22/03/2011 - 14:44

المرأة العربية وحيز الثورات../ د. هناء حمدان - صليبا

لا يمكن لمجتمع أن يتحرر بدون أن تتحرر المرأة داخله من القوانين والممارسات المدنية منها والاجتماعية المجحفة بحقها

المرأة العربية وحيز الثورات../ د. هناء حمدان - صليبا

إحدى القضايا التي أشغلت وما زالت، الفكر النسوي العربي، وأيضا الغربي، هو مسألة التقسيم الحيزي بين العام والخاص. وقد ادعت الكتابات النسوية أنه يتم إقصاء النساء عن الحيز العام وعن المعرفة وعن مواقع اتخاذ القرارات وذلك من أجل خلق وإعادة بناء قوة ومصلحة الرجال، المجموعة المهيمنة، في المجتمعات المختلفة. وفق ذلك، عملت تلك المجتمعات، ومنها المجتمعات العربية على تحديد وتقييد حركة المرأة واستبعادها عن الحيز العام وإجبارها على البقاء داخل الحيز الخاص، وذلك من أجل السيطرة على المرأة حيزيا واجتماعيا وسياسيا وبالتلي السيطرة على هويتها. إن الخطاب العام في العالم العربي هو خطاب سلطوي عمل على عزل وإقصاء وتهميش المرأة (وفئات مهمشة أخرى) عن الحيز والحياة العامة وعن مواقع إتخاذ القرار.

لكن في ثورة مصر وتونس من قبلها تغيرت الصورة، ولوحظ عبر القنوات الفضائية، الانترنيت وغيره وجود المرأة كجزء لا يتجزأ من حالة الثورة. كانت المرأة متواجدة في المظاهرات اليومية المختلفة، في الساحات والشوارع وفي ساحة التحرير. وليس فقط، إنما لوحظ وجودها بشدة في الفضائيات الإخبارية كقناة الجزيرة، العربية، الـ BBC باللغة العربية وغيرهن من القنوات. لقد مثلن تلك النساء، صغيرات السن، مثل نوارة نجم وأسماء محفوظ وسالي توما وغيرهن، مجموعة الشباب الفعالة في ثورة مصر. كانوا، أولئك النساء ونساء أخريات تظاهروا إلى جانبهن، جزءا لا يتجزأ من الثورة ومن صانعيها، إذ كنّ في موقع اتخاذ القرار، ولم يكنّ قريبات أو داعمات، وإنما كنّ قسما ديناميا وحيويا، وبمثابة محرك الثورة. هذا يثبت بمن لديه الشك إلى الآن، على قدرة النساء العربيات للعمل والفعل واتخاذ القرارات، وخاصة في أزمنة حرجة ومصيرية، وليست قرارات تخصهن بشكل شخصي أو فئوي، وإنما في قرارات وعمل يخص مستقبل ومصير المجتمع بأكمله.

لكن الموضع الآن ذا الأهمية هو مكانة المرأة العربية ما بعد الثورة، وبالأخص في مرحلة تشكيل الدولة العربية المستقبلية، مشاركتها في صيرورة اتخاذ قرارات تخص المجتمع وفئاته المختلفة وهيئاته ودستوره وقوانيه السياسية والاجتماعية. هل سيسمح للمرأة أن تكون جزءا حيويا ومشاركا وفعالا، أم سيحدث معها مثل ما حدث مع المرأة الفلسطينية أو المرأة الجزائرية من قبل، اللواتي تم إبعادهن بعد انتهاء الثورات/الانتفاضات؟ كانت المرأة الفلسطينية متواجدة في العمل السياسي المختلف في زمن حرب لبنان، وفي زمن الانتفاضة الأولى، ولكن دورها أصبح هامشيا بعد انتهاء الحرب والانتفاضة، وذلك تماشيا مع ما حدث مع المرأة الغربية في زمن الحرب العاملية الثانية، إذ أنها عملت مكان الرجل، عملت في المصانع وزرعت وبنت الجسور، ولكهنا أبعدت وأقصت بعد رجوع الرجل من الحرب إلى الحيز الخاص. وبدأت باستعادة مكانتها في الحيز العام تدريجيا حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم.

في هذا السياق، تعتبر Young (2005) "المرأة" على أنها مجموعة من التوقعات من الانضباط الذي فرض على تصرفاتهن من قبل المجتمع والرجال، والتي هي المجموعة المهيمنة. استمرارا، من الممكن الإدعاء هنا، أنه في حالة الحروبات والانتفاضات والثورات، توقع المجتمع وطالب المرأة بالعمل والوجود في الحيز العام، وذلك بهدف المحافظة على مصالح المجموعة المهمينة، أي كانت. ولكن بعد انتهاء هذه الحالات، توقع وطولب منها الرجوع إلى الحيز الخاص.

