10/04/2011 - 12:40

لورود البلاد.. سلاما.. واعتذارا../ ناصر السهلي

أرفع رأسي المثقل بحمى.. أشهد على مجزرة أخرى.. بت دون أن أعرف أين أنا وماذا بقي من هلوسة مرضي في دماغ يغلي غضبا وألما على وهن قوتنا وتسخيفا ذاتيا لكل الكرامة والحرية المنطوقة والممارسة كتما قبل أن تنفجر في بلاد تخيلها شبابها أكثر رحابة مما صارت إليه في الدم النازف على صدر أم تودع عمرها الذي سيجته شبرا.. شبرا ..

لورود البلاد.. سلاما.. واعتذارا../ ناصر السهلي
أرفع رأسي المثقل بحمى.. أشهد على مجزرة أخرى.. بت دون أن أعرف أين أنا وماذا بقي من هلوسة مرضي في دماغ يغلي غضبا وألما على وهن قوتنا وتسخيفا ذاتيا لكل الكرامة والحرية المنطوقة والممارسة كتما قبل أن تنفجر في بلاد تخيلها شبابها أكثر رحابة مما صارت إليه في الدم النازف على صدر أم تودع عمرها الذي سيجته شبرا.. شبرا ..
 
ننام على الدم بركا.. ونستيقظ عليه مجزرة، أرقام بشر تتصاعد في وسط النهار.. وفي وداعه.. شمسنا التي أراد بعض فتية وشابات أن تشرق على قلوبنا المرتجفة في مدننا العربية تنقل إلينا إكليلين: واحد من غار الحرية.. وآخر من عار التسلط.. والصمت المرتكب إثما وانحدارا..
 
أي ذنب تقترفه صنعاء وتعز وحوران ودوما وتاجوراء والزاوية ومصراتة؟.. أية جريمة يرتكبها شاب بحراني وجد نفسه مضرجا بدماء حرية متهمة؟
 
شمسنا التي أشرقت يوما ورودا وعطرا تشمه نسائم سابحة لأمم عاشت ما لم نعشه.. شمسنا تلك ما عاد الوقت يسمح لرؤيتها.. برك الدم تغطي أمكنتنا.. تسحب نظرنا.. وتغطي كل ما تبقى من عقولنا.. فماذا ينقصنا لنتخلص من نرجسية حاكمنا الذي تحيط به مجموعة من أوغاد أمم رأت فينا مجرد أشباه بشر..
لكرامة.. قام هؤلاء الفتية يصرخون..
يمدون أناملهم نحو حرية من فضاءات بلد متخيل.. ظل في ذاكرتهم لهم ولغيرهم..
 
ماذا يبقى حين يكتشف من حملوا وردة لقاتلهم أنهم لا يستحقون هذه الحياة؟
طلقة تفجر أدمغتهم وقلوبهم.. المكان يصير مغطى بلون ورائحة الورود المتناثرة مع دم يسيل تصاعدا..
 
لا أعرف من هم.. لكنهم بشر في زمن معتوه.. زمن نرجسية وجنون عظمة تملكت من حكام يرون أنفسهم أكبر من شوارع ومدن تصدح حرية..
 
أليس لهؤلاء امتدادات؟
أهل.. أصدقاء.. أحباء.. كانوا قبل لحظات يتواعدون على لحظة قادمة في حياتهم المضرجة الآن بدم يسقي حدائق حرية إنسان لتنتصب حرية أوطان.. ليسوا مجرد أرقام وليسوا في ربيع العمر زائدة عن معدة حكام تختم الأوطان باسمها وترى في الجمع قطيعا يحفظ درس التصفيق دون أن يسأل.. لدى بعضهم تُقبل الأيادي على الوجهين.. كدليل وقار في مرض النرجسية المتوارث.. ولدى بعضهم ما يستدعي كعبة أخرى تدور من حولها حمدا وشكرا على عطاءات هي من أعماق أرض البشر.. حق يصير منة..
 
