06/03/2011 - 11:19

الثورة المصرية ودروسها الفلسطينية../ ماجد كيالي

هكذا يقدم التغيير في مصر، المحمول بقوة الثورة الشعبية، فرصة جديدة، لإعادة الحيوية للقضية الفلسطينية، ولاستنهاض الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، لكن المهم أن يحسم الفلسطينيون أمرهم في إعادة بناء أوضاعهم، قبل فوات الأوان

الثورة المصرية ودروسها الفلسطينية../ ماجد كيالي
يمكن النظر إلى التغيير السياسي الحاصل في مصر من منظارين، أولهما، منظار السلطة، وهو ذاته منظار التسوية والعملية التفاوضية الجارية؛ وثانيهما، وهو منظار حركة التحرر الوطني.
ولعل هذا التخبط، بين واقعها كسلطة أو كونها حركة تحرر وطني، هو الذي يفسر حال الحيرة والقلق والترقب التي انتابت القيادة الرسمية الفلسطينية (وكذا قيادة حماس المسيطرة على غزة!) إبان ثورة الشعب المصري. فهذه القيادة تعاملت مع ثورات الشعوب العربية بشكل مهين، ولايتناسب مع كونها قيادة حركة تحرر وطني لشعب يخضع للاحتلال، أي بكونها نظام كغيرها من الانظمة!
 
ومن البديهي أن اعتبارات حركة التحرر الوطني هي غير اعتبارات السلطة. ففي حين تتخوّف السلطة (باعتبارها نظاما كغيرها من الأنظمة) من تبعات عملية التغيير السياسي في مصر، على مكانتها، وعلى خيارها التفاوضي، فإن التغيير الحاصل يعتبر من منظور حركة التحرر الوطني، بمثابة عامل قوة لشعب فلسطين، وقضيته، وبمثابة فرصة لاستنهاض أوضاعه، وفتح خياراته السياسية.
 
وفي الواقع فقد تمخّضت ثورة شعب مصر (وقبلها ثورة شعب تونس) عن دروس عظيمة للفلسطينيين (وغيرهم).
 
 الدرس الأول مفاده أن الشعب يستطيع التغيير، وأن القيادة الفلسطينية، على خلافاتها (أكانت تحت سيطرة فتح في الضفة أو حماس في غزة)، والتي غيّبت الشعب، واختزلته، في أجهزتها وميلشياتها وتنظيماتها، أضعفت قضية فلسطين، وأضعفت كفاح شعبها في سبيل الحرية والعدالة والمساواة والعيش بكرامة. دليل ذلك أن مستوى كفاح الفلسطينيين في الضفة والقطاع المحتلين، قبل إقامة السلطة، أي قبل عودة فصائل منظمة التحرير، كان أعلى منه بعد قدومها، بدليل الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987ـ1993)، التي جاءت أكثر تناسبا مع إمكانيات الشعب الفلسطيني وأوضاعه، فهذه الانتفاضة عمقت التناقضات السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي، وكشفت إسرائيل على حقيقتها كدولة استعمارية وعنصرية، وجلبت تعاطف العالم مع الكفاح العادل والمشروع للشعب الفلسطيني.
 
والدرس الثاني الذي تمخّضت عنه هذه الثورة هو أن الشعب يمكن أن يبتدع طريقه الخاص للنضال، بعيدا عن الأشكال المعهودة، بمعنى أن الخيارات النضالية في الساحة الفلسطينية ليست محصورة حكما بين الكفاح المسلح، أو الاستكانة تحت رحمة الاحتلال (وهذا الكلام يصح على قيادة حركة فتح كما يصح على قيادة حركة حماس)، فثمة طرق نضالية أخرى، والمهم توفر الإرادة وإتاحة القدرة على الإبداع. وكان الفلسطينيون، وقبل انتفاضتي شعب تونس ومصر المجيدتين بربع قرن، قد شقوا طريقهم الخاص بالنضال الشعبي، الذي يتناسب مع إمكانياتهم الخاصة تحت الاحتلال، كما تجلى في الانتفاضة الكبرى الأولى (1987ـ1993)، كما قدمنا.
 
