08/03/2011 - 14:13

الديمقراطية وأهم معوقاتها في العالم العربي../ د. ثائر أبو صالح*

الواقع العربي الجديد سيفتح الباب على مصراعيه لإعادة النظر في كل المفاهيم والمصطلحات القائمة، وهذه هي المهمة الأولى التي تقع على عاتق المثقفين العرب في الوطن والمهجر والتي يجب أن يتصدوا لها تفسيراً وتحليلاً لوضع أفضل الإستراتجيات للتعامل مع الواقع الجديد

الديمقراطية وأهم معوقاتها في العالم العربي../ د. ثائر أبو صالح*
مقدمة:

يبدو واضحا أن الثورات الحالية في العالم العربي تمر بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى: إسقاط النظام القائم، المرحلة الثانية: وهي المرحلة الإنتقالية وتتركز على الخلاص من غالبية ما تبقى من تركة النظام القديم. أما المرحلة الثالثة: فتتمثل ببناء الديمقراطية. الثورتان المصرية والتونسية بعد أن أنجزتا المرحلة الأولى من الثورة وهي إسقاط النظامين المصري والتونسي، انتقلتا إلى المرحلة الثانية في هذه الثورة؛ أي تطهير البلاد من أزلام النظام القديم الفاسدين كما حصل في تونس عندما فرض على الوزير الأول محمد الغنوشي أن يستقيل من منصبه، وكذلك على أحمد شفيق في مصر، وذلك تمهيدا للمرحلة الثالثة؛ وهي بناء النظام الديمقراطي، وإعادة التوزيع للثروات، وهي المرحلة الأصعب والأدق، والتي يمكن أن يحدث فيها انتكاسات، قد تودي، لا قدر الله، بمنجزات الثورة.

إن بناء النظام الديمقراطي لا يقل صعوبة وتحديا للذات وللواقع الإقليمي والدولي عن الخروج للثورة بما فيه من مسؤولية كبرى على كل المستويات. فنجاح المرحلة الأولى والثانية للثورة لا يعني أبداً وصول الثورة لأهدافها، ولذلك فإن وضوح الرؤية في المرحلة الثالثة ورفع الشعارات الصحيحة والتأكيد عليها، كما كان في المرحلتين السابقتين، يشكل أساسا مهما لنجاح المرحلة الثالثة. لذلك سأحاول في هذه العجالة أن ألقي الضوء على مفهوم الديمقراطية من وجهة نظري، ومن ثم سأحاول أن أتطرق لأهم النقاط التي من الممكن أن تشكل عائقاً أمام بناء اليمقراطية في العالم العربي دون الخوض في التفاصيل.

مفهوم الديمقراطية:
 
الديمقراطية بما فيها من حسنات وسيئات، هي وصفة وآلية أثبتت أنها أفضل الموجود في سياق بناء علاقة صحيحة وصحية وقريبة إلى العدالة بين المواطنين أنفسهم من جهة، وبين المواطن والمؤسسة من جهة أخرى، حيث تضمن للمواطن حريته وكرامته ومعيشته ضمن إطار القانون والدستور. وفي هذا السياق يجب أن نفرق ولو نظريا بين النظام الديمقراطي وبين العملية الديمقراطية كممارسة وسلوك ونهج، فالنظام الديمقراطي هو الدستور ومؤسسات الدولة والتي تشكل ما يعرف بالسلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ حيث يقوم هذا النظام على مبدأ الفصل بين هذه السلطات من خلال مبدأ التوازن والكبح أي التوازن بين السلطات، وعدم السماح لأي سلطة أن تفرض وصايتها على السلطة الأخرى، أما الممارسة الديمقراطية فهي عملية حية ومتطورة ويتوقف عليها الكثير في نجاح أو فشل الديمقراطيات في العالم.