ولكي لا يتكرر ذالك اليوم، على المرأة المصرية (والتونسية، لكن سأقوم هنا بالتركيز على الحالة المصرية) أن تبقى وتكون جزءا مهما وحيويا في صيرورة التغيير، لأنه لا يمكن أن يتحرر شعب أو مجتمع معين من دون أن تحرر المرأة أو أي فئة أو مجموعة أخرى منه. وهذا ما يأتي بي لطرح عدة تساؤلات (أسئلة) موجهة للحركات النسوية العاملة في مصر وفي العالم العربي، للقوى السياسة، لأعضاء لجنة صياغة الدستور المصري الجديد، لائتلاف شباب الثورة وللمجتمع المصري بجميع فئاته. والإجابة على هذه التساؤلات هو بمثابة تحد أمام المجتمع بفئاته المختلفة بهدف التغيير والوصول الى دولة مدنية تعتبر كل أفرادها متساوين بالحقوق والواجبات.

التساؤل الأول: هل سينتهي دور المرأة ووجودها في الحيز العام وفي مواقع اتخاذ القرارات هنا؟


يبدوا أن المرأة المصرية على وعي وفهم لمحاولة إعادتها إلى مكانتها ما قبل الثورة، لهذا قامت 14 منظمة نسائية وبمناسبة يوم المرأة العالمي، 8.3.2011، بتنظيم مظاهرة مطالبة بها "بمشاركة المرأة في صياغة المستقبل الدستوري والقانوني والسياسي" وأيضا طالبت بالعمل على تغيير قوانين الأحوال الشخصية. وقد رفعت المتظاهرات والمتظاهرين لافتات كتب عليها: «إحنا نص مصر.. شركاء في النصر»، «المواطنه الكاملة = المساواة بين الجميع» (من موقع الأخبار: www.al-akhbar.com/node/5961). لكن في المقابل، وعلى ما يبدو، المجموعة المهيمنة، من الرجال وغيرهم، بدأت تشعر بالتهديد والخوف من تواجد المرأة في هذا الحيز ومطالبتهن بحقوقهن. لذلك احتشد مجموعة من الرجال في تظاهرة مضادة ترفض مطالب النساء وبما معناه تطالبهن بالخضوع والرجوع إلى مكانتهن ما قبل الثورة.


هذا الفعل، الذي على ما يبدو يمثل الواقع في مصر، وفي الدول العربية، بما يذكرنا بإدعاء نصر حامد أو زيد (2007)، إنه رغم مرور أكثر من قرن على بدابة الحركة النسوية والمطالبة لحقوق النساء، منها حقها بالتواجد في الحيز العام، حقها في العمل والتعليم وغيره، فإن الخطاب االعام في مصر، مثله مثل أية مجتمع عربي آخر، يبدو "كما لو كنا نعيش بداية عصر النهضة".

التساؤل الثاني: ما هي مكانة المرأة في اللجان والائتلافات المختلفة التي أقيمت بعهد الثورة، وبالأخص تمثيل ومكانة النساء في لجنة صياغة الدستور المصري الجديد وفي ائتلاف شباب الثورة؟


على ما يبدو أن تم إقصاء المرأة من "لجنة صياغة الدستور المصري الجديد"، ولم ير المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المكون هو بذاته من رجال جيش) الذي يدير البلاد في هذا الوقت، أهمية وضرورة وجود المرأة في هذه اللجنة. معنى إقصاء المرأة من هذه اللجنة هو إقصاء وتجاهل حقوقها الاجتماعية والسياسية، حقها في حياة الاحترام – الحق في العيش الكريم الذي يشمل المساواة وحقها في عدم التحرش الجنسي (على تعدد مستوياته بداية بالكلمة والقول والنظر) في الأماكن العامة والخاصة. (من الممكن أن هذه اللجنة لا تشمل ولا تمثل فئات ومجموعات مصرية أخرى مهمشة، لكن لست بصدد مناقشة هذا الموضوع في هذا المقال).
وإذا كانت المرأة متواجدة في ائتلاف شباب الثورة، ما هو موقعها في هذا الائتلاف، هل هي متواجدة في موقع اتخاذ القرار؟

التساؤل الثالث: هل يناقش الدستور أو بالأحرى معدو الدستور المصري الجديد، وائتلاف شباب الثورة مكانة المرأة المصرية، تغيير قوانين الأحوال الشخصية، تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة في المجالات المختلفة؟

وأخيرا، ومع وعيي التام لصعوبة التغيير في العالم العربي وصعوبة مهمة المرأة وأصحاب الفكر الحر في هذا العالم، لكن ومن أجل التغيير ليس فقط لمصلحة هذا الجيل إنما للأجيال القادمة، عليهم أن يستغلوا هذه الفرصة للعمل وللتغيير، وأن لا يتوقفوا عن العمل إلى أن يصلوا لحالة سياسية واجتماعية وقانونية فيها كل أفراد المجتمع متساوي الحقوق والواجبات، حتى يصلوا إلى الدولة المدنية التي تتعامل مع جميع مواطنيها كأفراد متساوي الحقوق.
 

التعليقات