والدرس الثالث الذي يستفاد منه فلسطينيا ويتعلق بأهمية التمثيل، يتمثل في أنه لا يمكن قيادة شعب (فما بالك بحركة تحرر وطني)، بطريقة استبدادية وشمولية وتحكمية. ومعنى ذلك أن على الحركة الوطنية الفلسطينية ترسيخ واقع التعددية والتنوع والحياة الديمقراطية والمؤسسية في الساحة الفلسطينية، لأن ذلك يقويها ويعزز الاجماعات فيها. هكذا، فإن التغيير، الذي حرر شعب مصر، يقوي الفلسطينيين ويحررهم أيضا، ويفتح الباب أمامهم على مصراعيه لإحداث التغيير السياسي في ساحتهم، بدءا من وقف ارتهانهم لعملية التسوية، لاسيما أن إسرائيل هي التي أضاعت فرصة عقدين من الزمن في هذا الاتجاه، بتعنتها وصلفها وتملصاتها (كما تؤكد ذلك تحليلات عديد من المحللين الإسرائيليين تعقيبا على ثورة شعب مصر)، وصولاً لإعادة بناء هذه الساحة، على أسس وطنية ونضالية وديمقراطية وتعددية، وعلى أساس الاحتكام للشعب، وإنهاء واقع الانقسام والفساد السائدين.
 
إضافة إلى كل ما تقدم، فإن الساحة الفلسطينية بعد التغيير في مصر تقف في مواجهة استحقاقين، أولهما، يتعلق بمسألة إنهاء استمرار الارتهان لعملية التسوية. وعلى الرغم من أن هذه المسألة كانت مطروحة على سلم أولويات الفلسطينيين منذ زمن، بسبب انكشاف التلاعب الإسرائيلي بهذه العملية، التي لم يعد ثمة جدوى منها، فإن التغيير في مصر، بات يطرحها على رأس جدول الأعمال، وبصورة أكثر جدية. وربما أن هذا التغيير يتيح للفلسطينيين التحول نحو خيارات أخرى بديلة، من نوع استعادة مشروع "الدولة الديمقراطية العلمانية الديمقراطية الواحدة"، أكانت دولة مواطنين أو دولة "ثنائية القومية"، التي يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب. علما أن هذا المشروع لايطرح للتطبيق دفعة واحدة، فربما يحتاج لتدرجات وتوسطات، لاسيما أن الثورة الشعبية في مصر بينّت أن ليس ثمة مستحيل. ناحية أخرى تخص هذا المشروع وهو أنه لا يطرح للتفاوض، وإنما للنضال الشعبي اليومي، لاسيما أنه يتناسب مع القيم العالمية، أي قيم الحرية والديمقراطية والعدالة والسلام والمساواة.
 
أما الاستحقاق الثاني، فيتعلق بموضوع المصالحة، حيث أن التغيير السياسي في مصر أخذ معه "الورقة المصرية"، موضوع الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس". ولا شك أن استعادة مصر لدورها الإقليمي سيضعف من المداخلات الإقليمية التي تشجع على انقسام الساحة الفلسطينية. لكن ما ينبغي إدراكه، ومع كل التقدير لدور مصر، هو أن هذا الملف منوط بإدراك الفلسطينيين لمخاطر الانقسام، كما هو منوط بإرادتهم للعمل فعلا على تجاوز هذه الحالة.
 
هكذا يقدم التغيير في مصر، المحمول بقوة الثورة الشعبية، فرصة جديدة، لإعادة الحيوية للقضية الفلسطينية، ولاستنهاض الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، لكن المهم أن يحسم الفلسطينيون أمرهم في إعادة بناء أوضاعهم، قبل فوات الأوان.

التعليقات