وهنا يجب أن نشير إلى أنه ليست كل الديمقراطيات في العالم متشابهة من حيث تطورها. فالديمقراطية آلية أو ميكانزم حي يعتمد على أولا: الممارسة اليومية لحرية الاختيار ضمن المسموح به قانونيا، وثانيا تذويت عملية الاختيار الحرة، وثالثا النقد الذاتي لعملية الاختيار بعد خروج الممارسة لحيز الفعل وتلمس النتائج (feedback)، ورابعا تراكم الخبرات عبر الممارسة اليومية، وخامسا التطوير نتيجة للتراكم الكمي للخبرات الذي يؤدي إلى تغيير نوعي في السلوك، وهكذا دواليك تستمر الحركة بشكل دائري تصاعدي، مما يؤدي إلى ممارسة أرقى في المرات القادمة، وهكذا ترتقي مع الزمن العملية الديمقراطية عبر الممارسة والتذويت والتعلم وتراكم الخبرات والتطوير، كما يرتقي الطالب من صف إلى صف لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم دول اسكندنافيا وباقي دول أوربا وأمريكا.
 
فبالرغم من وجود دستور في أمريكا قائم على مبادئ حقوق الإنسان والمساواة منذ قيام الولايات المتحدة، واستقى تعاليمه من منظري عصر التنوير أمثال فولتير وروسو ومونتسكيو وغيرهم، إلا إن الممارسة على الأرض أخذت عشرات بل مئات السنين حتى وصلت الديمقراطية إلى ما وصلت إليه اليوم في أمريكا. فوصول باراك اوباما إلى سدة الحكم، وهو الرجل ذو الأصول الإفريقية، ليحكم أكبر وأقوى دولة في العالم، هو أمر لا يمكن لأبراهام لينكولن الرئيس الأمريكي (1861-1865) محرر العبيد، والذي دفع حياته ثمنا لذلك، ومارتين لوثر كينغ القس الأمريكي من أصول افريقية والذي اغتيل عام 1968 لنفس الأسباب المذكورة أعلاه، أن يصدقا ذلك لو أتيحت لهما فرصة العودة للحياة من جديد ولو للحظة واحدة. ولكن يجب علينا أن نعترف، انه لولا وجود نظام ديمقراطي قائم على العدالة وحقوق الإنسان، لما تطورت الديمقراطية الأمريكية. فلو حرم الدستور الأمريكي الأفارقة من المساواة، وفرق بينهم وبين باقي الأمريكيين في الحقوق والواجبات، لما وصلت الديمقراطية الأمريكية الى ما وصلت اليه اليوم، وكانت ستصطدم بسقف لا يمكن تجاوزه الا بعمل ثوري. إذن فالديمقراطية ممارسة وعملية حية متحركة، وأمام صيرورتها تقف عقبات جمة يجب التصدي لها بالتفكيك فكرا وممارسة.

إن نمو الديمقراطية يشابه بشكل كبير نمو النبتة؛ فكما أن النبتة بحاجة إلى مناخ وتربة مناسبتين لنموها كذلك الديمقراطية. فالمناخ المطلوب لكي تستطيع الديمقراطية أن تنمو وتتطور يؤمنه النظام الديمقراطي، أما التربة المناسبة فهي المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية. وكما يأخذ النبات ثاني أكسيد الكربون(CO2) والضوء من الجو، والماء من التربة وينتجا بحكم التفاعل بينهم السكر اللازم لإنتاج غذاء النبات لينمو ويكبر (ما يسمى بعملية التمثيل الضوئي في النبات)، كذلك الديمقراطية تنمو نتيجة التفاعل بين الأجواء الديمقراطية التي يشكلها النظام الديمقراطي القائم في بلد ما ( الجو) وبين الحراك الشعبي الفردي والمؤسساتي (التربة)، من خلال سلسة تفاعلات مكررة تتراكم فيها الخبرات، فتنمو الديمقراطية كما تنمو النبتة. إذن اكتساب الخبرات هو الغذاء المطلوب الذي يجعل نبتة الديمقراطية تنمو لتصبح شجرة وارفة الظلال، فاكتساب الخبرات ومراكمتها هو الذي يطور عقولنا وهو الأساس في عملية التطور الإنساني بشكل عام، ولكن بالحالة الديمقراطية مشروط بوجود نظام ديمقراطي يدفع باتجاه التطور، يكون سقفه أعلى بكثير من مستوى الممارسة الديمقراطية، أما إذا كان سقفه منخفضا تتحول العملية الديمقراطية إلى المراوحة في المكان وتذويت الواقع بكل سيئاته فنصبح مع الزمن عبيدا لهذا الواقع.

