26/02/2011 - 09:57

ليبيا: النفط معمّرها والغرب مساندها../ زهير أندراوس

هناك ما يُسمى ببرنامج النفط مقابل الغذاء، وهو برنامج الأمم المتحدة، الصادر بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ المسمى برنامج النفط مقابل الغذاء، وهو برنامج سمح للعراق بتصدير جزءٍ محددٍ من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات، الآن لا يوجد برنامج، لأنّ الاستعمار احتل بلاد الرافدين، ولكن مع ذلك، يسود لدينا الاعتقاد من مواكبة الأحداث عن كثب أنّ البرنامج الجديد الذي لم يُتخذ قرارًا فيه يجب أنْ يُسمى: القتل مقابل النفط، أيْ السماح للقذافي بإبادة الشعب الليبيّ عن بكرة أبيه، مقابل مواصلة ضخ النفط إلى الدول الغربيّة التي ما انفكت عن التآمر ضدّ الأمّة العربيّة، ولن تنفك إلا عندما يقول العربيّ لأخيه العربيّ ارفع رأسك يا أخي، فقد انتهى عهد الاستبداد وولّى زمن الهزائم.

ليبيا: النفط معمّرها والغرب مساندها../ زهير أندراوس
بادي ذي بدء أرى لزامًا على نفسي، من الناحية الأخلاقيّة والوطنيّة، أنْ أقول بصريح العبارة: عذرًا، يا شعب ليبيا العظيم، معذرة منكم، وتحيّة لكم، حيّة إكبار وإجلال للشهداء: في نيسان (أبريل) من العام الماضي زرت بلدكم ضمن وفد من أراضي الـ48 بهدف التواصل معكم، التواصل مع أبناء أمتّي العربيّة، التي أفتخر وأعتز بالانتماء إليها، لم يسمح لنا النظام الحاكم بالالتقاء بكم والتحدث معكم، والاستماع إلى أمالكم وآلامكم، فقد كانت الزيارة سريّة للغاية، وتمّ التحفظ على أعضاء الوفد من قبل المخابرات الليبيّة. ثلاثة أيام قضيتها في الجماهيرية، كانت كافية لكي أتوصل إلى نتيجة بأنّ وراء الأكمة ما وراءها، ولكن مع ذلك، أرجو أنْ تفهموني وتتفهموني، لو أنّ العرب القابضين على الجمر هنا في فلسطين، تنازلوا عن زيارات التواصل مع أبناء جلدتهم في الوطن العربيّ، لكانوا بقوا هنا، لأنّه والحمد لله، لا يوجد نظام عربيّ واحد يفقه شيئًا عن الديمقراطيّة، وهذه الحالة، انتشار حظائر سايكس بيكو، أوْ المحميات الأمريكيّة غير الطبيعيّة، من المحيط إلى الخليج، هي بحد ذاتها ظاهرة غريبة عجيبة، أوْ قُل فريدة عصرها، ولا أعتقد أنّ كائنًا من كان، من الخبراء والمحللين والباحثين، قادرُ على فك رموزها وتحليلها.
 
***
 
ومن الخاص إلى العام: أكتب هذه الكلمات وقلبي يعتصر ألمًا، شعب ليبيا يُذبح من قبل النظام الاستبدادي، من قبل نيرون طرابلس: الطائرات الحربيّة تقصف تقتل، المرتزقة استجلبوا من قبل العقيد القذافي لقتل أبناء شعبه، أمور يصعب تصديقها، أمور يرفضها الإنسان، ولا نعرف من أيّ طينة جُبل هذا الزعيم، الذي يسيطر على مقاليد الحكم منذ العام 1969، أي منذ 42 عامًا. نعم، لا يختلف اثنان بأنّ الرجل يعاني من مرض جنون العظمة، الذي على ما يبدو، استفحل في الآونة الأخيرة، وبات متفشيًا في جميع أركان النظام أوْ اللا نظام في ليبيا.
 
***
 
ولكنّ السؤال الذي بات يقض مضاجعي وأنا أتابع عن كثب المجازر التي يقترفها هذا اللا نظام هو كالتالي: إذا كان القذافي يعاني من جنون العظمة، فأين بقيّة الزعماء العرب؟ لماذا لم نسمع حتى الآن عن مبادرةٍ عربيّةٍ لوقف سفك دماء الأبرياء ووقف شلال الدم الليبي الأحمر؟ ألا تعتقدون، أيُها الزعماء والملوك والسلاطين والأمراء، أنّ تصرفكم أوْ بالأحرى عدم تصرفكم، سيزيد من نقمة الإنسان العربيّ عليكم، الناقم عليكم أصلاً؟ ألا تعرفون أنّه لا يُمكن إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء؟ ألمْ تتعلموا الدرس من زين العابدين بن علي وحسني مبارك؟ أمْ أنّكم ما زلتم على اعتقاد بأنّكم تتمتعون بحصانة؟
 
