25/03/2011 - 12:14

هل الغرب "إنساني" والقمع عربي؟../ الفضل شلق

نؤسس استنتاجاتنا على تجارب شعوبنا، على التجارب الحديثة والقديمة. ونحتار في أمر هذا الغرب الرأسمالي المتقدم الذي لم يبدع فكرة جديدة، حول العلاقة معنا، غير ما تعودنا عليه

هل الغرب


تنتشر الثورة العربية. تتصاعد ضدها أعمال القمع والعنف من الخارج والداخل. في البحرين حيث تطلب الأمر قمعاً دموياً ضد مطالب الشعب كان القمع عربياً وعنيفاً. في ليبيا حيث تطلب الأمر عملاً عسكرياً ضد الحاكم الظالم، كان التدخل غربياً إمبريالياً. يعود بنا القمع المشترك إلى محاولات ربط العرب والعروبة بالقمع وربط الغرب والإمبريالية بالديمقراطية. في اليمن حيث السلاح منتشر بين الأهالي، وحيث الثورة سلمية (يا للغرابة) يكون القمع (مع تدخل خارجي غير معلن، أو من دونه) بتحويل الثورة إلى حرب أهلية.

تلاحقنا لعنة الاستبداد، ويلاحقنا خطر الحرب الأهلية. تنتشر الثورة وكأننا لا نستحقها، أو كأننا لا نستحق الديمقراطية التي تلي الثورة. هناك من يجد ضرورة في إظهارنا على درجة من عدم الاستحقاق كي تفشل الثورة العربية، وتنجح الثورة المضادة، ويستمر الاستبداد، ويكون مجتمعنا غير مستحق إلا لحالة الاستبداد.

نكاد ننسى أن استبداد الأنظمة العربية ناجم عن فقدانها الشرعية، أي فقدانها الصلة بشعوبها. عندما يمتنع المجتمع عن الاعتراف بنظامه السياسي، يفقد هذا النظام الشرعية. عندما يفقد النظام قاعدة الارتكاز في الداخل يضطر إلى الاعتماد على الخارج من أجل الحفاظ على السلطة. لا هم للأنظمة إلا الحفاظ على السلطة، حتى ولو كان ذلك على حساب شعوبها، وحتى ولو كان ذلك بإخضاع الدولة والمجتمع للإملاءات الخارجية. الاستبداد الداخلي والاستبداد الخارجي وجهان لعملة واحدة. النظام العربي والسيطرة الامبريالية وجهان لعملة واحدة. يهوي أحدهما، ويتهاوى الآخر معه. مع انتشار الثورة العربية وإزالة أنظمة عربية من الوجود تنهزم السياسة الإمبراطورية في المجال العربي.

تهدف الشعوب العربية بثورتها إلى الإطاحة بالمنظومة العربية، منظومة الاستبداد. في المقابل تحاول المنظومة العربية والقوى الخارجية الداعمة لها مواجهة هذه الثورة باستبدال حاكم عربي بآخر، بوضع طاغية جديد مكان طاغية قديم، مع الإبقاء على المنظومة نفسها. تبقى المنظومة وإن اختلفت أسماء الحكام.

منطق الأنظمة العربية امتداد للنظام الكولونيالي الذي سبقها، والذي بقي مسيطراً عليها بعد الاستقلال. يعتبر هذا المنطق أن المجتمعات العربية قاصرة عن ممارسة الديمقراطية، تحتاج إلى رعاية، تحتاج إلى توعية، تحتاج إلى من يعلّمها ويدرّبها. وكل ذلك يحتاج إلى استقرار، والاستقرار لا يتحقق إلا بالاستبداد. والاستبداد خير من الفوضى، والفوضى حتمية إذا تركت هذه المجتمعات لتقرر مصيرها بنفسها؛ فهي مجتمعات قبلية وطائفية ومتعددة الإثنيات والقوميات. التعدد بنظر الاستبداد الداخلي والخارجي، يقود حتماً إلى الفوضى لدى الشعوب العربية. الشعوب الغربية عرفت كيف تصنع من التنوع غنىً وجمالاً لأنها أكثر تقدماً. لا يعترف أصحاب هذا المنطق، هنا وهناك، بالسياسة وبقدرة الشعوب على التعاون في الداخل والخارج، ولا بقدرة المجتمعات على التسويات بين مختلف الأطراف لديها. لا يُعترف بذلك إلا للشعوب المعتبرة «متقدمة». تلاحقنا لعنة التخلف. وينسى كل هؤلاء، أو يتناسون، أن التخلف مصطنع ومصنوع، صنعه لنا السادة المستبدون، الآتون إلينا من الخارج أو الداخل.