ولعل المثال اللبناني يجعلنا نتحسس أكثر ما أرمي إليه؛ فالديمقراطية اللبنانية تراوح مكانها لأن ما يسمى بالنظام الديمقراطي في لبنان محكوم بسقف طائفي وفقا لاتفاقية الطائف. فالبرلمان والحكومة ومؤسسة الرئاسة قائمة على المحاصصة الطائفية. إذن العملية الديمقراطية محكومة بسقف طائفي، كذلك قسم كبير من التربة الديمقراطية ؛ فغالبية الأحزاب هي أحزب تمثل الطوائف، وبذلك تدور العملية الديمقراطية في حلقة مفرغة تنتج سلوكا طائفيا، تحول مع الزمن إلى خطاب شرعي في لبنان ومعوق أساسي أمام الديمقراطية اللبنانية. ومن أجل الخروج من الحلقة المفرغة يجب تغيير النظام القائم وإلغاء المحاصصة الطائفية عندها يصبح التفاعل قادر على الارتقاء التدريجي في الممارسة الديمقراطية في لبنان.

أهم معوقات الديمقراطية في العالم العربي:
 
والآن وبعد هذه المقدمة نطرح السؤال التالي: ما هي أهم معوقات الديمقراطية في عالمنا العربي؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي يجب أن ينبري له كل المثقفين العرب على امتداد وطننا العربي بالبحث والتمحيص لإبتكار الوصفات التي قد تفيد هذه الجماهير الغاضبة في عملية البناء بعد أن نجحت وبامتياز في عملية هدم القديم والفاسد. وتوضيحا لما أرمي إليه فقد اخترت في هذه العجالة أن أصنف أهم معوقات الديمقراطية من وجهة نظري على أربع مستويات تحليل:
 
1.الفرد –المجتمع: أي المعوقات الذاتية عند المواطن العربي والمعوقات الاجتماعية الموضوعية المرتبطة بتركيبة هذا المجتمع ومستوى تطوره؛ أي العادات والتقاليد ونسبة الأمية ودخل الفرد والى آخره من المتغيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
 
2.الدولة: أي المعوقات المؤسسية في الدولة. هل يوجد في هذه الدولة مؤسسات قائمة وتعمل كمؤسسة؟ وما هو وضع المؤسسات المدنية والأحزاب في هذه الدولة؟.
 
3.النظام الإقليمي: وتعني التحديات الخارجية الذي يفرضه النظام الإقليمي على بناء الديمقراطية في الدولة، وفي حالتنا هذه الصراع العربي الإسرائيلي وما يفرضه من تحديات على الواقع العربي.

4.النظام الدولي: أي مصالح الدول الكبرى التي قد تنسجم أحيانا وتتضارب أحيانا أخرى مع مصالح هذه الدول والجماهير وتأثيرها على بناء النظام الديمقراطي.
 