***
 
عندما تعرض الشعب العربيّ الفلسطينيّ للمجزرة الأخيرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في شتاء العام 2009 حافظتم على صمت أهل الكهف، لم تمدوا يدّ العون للشعب الفلسطينيّ، الذي قدّم حوالي 1500 شهيد، 500 منهم من الأطفال، دفاعًا عن الكرامة العربيّة المفقودة، والله العظيم، سئمنا من بيانات الشجب والاستنكار والتعبير عن الامتعاض، التي لا تساوي الحبر الذي كُتبت فيه وعليه، لم تساعدوا الشعب الفلسطيني خوفًا من العصا الإسرائيليّة ومن الجزر الأمريكيّ، وهذه حقيقة، ولكنّ التواطؤ وصل إلى حدً لا يُطاق: مصر، أم الدنيا، شاركت في العدوان، وما زالت تساهم في حصار وتجويع مليون ونصف مليون فلسطيني، ذنبهم الوحيد أنّهم قاموا في عملية مقاومة نوعيّة وشرعيّة بأسر جندي من جيش الاحتلال، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذه العجالة: لقد أطاحت ثورة شعب مصر العظيم بالطاغوت حسني مبارك، فلماذا حتى اليوم، لم يُقْدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يُدير دفة الحكم في بلاد الكنانة بفتح معبر رفح؟ لماذا؟ ماذا ينتظرون؟ أو لماذا ينتظرون؟ إنّ معبر رفح هو المنفذ الوحيد لنزلاء أكبر سجن في العالم، ومصر تملك القوة وتملك السيادة لفتحه، فكيف يُمكن أنْ نُفسّر عدم إقدامها على هذه الخطوة الإنسانيّة قبل الوطنيّة؟
 
***
 
شعب ليبيا يُذبح، ليبيا تُحرق والعالم الذي يُطلق على نفسه لقب العالم المتنور يراوغ كعادته في كل أمر يتعلق بالأمّة العربيّة. سمعنا عن مكالمة هاتفية أجراها الأمين العام المنظمة الأمم المتحدة، بان كي مون، مع الزعيم الليبي، ونقول جازمين إنّه لم يحصل على أيّ شيء، اللهم إلا بعض العناوين في وسائل الإعلام. رأس حربة الإمبرياليّة العالميّة، الولايات المتحدة الأمريكيّة ورئيسها، وهو أوّل أسود يدخل إلى البيت الأسود، تسير على نفس الدرب، لا موقف ممّا يجري في ليبيا، والنفاق الأوروبي وصل إلى ذروته، الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، يطالب بوقف حمام الدماء، أوروبا التي أشبعتنا محاضرات عن الديمقراطيّة وحقوق الإنسان تقف موقف المتفرج والشعب الليبي يُقتل ويُذبح؟ تخيّلوا ماذا كان سيحدث لو أنّ أبار النفط بدأت بالاشتعال؟ لا نستبعد البتة حينها أنْ يقوم الغرب "المتنور" بالتدخل العسكريّ لحماية هذه الثروة؟
 
***
 
هذا هو الاستعمار، هذه هي الكولونياليّة، هذه هي الإمبرياليّة، إنّها أولاً وقبل كل شيء تريد الحفاظ على مصالحها السياسيّة والاقتصادية، لا تُهدد حتى بالتدخل العسكري، فطالما آبار النفط تضخ، وطالما لا خطر على التزود بالنفط، فليذهب العرب إلى الجحيم؟ هذا هو لسان حالهم. نأمل أنْ يتعلم الزعماء العرب درسًا في التعويل على أمريكا، التي رمت بحسني غير المبارك، على الرغم من أنّه كان حارسًا أمينًا ومؤتمنًا على مصالحها ومصالح ربيبتها، إسرائيل، في الشرق الأوسط، ولكن عند الامتحان يُكرّم المرء أوْ يُهان: أمريكا تركت حليفها وطالبته بالتنحي فورًا، ليس لأنّ الشعب المصريّ هتف بملايين الحناجر: الشعب يُريد إسقاط النظام، إنّما بهدف المحافظة على مصالحها الحيوية في المنطقة بعد النظام البائد. لقد قامت أمريكا بفرض الحصار على ليبيا بعد اتهامها بتطوير برنامج نووي، أمّا الآن، فإنّ الإدارة الأمريكيّة لا تفعل شيئًا، ويسكت أوباما، وهو الذي طالب مبارك بالتنحي أمس، قبل اليوم.
 
***
 
أمّا العجيبة الفريدة فهي أنّ الدولة العبرية فقد تجندت بكامل عتادها الإعلاميّ وبدأت تتباكى على الشعب الليبي، الذي يُقتل من قبل حاكمه.. حافظوا أيُها الصهاينة على دموع التماسيح التي تذرفونها على مصير شعب ليبيا؟ لأنّ من يقتل ويقترف الجرائم اليوميّة تقريبًا ضدّ الشعب الفلسطينيّ، لا يحق له أنْ يبكي أوْ يتباكى، أوْ أنْ يُوجه النصائح للغير؟ فالمجرم يجب أنْ يكون خلف القضبان، ويمتنع عن الكلام، ولكنْ ما العمل في هذا الزمن الرديء، حيث بات المجرم صانع السلام، وأصبح المقاوم إرهابيًا.
 
***
 
هناك ما يُسمى ببرنامج النفط مقابل الغذاء، وهو برنامج الأمم المتحدة، الصادر بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ المسمى برنامج النفط مقابل الغذاء، وهو برنامج سمح للعراق بتصدير جزءٍ محددٍ من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات، الآن لا يوجد برنامج، لأنّ الاستعمار احتل بلاد الرافدين، ولكن مع ذلك، يسود لدينا الاعتقاد من مواكبة الأحداث عن كثب أنّ البرنامج الجديد الذي لم يُتخذ قرارًا فيه يجب أنْ يُسمى: القتل مقابل النفط، أيْ السماح للقذافي بإبادة الشعب الليبيّ عن بكرة أبيه، مقابل مواصلة ضخ النفط إلى الدول الغربيّة التي ما انفكت عن التآمر ضدّ الأمّة العربيّة، ولن تنفك إلا عندما يقول العربيّ لأخيه العربيّ ارفع رأسك يا أخي، فقد انتهى عهد الاستبداد وولّى زمن الهزائم.

التعليقات