23/02/2011 - 12:39

ليسقط الطاغية../ فواز طرابلسي

المؤكّد أن شعب ليبيا سيبقى أميناً لوصية بطله عمر المختار: نحن شعب لا نستسلم.. ننتصر أو نموت. والشعوب لا تموت.

ليسقط الطاغية../ فواز طرابلسي

انتهت المسخرة. وآن الأوان ليغادر الممثل المسرح، وليخلع آخر أثوابه: ثوب العار.

مثّل الأدوار كلها، وتزيّا بكل الأزياء. وكان التزيي عنده إحدى الوسائل اللافتة في لعبته السياسية. مارس في تعدّد الأزياء والغرابة استعراضيته تعبيراً عن نفس رهابية نرجسية مريضة، ومثّل بواسطة الأزياء تعدّد الشخصيات والمقالب. في الأحوال العادية، كانت أدواره ومقالبه تخدم تحييده عن المسؤولية والمحاسبة. تسمعه أو تشاهده أو تقرأ له فتقول: لا حاجة لأن تؤخذ كلماته ومواقفه وأفعاله على محمل الجد.
والآن، ارتدى المجرم زيّ المهرّج. فلم يبقَ له غير أن يغادر المسرح.

خلال 42 عاماً، سجن معمر القذافي شعبه فيما سُمّي "جماهيرية". وبحجة الجماهيرية، منع الأحزاب وسخّر الإعلام لعرض تهريجاته. بدّد كل مراكز القوى والقرار والاجتماع، وقضى على كل مرجعية إلا مرجعيته، واغتال كل المؤسسات، ثم توارى خلف أضحوكة اسمها "اللجان الشعبية" و"لمكاتب الشعبية" و"المؤتمرات الشعبية" ليحكم منفرداً بالاعتماد على المخابرات و"اللجان الثورية" بلا رقيب ولا حسيب. هو حاكم كاسح الحضور في خفائه: بلا لقب، ولا منصب رسمي.

فَلَكيّ الهدر. كان المالك الأوحد لثروة بلاده النفطية وباني اقتصاد حرمان ريعي، باسم مسخرة أسماها "اشتراكية" لم تنتج إلا البطالة والفقر. بدّد أموالاً لا تحصى على مغامراته المجنونة فيما الخمس من شعبه لا يزال يعيش تحت خط الفقر وبطالة الشباب تستشري. أخذ يوزع عائدات النفط على الليبيين، فرداً فرداً، بلا طائل. عاش عيشة ملوك وأسرته. يتنقل في خيامه الفخمة الوثيرة المكيّفة، ويعتلي النوق في الزيارات الرسمية، تصاحبه فرق حرسه النسوي، وهذا قبل أن يقرّر أن يخترع سيارة، تمثلاً بهتلر، كلفة النموذج منها مليونا يورو. وخلال دعواته المتكررة إلى روما، كان الديوث البرلوسكوني يجمع له مئات الصبايا الإيطاليات من لابسات الميني جوب يدعوهن "العقيد" إلى الإسلام ويوزع عليهن نسخاً من القرآن الكريم بالإيطالية.

أهان العمال الوافدين من عرب وأجانب، وهجّرهم جماعياً على هوى أمزجته الانتقامية، بمن فيهم الفلسطينيون، واستقدم المرتزقة الأفارقة.

لم يترك حرباً أهلية إلا وخوّض في دمائها، من إيرلندا، إلى التشاد وسائر أفريقيا. مارس الإرهاب الداخلي والدولي. وسلّط أجهزته لاغتيال معارضي نظامه عبر العالم، ثم وسعها برجال مخابراته والمتعاونين معها لتشمل شخصيات ذات مكانة واحترام مثل الإمام موسى الصدر ورفيقيه. ودعم من حركات الإرهاب ما لا يُعد ولا يُحصى.

فَلَكيّ الهَذْر، سجن شعبه عقلياً في مصح سُمّي "النظرية العالمية الثالية" يبسّطها كتيّب هو الذروة في ابتذال الادعاء "التربوي" للأحزاب العقائدية في سعيها "توعية" شعب يجري تعريفه بأنه مصاب بالآفة الثلاثية "فقر، جهل، مرض". لم يكتف بخشبية لغة مؤلفه، صبّ كلماته في الإسمنت. وها هو الشباب الليبي الثائر يعبّر عن رأيه الفعلي في آراء "العقيد" وهو يحطّم الألواح الإسمنتية التي خطّت عليها "حكمه" الخضراء التافهة.