لا يختلف التدخل «العربي» في البحرين عن التدخل «الغربي» في ليبيا، كلاهما ناتج عن الظروف السابقة، الظروف التي نتجت عن عهود الاستبداد الخارجي والداخلي، أو الداخلي والخارجي، مع عدم التمييز بينهما: هذا تدخل قمعي لأنه عربي؟ وذلك تدخل إنساني لأنه غربي؟ في الحالتين تدفع المجتمعات العربية الثمن من أرواحها وثرواتها.

طبيعي أن ترفض الشعوب العربية تهديدها بالفوضى والتفتت في حال سقوط الأنظمة، بعد أن حكمت هذه الأنظمة عقوداً طويلة من الزمن ولم تستطع، أو لم تحاول، إزالة الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الفوضى والتفتت. وطبيعي أن ترفض الشعوب العربية منطق التدخل الغربي «الإنساني»، بعد أن قضى الغرب عقوداً طويلة من السنين وهو يساعد هذه الأنظمة على القمع، ويتعاون معها في نهب الثروات. ولما كان الغرب انتقائياً في تدخله «الإنساني»، فمن حق الشعوب العربية أن تعتبر أن هناك أجندة غير معلنة ومشبوهة، وإن كان المعلن هو السعي لإنقاذ أرواح السكان في وجه طاغية. ومن حق الشعوب العربية أن تشكك في نوايا الغرب الذي لم يعلن حتى الآن هدف الحملة العسكرية: هل هي لإزالة الطاغية أم استخدام حجة حماية السكان المدنيين من أجل تقسيم ليبيا؟ أم الإبقاء على ليبيا فترة طويلة دون حسم كما حصل في العراق بين عامي 1991 و2003؟ من حق الشعوب العربية أن تتذكر ما حدث للعراق بعد الغزو الأميركي للإطاحة بالطاغية صدام حسين.

لسنا ملزمين بالخلط بين الأخلاق والسياسة. تستدعي المبادئ الأخلاقية حماية المدنيين. وتستدعي السياسة التحرر من الاستبداد سواء أكان داخلياً أو خارجياً، وخاصة إذا كان داخلياً وخارجياً في آنٍ معاً. لكن الاستبداد لم يتأسس مرة على الأخلاق، والطغيان لم يتقيد مرة بالقيم. ومن المشكوك فيه أن يكون هذا التدخل الغربي «الإنساني» استجابة لدواع أخلاقية وإنسانية. عندما تتأسس سياسة الغرب في بلادنا على مبادئ أخلاقية يكون لنا حديث آخر.

لا نشكك بالتدخل «الإنساني» الغربي لأن الغرب قام به. نعرف الفرق بين تأسيس الأخلاق على النظر في الأفعال بحد ذاتها، أو على النظر في البشر الذين يقومون بهذه الأفعال، ونعرف أن الفرق بينهما هو الفرق بين الأخلاق الإنسانية والأخلاق العنصرية. نرفض الاعتبار بأن هناك جماعات من البشر، في الغرب، أو غيره، يفعلون أفعالاً ما لأن طبيعتهم تدفعهم لذلك ولا تتيح لهم غير ذلك. هذا الاعتبار نوع من العنصرية، وشعوبنا ضحايا العنصرية. العنصرية إيديولوجيا الرأسمالية في بعض مراحلها. العنصرية نظام سياسي واجتماعي واقتصادي. نرفض من الغرب النظريات العنصرية التي تؤدي إلى سياسات تسيء إلى العلاقات بين البشر، بين الغرب وشعوبنا. نعرف أن تدمير العراق نتج عن سياسات عنصرية بحجج إنسانية. نخشى أن تصاب ليبيا وبلدان عربية أخرى بالمصير نفسه الذي أصاب العراق.

نؤسس استنتاجاتنا على تجارب شعوبنا، على التجارب الحديثة والقديمة. ونحتار في أمر هذا الغرب الرأسمالي المتقدم الذي لم يبدع فكرة جديدة، حول العلاقة معنا، غير ما تعودنا عليه.
"السفير"
 

التعليقات