الفرد – المجتمع:
 
المقصود هنا مستوى تطور الأفراد في المجتمع وقابليتهم للقبول بالرأي والرأي الآخر ومدى قدرتهم على قبول الحسم بالطرق الديمقراطية وليس بوسائل قمعية. وواضح أن هذا متعلق بمتغيرات كثيرة مثل: المستوى التعليمي، الاقتصادي، والعادات والتقاليد الخ.. ويبدأ من مؤسسة الأسرة أي التعامل مع الزوجة والأولاد وصولا إلى أكبر المؤسسات كالبرلمان مثلا. وبالمقابل هل نحن كأفراد مستعدون أن نمنح ولاءنا بالدرجة الأولى للدولة ومؤسساتها أم لا؟ ولتجسيد الفكرة نقترح أن يسأل كل فرد منا نفسه سؤالا ويحاول أن يجيب عليه بصراحة ولو بينه وبين نفسه ليكتشف بنفسه مدى قابليته ليكون جزءا من مجتمع مدني قادر على التطور: لمن ولاؤه الأول والذي هو مستعد أن يضحي بحياته من أجله؟ هل هو للعائلة أم للقبيلة أم للمذهب أم للدين أم للدولة الوطنية؟ فبناء دولة ديمقراطية يفرض على الفرد أن يقدم ولاءه للدولة على كل ولاء آخر، ولكن هذا لا يعني إلغاء ولاءاته الأخرى وإنما إذا ما تناقض أي ولاء مع الولاء للدولة فعلية تفضيل الدولة.
 
وهنا يجب أن نتعلم كيف نخرج من القوقعة الطائفية والقبلية والدينية إلى ساحة الدولة الأوسع، فلا يمكن أن نلغي أو نوحد الطوائف والأديان، ولكن يجب أن نبتكر آلية تعامل، أي أن نترجم العلمانية ليس فقط على مستوى الدولة وإنما على مستوى الأفراد سلوكا على أرض الواقع، فإذا تناقضت المصلحة الطائفية مع مصلحة الدولة القومية فيجب أن يكون الفرد على مستوى من الوعي يجعله قادرا على أن يفصل ويعطي الأولوية لولائه لدولته ولدستوره الذي يحفظ له حريته ومشاركته وبالنتيجة يحفظ له الحق في الولاء الطائفي ولكن ضمن معادلة ديمقراطية صحيحة.
 
فالديمقراطية إذن هي كالنسيج المرن الحي الذي يلقى على الواقع الاجتماعي فيأخذ هذا النسيج شكل هذا الواقع، وتحدث علاقة جدلية بينهما أي بين الآلية الديمقراطية وبين هذا الواقع الاجتماعي تؤدي إلى ممارسة ثم تذويت ثم نقد وتعلم ثم تراكم خبرات ثم تعديل وتطوير حيث تتراكم التعديلات كميا مما يؤدي مع الزمن إلى تغيير نوعي في السلوك، الأمر الذي سيترك أثره على البنية الاجتماعية فيتعدل شكلها وهكذا يتعدل شكل النسيج الديمقراطي ويسير نحو الأمام أي يتطور. فإذا عدنا إلى المثال الحي في لبنان نرى أن النسيج الديمقراطي اللبناني يأخذ شكل الواقع الاجتماعي الطائفي، وأن ولاء اللبنانيين أولا إلى طوائفهم ثم إلى لبنان. فكل يتمترس في مكانه ويطالب في حصته في هذه الدولة لأن هيكل وماهية نظام الدولة ليس ديمقراطيا، وإنما هو قائم على المحاصصة الطائفية فهو يعرقل ويمنع التطور باتجاه مجتمع مدني يكون فيه ولاء اللبنانيين إلى مؤسسات الدولة وليس الطائفة. كذلك في العراق فنظامها الديمقراطي قائم على تكريس الواقع من خلال المحاصصة (الرئاسة الشكلية للأكراد، رئاسة الوزراء للشيعة، رئاسة البرلمان للسنة) فالانتخابات التي تجري هناك تقوم عل أساس طائفي وقبلي لأن النسيج الديمقراطي يأخذ شكل الواقع الاجتماعي.
 
إذن الواقع الاجتماعي في الدول العربية يشكل أحد أهم المعوقات أمام الديمقراطية. فدولة فيها تعدد ديني وطائفي وقبلي كاليمن مثلا يصبح فيها بناء الديمقراطية تحديا كبيرا للثورة في هذه البلد خصوصا في ظل التخلف والأمية.
 
