14/03/2011 - 10:45

سايكس بيكو وروحها من 1916 حتى 2011 : بداية التخلص../ د. مسعود إغبارية

بعد أن شارك مبارك في حصار قطاع غزة حفظا على أمن إسرائيل، وبالتالي على أمن نظامه، أحد نتائج اتفاقية سايكس- بيكو، وفشل في هذا وتم خلعه، يصرح حاكم ليبيا معمر القذافي الذي يترنح أن بقاء نظامه في ليبيا يشكل صمام أمان للغرب ولإسرائيل

سايكس بيكو وروحها من 1916 حتى 2011 : بداية التخلص../ د. مسعود إغبارية
بعد حوالي أسبوعين من نجاح شعب مصر في 11 شباط 2011 في الإطاحة بنظام حسنى مبارك وترسيخ أسس تطهير مصر منه، زار مصر وفدان كل حمل أهدافا مبطنة. الوفد الأول شمل رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ووزير خارجية فرنسا آلان جوبيه، كل على انفراد، والوفد الثاني شمل الرئيس التركي عبد الله غول. كلاهما أتيا لمناقشة، وإن لم تذكر مباشرة في النقاشات، اتفاقية "سايكس- بيكو" منذ 1916 وروحها وما تحمله من أسس لتوطيد العلاقات بين دول المنطقة والدول الأجنبية المهيمنة، التي تم وفقها تقسيم منطقة الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا بالأساس، وهيمنة الدول الأجنبية على خيراتها وشعوبها. الوفد الأول أتى لتكريس الاتفاقية وروحها، والوفد الثاني جاء لحض المصريين على التخلص منها ومن روحها كي تلتحق الشعوب العربية في مسار الحرية والكرامة والتقدم والازدهار.
 
الثورات الشعبية التي تجري اليوم في العالم العربي هي تمرد واضح على اتفاقية "سايكس- بيكو" وروحها في القرن الأخير وما نعاني منه منذ تلك الأيام البائدة حيث قسمت مناطق واسعة من الدولة العثمانية، ووضعت تحت السيطرة الأجنبية على قدم وساق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ونحن نشاهد ونواكب التطورات بثا حيا، من الأهمية أن نفهم ما تحتويه هذه الاتفاقية وكيف تم تقييمها لنرى ان ما تحدد فيها ونتج عنها ما زال قائما:
 
-- توجت الاتفاقية أكثر من مائة سنة من المحاولات الأجنبية السيطرة على المنطقة التي بدأت بغزو نابليون على مصر وفلسطين واحتلال فرنسا الجزائر وتونس واحتلال بريطانيا مصر واحتلال إيطاليا ليبيا. في نفس الوقت، رسخت الاتفاقية أسس العلاقات الدولية والمحلية في المنطقة أيضا على امتداد قرن من الزمن منذ توقيعها. حاولت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر بقيادة جمال عبد الناصر تحدي هذه الاتفاقية وروحها مدة 16 عاما، غير أن حجم المؤامرات كان كبيرا، واستشهد جمال عبد الناصر عام 1970 ولم تكمل المسيرة من بعده. وبعد اكثر من 40 سنة على رحيله رفعت صوره في ميدان التحرير في القاهرة وفي أماكن أخرى في مصر.
 
-- قسمت الاتفاقية جزءاً هاما من منطقة الشرق الأوسط للسيطرة الأجنبية إما باحتلال مباشر أو بإقامة "دول" بحدود اصطناعية وفق قاعدة فرق تسد، بزعماء محليين تعود شرعيتهم بالأساس للمهيمن الأجنبي. وها نحن نرى أكثر من عشرين "دولة" عربية. تحدثت المعاهدة عن "حلف دول عربية" من أجل الترسيخ والمحافظة على الفرقة والتقسيم وتوسيع التخلف أفقيا وعموديا، وها نحن نرى "الجامعة العربية" تمارس هذا الدور بحذافيره، وإن تبين أحيانا أن الأمر مخالف.
 
-- أعطت الاتفاقية كلا من فرنسا وبريطانيا، ولاحقا دولا غربية أخرى، الأولية في المشروعات الاقتصادية وحق الانفراد في تزويد الإدارة العربية بما قد تحتاجه من موظفين ومستشارين أجانب.
وقبل عقود من الزمن، وصف المؤرخ العربي البارز جورج انطونيوس هذه الاتفاقية بأنها "وثيقة مروعة... ليست فقط وليدة الجشع في أسوأ صوره.. بل هي أيضا صورة مرعبة للمخادعة والمكر...قطعت ووضعت عراقيل مصطنعة في طريق الوحدة.. وكانت صدى لمعاداة فكرة قيام دولة عربية مستقرة... وتتعارض والقوى الطبيعية المتفاعلة في بلاد العرب." (يقظة العرب، 353)
 
أبرز إنجاز حققه الاستعمار من خلال اتفاقية "سايكس- بيكو" أنه ألحق الدول العربية وتركيا منذ حوالي قرن من الزمن في مشروع التبعية، ليصنع منها دولا ومناطق فقيرة تستجدي الخير، بإذلال، من القوى الأجنبية المسيطرة. واليوم، وبعد أن حققت تركيا إنجازات منذ عقد من الزمن، وبعد أن بدأت الثورات في العالم العربي، تعرف الشعوب العربية والشعب التركي أن اول خطوة للتقدم هو قطع حبل وقيود التبعية من حول عنق الأمة العربية والإسلامية. وما يثير الأمل أن هذا لم يعد مجرد تنظير يحدده مفكرون مثل المفكر العربي المصري سمير امين ولكن تجارب دول أمريكيا الجنوبية، ودول جنوب- شرق وشرق آسيا تجسده على ساحة الواقع: لم تنجح في تحقيق التقدم والازدهار السريع الذي نشهده اليوم إلا بعد قطع دابر حبال التبعية لاقتصاد الدول المهيمنة في العالم.
 
تهاوي الأنظمة العربية السياسية التي رهنت قرارها السياسي للغرب، وهي وتعتمد في وجودها على شرعية مصطنعة منه في الفترة الأخيرة، تشكل ضربة قاضية لاتفاق سايكس- بيكو. وإن نجح هذا، فلن تجد الشعوب العربية نفسها إلا في طريق واسع يقودها نحو الحرية والازدهار والتقدم. أعمار هذه الأنظمة قصير لأنها تتأرجح على حبال خاسرة وسهلة التفتت حتى وإن اتسمت بالوقاحة وتعترف بالأمر علنيا. ولا ننكر أن هناك في الغرب من بدأ يرى بداية حقبة جديدة في العلاقات الأوروبية العربية ترتكز على الشعوب وعلى قواعد ديمقراطية. ففي لقاء مع الفيلسوف الفرنسي البارز برنارد ليفي في قناة الجزيرة الانجليزية، 10 آذار، 2011 على اثر زيارة قام بها لليبيا بعد بدء ثورتها في 17 شباط، 2011 قال إن العالم يعيش هذه الأيام ميلاد حقبة جديدة من علاقات العرب والمسلمين مع العالم ترتكز على الشعوب والقيم الديمقراطية.
 
بعد أن شارك مبارك في حصار قطاع غزة حفظا على أمن إسرائيل، وبالتالي على أمن نظامه، أحد نتائج اتفاقية سايكس- بيكو، وفشل في هذا وتم خلعه، يصرح حاكم ليبيا معمر القذافي الذي يترنح أن بقاء نظامه في ليبيا يشكل صمام أمان للغرب ولإسرائيل.

التعليقات