25/03/2011 - 18:56

أرضنا والقوانين العنصرية../ د. جمال زحالقة

تبنى المجتمع الدولي مبدأ أن العنصرية ليست شأناً داخلياً للدول، ونحن إذ واجهنا ونواجه العنصرية الإسرائيلية سياسة وممارسة، اصطدمنا في الماضي بحجة في المحافل الدولية بأن القانون هو الحكم، والآن وإذ أصبحت العنصرية قانونًا رسميًا، فقد سقطت ورقة التوت عنها، وصار من الواجب ومن الطبيعي توسيع رقعة المواجهة مع العنصرية الإسرائيلية لتشمل الساحة الدولية كساحة عمل رئيسة للمتابعة وقوانا السياسية وليس فقط كمسار تخصصي لبعض مؤسسات العمل الأهلي

أرضنا والقوانين العنصرية../ د. جمال زحالقة
جاء إعلان لجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية في الداخل الإضراب العام في يوم الأرض، الثلاثين من آذار، تجاوبًا مع مطلب جماهيري بتصعيد النضال دفاعاً عن الأرض والمسكن وردًا على الهجمة الشرسة للسلطات الإسرائيلية على ما تبقى لنا من أرض وعلى حقنا في المسكن.
 
في إطار الهجمة السلطوية على فلسطينيي الداخل مرت في الكنيست سلسلة من القوانين العنصرية، لعلّ أخطرها تلك المتعلقة بالأرض والمسكن، وإضراب يوم الأرض هو أيضًا خطوة احتجاجية على هذه القوانين، من المفروض أن تتلوها خطوات أخرى. ما يميز هذه القوانين الجديدة أنها تهدف إلى إحكام السيطرة على الأرض المسلوبة والمصادرة، أي حماية الأملاك المسروقة، وإلى تشديد محاصرة الوجود العربي في الداخل.
 
 أول هذه القوانين يحمل اسمًا "بريئًا" هو "إصلاح دائرة الأراضي"، ولكن فحواه الأساس هو عرض أملاك اللاجئين والأملاك المصادرة للبيع بالمزاد العلني، مما يسدّ الطريق على المطالبة باستعادتها مستقبلاً لأنها لم تعد "أراضي دولة" كما هي حتى اليوم، بل ملكًا خاصًا لمن اشتراها ودفع ثمنها من ماله الخاص، مما يعقد مسألة المطالبة باستعادتها، حتى وفق القانون الدولي.
 
ثاني هذه القوانين يحمل اسماً "مغرياً" وهو "استعادة الأراضي المصادرة" وينصّ فعلاً على ما هو عادل ومنصف بإقرار حق المواطن استعادة أرضه المصادرة إذا لم تستغل مدة سبع سنوات للغرض الذي صودرت من أجله، لكن الإنصاف لا يشمل العرب، فالقانون يحتوى على بند يحدّد بأنه لا يسري على ما صودر قبل 25 عاماً وأكثر، وكما هو معروف فإن 99% من المصادرات جرت قبل منتصف الثمانينيات، أي أن القانون يحرم المواطن العربي حق المطالبة باستعادة أرضه حتى لو لم تستغل للغاية التي صودرت من اجلها.
 
ثالثها قانون مر في الكنيست هذا الأسبوع وينظم عملية حرمان المواطنين العرب من السكن في القرى الصغيرة، التي يبلغ عدد البيوت فيها 400 أو أقل. تقع هذه القرى ضمن ما يسمى بالمجالس الإقليمية، التي تبلغ مساحة مناطق نفوذها حوالي 70% من أراضي الدولة. هذا القانون هو نسخة عن القانون الذي على أساسه قام نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وهو قانون مناطق المجموعات (1950)، الذي قسّم مناطق السكن للمجموعات العرقية المختلفة. وبهذا يصبح الفصل العنصري في السكن ليس ممارسة وسياسة فحسب بل قانون رسمي.
 
القانون الرابع هو قانون مستوطنات الأفراد، والذي منح الشرعية لعشرات المستوطنات في النقب والمؤلفة من عائلة واحدة وتحت تصرفها مئات وحتى آلاف الدونمات. لم يخجل أصحاب القانون من البوح بأن هدف القانون هو حماية الأرض ممن سموهم "الغزاة البدو"، وهي "الترجمة" العبرية الإسرائيلية لأصحاب البلاد الأصليين، الذين لم يتنازلوا عن أرضهم. ويمنح القانون تسهيلات لإقامة المزيد من مستوطنات الأفراد لأحكام السيطرة على الأراضي العربية المصادرة، خاصة في منطقة النقب.
 
هذه القوانين مرت نهائياً بالقراءتين الثانية والثالثة وأصبحت سارية المفعول، وهناك قوانين أخرى يجري سنها بمراحل مختلفة كان آخرها قانون يفرض على المواطن الذي تهدم السلطات بيته أن يدفع تكلفة الهدم، وقوانين أخرى تتعلق بالتنظيم والبناء.
 
لقد أثارت القوانين العنصرية المتعلقة بحرية التعبير ضجة كبيرة، في حين لم تنل قوانين الأرض والمسكن العنصرية الاهتمام اللازم، رغم أنها هي أخطر وأكثر أثرًا على واقعنا ومستقبلنا. إن إضراب يوم الأرض هذا العام هو صرخة ضد المصادرة وهدم البيوت، وهو في نفس الوقت إعلان تحد للقوانين العنصرية، وبالأخص قوانين سلب الأرض والحق في المسكن.
 
تبنى المجتمع الدولي مبدأ أن العنصرية ليست شأناً داخلياً للدول، ونحن إذ واجهنا ونواجه العنصرية الإسرائيلية سياسة وممارسة، اصطدمنا في الماضي بحجة في المحافل الدولية بأن القانون هو الحكم، والآن وإذ أصبحت العنصرية قانونًا رسميًا، فقد سقطت ورقة التوت عنها، وصار من الواجب ومن الطبيعي توسيع رقعة المواجهة مع العنصرية الإسرائيلية لتشمل الساحة الدولية كساحة عمل رئيسة للمتابعة وقوانا السياسية وليس فقط كمسار تخصصي لبعض مؤسسات العمل الأهلي.

التعليقات