التونسية والمصرية، كما كان متوقعا، ومأمولا من أعداء ثورة الشعب المصري؟
 
لم ير الانسان الأمريكي والأوروبي العادي ( الأبيض تحديدا ) في ثورتي تونس ومصر، ما يهدد أمنه ولا ما يهدد أمن ومصالح بلده. كما عجز اللوبي الصهيوني في استخدام فزاعة الاخوان المسلمين والإسلاميين في محاولة لحرف مسار الحدث عن سياقه التاريخي، إذ بدل الحديث عن حرية المصريين يصير الحديث عن أمن إسرائيل! خاصة شبكة "فوكس نيوز" الأخطبوطية الإعلامية، التي نشطت في استضافة عتاة العنصريين من الأمريكيين والإسرائيليين الصهاينة والعديد من "الخبراء في الشرق الأوسط والإرهاب" لكن المصريين كانوا أسرع في حركتهم، وصمدوا في الميادين والشوارع أمام بلطجية وأمن الطاغية المخلوع، وحسموا الرأي العام الدولي لصالح ثورتهم في سرعة خيالية تجاوزت أحلام وطموحات الثوار أنفسهم.
 
في الولايات المتحدة الأمريكية، كما في بقية أصقاع الأرض، شاهد الناس العاديون تلك الصور القادمة من مصر، ومن ميدان التحرير على وجه الخصوص، حيث بؤرة الثورة وعصبها، وفي عالم الانترنيت وثورة المعلومات والاتصالات كانت الصور تقول كل شيء ودفعة واحدة: أنت أمام شعب أعزل يخرج كله ضد ديكتاتور يغتصب السلطة لثلاثين عاما ولا يزال يمسك بكرسي الحكم فيما يطالب الشعب المصري بحريته وحقوقه.
 
من هي الوسيلة الإعلامية الأمريكية التي يمكنها أن تتجاهل حقيقة حسني مبارك الذي يتربع على عرش مصر منذ 30 سنة؟ إذ بمجرد ذكر هذه الحقيقة يحسم الأمر لصالح الثورة فورا، وقد تعلم الأمريكيون، على يد إعلامهم وساستهم، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، فكرة الصورة البسيطة التي تقول: إذا رأيت جماهير غفيرة تتظاهر سلميا وتطالب بالديمقراطية ( تذكروا صورة انهيار المعسكر الاشتراكي ) عليك أن تدعم وتؤيد ( قوى الحرية ) ضد ( قوى القمع ) في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي!
هذا المنطق الأمريكي وجد نفسه اليوم أمام حالة عربية، في تونس ومصر، فماذا يقول؟
 
بعد أحداث 11 ايلول 2001 في نيويورك وواشنطن – العاصمة، تولد شعور لدى شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي أن بلادهم تدعم الدكتاتوريات وتساند أنظمة القمع في منطقة الشرق الأوسط، وقد صرح بذلك أكثر من مسؤول أمريكي من الحزبيين الرئيسيين، وقد خلصت العديد من افتتاحيات الصحف الكبرى على مدار السنوات العشر الماضية، إلى أن أحد الأسباب الرئيسية التي تقف خلف سؤال: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ يتلخص في الدعم الأمريكي لقوى سياسية ومالية وعائلات تتفرد في الحكم وتقمع الشعب وتصادر حقوق الإنسان.
 
هذا "النقاش الأمريكي" بعد العام 2001، كان يهدف في الكثير من وجوهه إلى تبرير الحرب الأمريكية القادمة على المنطقة، وتبرير قيامها بخلع الأنظمة الديكتاتورية بالقوة المسلحة ( طبعا تلك لا تتساوق مع سياساتها ) وكان العراق نموذجها العربي الصارخ والفاشل والوحيد.
من يسمع تقارير اندرسون كوبر، وهو أحد أهم مراسلي ومحرري شبكة "سي ان ان"، وهو يتحدث عن الثورة المصرية، تحسبه وكأن الرجل صار عضوا في مجموعة شباب 6 أبريل، أو صار ناصريّا! خاصة بعد أن تعرض اندرسون للضرب المبرح على يد بلطجية النظام الهالك في ميدان التحرير، ولم يسبق لشبكة سي ان ان، في أي وقت مضى من تاريخها، أن تعاملت مع "خبر عربي" كما كان الحال مع ثورة 25 يناير.
 
معهد غالوب الأمريكي أجرى استطلاعا للرأي يوم 5 فبراير/ شباط كانت نتيجته صارخة: 82% من الأمريكيين يتعاطفون مع الثورة المصرية فيما 11 % لا يتعاطفون و 7 % لا رأي لهم.
 
الارتباك الذي أصاب الموقف الإسرائيلي ساهم بدوره في ارتباك الموقف "الإعلامي" في الولايات المتحدة حيال الثورة المصرية، لأن العدو الصهيوني الذي اتخذ موقفا عدائيا وعلنيا من الثورة في أيامها الأولى، وهو يحاول إنقاذ حليفه مبارك، ما لبث أن تراجع سريعا أمام زحف المصريين وانتصارهم، وهو يحسب ويعد نفسه لقادم الأيام. أضف لذلك، أن شعار "إسقاط نظام كامب ديفيد" لم يكن هو الشعار المركزي للثورة كما لم يفلح الصهاينة في تضخيم دور الاخوان المسلمين في حركة الشعب المصري التي صهرت في أحشائها كل أطياف وألوان الجماعة الوطنيه المصرية.
 
تخلف النظام المصري المخلوع زاد الطين بلة بالنسبة للموقف الرسمي الأمريكي في مواجهة ثورة 25 يناير. فماذا يمكن أن يقول الرئيس أوباما للشعب الأمريكي وهو يسمع بأذنيه السيد عمر سليمان يقول للصحافية الأمريكية على قناة "اي بي سي" إن الشعب المصري ليس جاهزا للديمقراطية ولا يملك ثقافة الديمقراطية أصلا. هذا الأمر كان يمكن أن يتعامل معه أوباما في الغرف المغلقة أما والأمر قد صار في العلن فهو لا يستطيع أن يدافع عن "أمله الوحيد" في مصر..
 
صناع البضائع والأسلحة والإعلام في الولايات المتحدة باعوا الشعب الأمريكي " شعار الحرية الغائبة" في مجتمعات الشرق الأوسط، ولا تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية، خاصة الحالية، أن تقول لهم الآن ما يخالف ذلك الركن الأساسي في الخطاب الأمريكي "الجديد".
 
الولايات المتحدة تريد أن ترى "تغييرا" في العالم العربي يصب في إنشاء حكومات تتمتع بنسبة "معقولة من الشرعية الدستورية" تضمن لها استقرار السوق وتحمي مصالحها. تريد أن يجري ذلك وفق ما يسمى بالإصلاح المتدرج والسلمي المختوم أمريكيا، وليس وفق ثورات شعبية عارمة، تطيح بالنظام وأركانه وتعيد إنتاج الأولويات الاقتصادية والسياسية للبلاد العربية. فما جرى في مصر لا يروق للبنك الدولي ولا يخدم سياسة الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة إسرئيل. وتعرف أمريكا أن التغيير على الطريقة التونسية والمصرية يصب كله في نهر الثورة العربية، وهو ربح صاف لفلسطين وشعبها ولمعسكر الأكثرية الشعبية المسحوقة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والانعتاق والنصر.

التعليقات