الدولة:
 
المقصود هو مؤسسات الدولة القائمة هل هناك أصلا مؤسسة دولة ليبنى عليها؟ أم أن الدولة هي الزعيم والزعيم هو الدولة؟ فالحالة الليبية تعبر بأفصح ما يكون عن هذا الواقع، دوله بدون نظام، بدون مؤسسات تعتمد على شخص واحد ومعه مجموعة من أسرته وأقربائه وبعض المنتفعين. بينما في مصر وتونس وجدنا أن هنالك على الأقل مؤسسة جيش قوية قادرة أن تحافظ على تماسكها وقت الأزمات وتعمل كمؤسسة. إذن وجود التربية المؤسساتية أو عدم وجودها هو عامل أساسي في بناء الديمقراطية.

من الناحية الأخرى هناك دول يوجد فيها أحزاب سياسية ونقابات، والعمل المؤسساتي قائم فيها، حتى لو كان الأداء ضعيفا بحكم الظروف المعروفة مثل مصر على سبيل المثال، وهناك دول منعت فيها الأحزاب السياسية والعمل الحزبي وحتى النقابي لسنوات طويلة مثل ليبيا وعمان والسعودية وغيرها. باختصار وجود مؤسسات دولة ومجتمع مدني يشكلان عاملا أساسيا في بناء النظام الديمقراطي.
 
النظام الإقليمي:
 
موقع الدولة الجيوسياسي والنظام الإقليمي الموجودة فيه هذه الدولة؛ أي كيفية ونوعية العلاقات الدولية الإقليمية ومدى تأثرها وتأثيرها، فإذا كان النظام الإقليمي مؤازرا فهذا يسهل على الدولة البناء الداخلي، أما إذا كانت العلاقات الاقليمية لهذه الدولة تقوم على الصراع مع دول مجاورة فطبعا سيؤثرأيضا ذلك على بناء الديمقراطية، فمثلا في الحالة المصرية كيف سيؤثر الصراع العربي الإسرائيلي عليها في مرحلة بناء الديمقراطية، ما هو الموقف من كامب ديفيد؟ وهل تستطيع مصر بحكم موقعها أن تتخلى في المرحلة القادمة عن القضية الفلسطينية؟ هل تستطيع أن تمنع السفن الحربية الإسرائيلية أو الأمريكية من المرور بقناة السويس؟ وما هي ردة فعل الدول المعنية على هذه الإجراءات؟ كلها أسئلة تطرح لتجسيد الفكرة حول قضية الصراعات الإقليمية وتأثيرها على بناء الديمقراطية.
 
النظام الدولي:
 
أما بالنسبة للنظام الدولي؛ فيعني مدى الانسجام والتناقض بين الديمقراطية العربية ومصالح الدول العظمى.هل ستقبل أمريكا بديمقراطية عربية ترفض وجودها في الشرق الأوسط حتى لو كانت هذه الديمقراطية تعبيرا دقيقا عن رغبات الجماهير؟هل سيقف الغرب مكتوف الأيدي حيال أي تطور يهدد مصالحه الاقتصادية في المنطقة؟ على سبيل المثال تصدير البترول إلى الغرب. هل تعتمد هذه الدولة على المساعدات الخارجية أم لا؟ فدولة فقيرة لا تمتلك موارد وإمكانيات ومتعلقة بالمساعدات الخارجية تختلف عن دولة تمتلك موارد وإمكانيات وتعتمد على ذاتها.
 
خلاصة:
 
إذن هناك تحديات كبيرة وكثيرة أوردنا جزءًا منها فقط، لنعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الشعوب وقياداتها في المرحلة القادمة. هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تشكل الهاجس الأول للباحثين العرب لاكتشاف أفضل السبل للخروج من الواقع الحالي، وبناء واقع جديد تسوده قيم الديمقراطية لفتح الباب على مصراعيه أمام العدالة الإجتماعية المرجوة في العالم العربي. فكما هو الفارق بالثمن الذي تدفعه الجماهير في ثوراتها بتعاملها مع أنواع مختلفة من الأنظمة، سيكون الفارق بالتحديات الجسام أمام بناء الديمقراطية في هذه الدول. فالثمن الذي يدفعه الليبيون اليوم أكثر بكثير مما دفعة المصريون والتونسيون نتيجة الاختلاف في خصوصية النظام الحاكم، كذلك سيكون البناء أصعب بكثير مما عليه في تونس ومصر.