أخيراً، استسلم نادماً أمام الولايات المتحدة، بعد أن خاف على نفسه ونظامه، إثر سقوط نظام صدام حسين. خضع لشروط الاستسلام كافة ومنها تفكيك منشآته النووية والكيماوية والجرثومية التي كلّفت التريليارات. ومن آخر مهازله إعلان نفسه ملكاً على ملوك أفريقيا... بالرشوة. وطالب هذا "الوحدوي" الأمم المتحدة بتقسيم... سويسرا لأن القضاء السويسري تجرأ على إصدار عقوبة على ابنه هنيبعل لضربه عاملاً مغربياً في خدمته. وإن ننسَ فلن ننسى أنه دافع بشراسة عن بن علي ومبارك وهاجم شعبيهما.

ارتدّ إلى خط الدفاع الأخير للأنظمة التي على شاكلة نظامه. فأعاد تعريف الليبيين بما هم أبناء قبائل ومناطق. وأعاد الاعتبار لنظام الرهائن والعقوبات الجمعية. هدّد الليبيين، عشية 19 فبراير، بمعاقبة قبائلهم إذا هم تحركوا في يوم الغضب. تحدّاه شعبه عندما خرجت جموع منه في انتفاضة فجائية في شوارع المدن والبلدات والقرى والواحات. نفّذ تهديده. اقتصّ قذاف الدم جماعياً من شعبه. أمر بإطلاق النار على المتظاهرين وقتل المئات، وقصف مدنه والمدنيين بالطائرات السمتية والمقاتلة. وعلى الأشلاء، أطل المهرّج المجرم، في آخر الاثنين الدامي، في مشهد كاريكاتوري ممسرح من داخل سيارة، حاملاً مظلة، ليقول "أنا هنا"! "أنا هو من يقتلكم"!

وفي نهاية يوم آخر من القتل والمجازر، أدلى بخطبة عجّت بالهذيان الدموي وجنون العظمة والاستنجاد بكل مجازر البشرية المعاصرة لتبرير جرائمه. وفي تلذذ مقيت بالعنف، أخذ يحرّض القبائل بعضها على بعض.

وفي الوقت ذاته الذي فضح فيه فقدانه السيطرة على القسم الأكبر من الأراضي الليبية، أعلن أنه لم يُصدر الأمر بعد بإطلاق النار وتوعّد شعبه بالحرائق. وبحجة أن الحكم هو بيد "الشعب"، تبرّأ من أية مسؤولية عن 42 سنة من الاستبداد والهدر والقهر، محملاً "الشعب" المسؤولية عن كل الأخطاء، مذكراً، مثلاً، بأن "الشعب" هو مَن أصرّ على التخلي عن تسلّم عائدات النفط وقرّر تسليمها إلى "الدولة" ـ أي إليه شخصياً!

ومع ذلك، فلم يتردّد في تحميل "الشعب" المسؤولية عن سوء توزيع الثروة النفطية. كرّر متلعثماً ما ورد في خطاب ابنه من "مخاطبة الكنّة لتسمع الجارة" مذكراً أوروبا وأميركا بالوظيفتين الرئيسيتين لنظامه في خدمة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الغربية: الحفاظ على النفط ودرء الخطر الأصولي. وتحدث عن دستور جديد وشدّد على توسيع صلاحيات الحكم المحلي بما في ذلك منح القبائل الحق في الحكم الذاتي.

يجب أن تكون خطبة مساء الثلاثاء هي خطبة الوداع لمعمر القذافي.
يجب منع هذا الرجل من أن يستمر في الحكم يوماً واحداً.
إن إزاحة هذا المهرّج المجرم ومحاكمته وأسرته وأركان نظامه، أمام القضاء الليبي ولا قضاء سواه، لم يعد ضرورة سياسية واجتماعية واقتصادية ووطنية بل وقومية وإنسانية وحسب. إنه الآن تنفيذ لواجب أخلاقي.
والمؤكّد أن شعب ليبيا سيبقى أميناً لوصية بطله عمر المختار:
نحن شعب لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.
والشعوب لا تموت.
"السفير"
 

التعليقات