إذن نحن بحاجة أولاً: لبناء نظام ديمقراطي، يرتكز على دستور ومؤسسات ديمقراطية، يقوم على أسس نظرية متطورة، من أجل أن يشكل عامل جذب ودفع نحو الأمام للعمليات الديمقراطية، لتسير باتجاه التطور وترتقي مع الزمن بأدائها.
 
وثانياً يجب أن ندرس تجارب الذين سبقونا في هذا المضمار ونتعلم منهم ونستفيد من أخطائهم. فهناك تجارب مهمة في العالم خصوصاً في العالم الثالث، حيث أن واقعهم الاجتماعي ليس بأفضل بكثير من واقعنا، ورغم هذا استطاعوا أن ينجزوا الكثير في هذا المضمار، على سبيل المثال: تركيا، أندونسيا، ودول مختلفة في أمريكا اللاتينية مثل البرازيل على سبيل المثال لا الحصر. وثالثاً يجب بناء مؤسسة جيش بعيدة عن السياسة؛ عملها الرئيسي حماية الوطن والدستور والنظام الديمقراطي.
 
رابعا يجب أن تتحول الديمقراطية إلى مادة تدرس في المدارس لصبغ الأجيال الصاعدة بقيمها وترسيخ قيمة الحرية وحقوق الإنسان والمسؤولية والمحاسبة في أذهان أولادنا من أجل مستقبل أفضل.
إن الأجواء الديمقراطية التي يهيئها النظام الديمقراطي ولكن بنفس الوقت يضبطها ويمنعها من الفوضى، ستؤدي حتما مع الزمن رغم ما سيحصل من صعود وهبوط في العملية الديمقراطية إلى تطور ايجابي، ينقل الحياة السياسية في وطننا العربي نقلة نوعية نحو الأمام. ولا شك أبدا أن الحوار الديمقراطي سيطرح من جديد مفاهيم اعتقد الكثيرون أنها أصبحت تراثاً يعرض في المتاحف، مثل مفهوم الوحدة العربية، والقومية العربية، الدولة القومية والدولة الوطنية، السوق العربية المشتركة، المؤسسات العربية القومية كاتحاد البرلمانيين العرب، اتحاد المحامين والمعلمين وغيره من المؤسسات القومية، الجامعة العربية كمؤسسة وموقعها في المعادلة الجديدة.
 
باختصار الواقع العربي الجديد سيفتح الباب على مصراعيه لإعادة النظر في كل المفاهيم والمصطلحات القائمة، وهذه هي المهمة الأولى التي تقع على عاتق المثقفين العرب في الوطن والمهجر والتي يجب أن يتصدوا لها تفسيراً وتحليلاً لوضع أفضل الإستراتجيات للتعامل مع الواقع الجديد. فالإنتكاسة سيكون تأثيرها على الواقع العربي كارثي قد يتم توظيفها في تغذية حروب أهلية مروعة تعود بالويلات على الوطن العربي بعد أن بدأ يستنشق رائحة الحرية، وهكذا تعود الأنظمة للتنظير من جديد إلى بديلين مطروحين لا ثالث لهما؛ إما فوضى أو حكم دكتاتوري وهكذا نكون قد عدنا إلى المربع الأول. من هنا يجب دراسة معوقات الديمقراطية والتصدي لها فكرا وممارسة خصوصا أن هناك أعداء كثيرين يتربصون شرا بهذه المنطقة طمعا بثرواتها وخوفا من وحدتها.

التعليقات