ومن لا يرى الأمر كما وجب ليودع هؤلاء الذين نسأل عنهم في رحلة بسيطة تفصل بين الكرامة والحرية وموت ينتظر عند زاوية القهر في دورته التي تكتمل بما ملَكَتهم آلة غرب يهدينا عطرا وأدوات قتل مرفقة بخطابات الكذب العابر لحدود قارات الأرض الضيقة على حرية شباب يودع عبودية.. أو يستقبل مستردا حق آدميته كإنسان في فضاءات صارت أكثر رحابة مما يتخيل السابحون في بطانة حكام يرى الواحد منهم أنه "مجد البلاد" وآخر "تاريخ البلاد".. وبدونهما سنضيع كالأيتام في شوارع هذا الكوكب الذي نسخره أصلا..
                                         
أهذا منظر يُسكت عنه؟
 
ملعونة ثقافة الصمت.. ومرادفاتها المبررة لحمامات الدم، حين كنا أكثر حرصا منهم على حراسة كرامة أوطاننا بدون أن نغوص في التملق الذي يغرق فيه اليوم المتلونون.. إعلاما وكلاما واستنطاقا.. وملعونة شعوذة شيخ وفتواه إذ يطلب من الرؤوس أن تتدلى حتى لا يحصدها قناص حاكم يرى فيهم خطرا..
ملعون هو الصمت كله.. ومن يجاريه.. وملعونة هي المحاكم التي تحكم على النيات والأحلام.. ملعونة هي كل إسقاطات قراءة الانبطاح و فبركات الأجندات..
 
منظر.. يتشابه.. يختلط فيه الدم مع مطر جاء ليغسل جسد البلاد التي اختفت وراء كثبان معلقات النفاق في اهتراء الخطابات..
 
يحيط جمع من رجال الحاكم بشبه جثة.. تنهال عصي لا تدرك الأيدي التي تمسكها سوى أن تؤدي الولاء في أفظع صوره البهيمية.. تسحل الأجساد على رصيف وإسفلت مدينة أو قرية في البلاد ولا تتوقف قبل أن تتعب أو تتكسر أدوات جلاد الجلادين..
مشهد يلتقطه أحدهم..يضع يده على فمه لئلا يُلتقط نفسه.. وبصمت الصدمة.. وربما دمعتين تُبكيه الدماء والركل المنظم من خمسة أو ستة رجال.. لجسد شبه مشلول..
 
ليس باسمي تراق تلك الدماء.. ولا باسمنا نريدها..
ألا نعلن لمرة واحدة براءتنا من هذا الدم الذي يسفك باسم صمتنا المرتكب اثما آخرا من آثام ارتكبت بفلسطين إلى يومنا الذي تنبش فيه قبورنا وتهطل على غزة حمم الموت في زمن عربي يتكون من صلصال معمد بالدم؟
 
أحدق في مشهد جلاد يستمتع بسادية مرضية.. إذ كيف يعود هؤلاء لأطفالهم؟
هل يحتضنون زوجاتهم.. ويعاشرونهم.. هل يداعبون أطفالهم بعد حفلة دم نهاري وليلي؟
كيف ينتصب جلاد ليلج زوجته ولا تجيئه صورة شاب فجر دماغه قبل لحظات؟
 
وحشية الإنسان تكفرنا بأوطاننا؟
ليست أوطاننا.. هي مزارع جلادين رؤوا في الإنسان أداة لإشغال رجل أمن مدرب على إجادة الصفع وهدر الكرامة.. والولاء سجودا لصورة حاكم يراه مطبلون أكبر من البلاد.. كلها.. في مرآة يعكسها مصفق لحفلات الدم المتنقل من هناك إلى هنا..
 
تنزف تعز اليمنية في الصباح.. كما نزفت صنعاء قبلها بأيام ، ورديف وسيدي بوزيد.. والإسكندرية والإسماعيلية بأسابيع.. والآن في وديان وصحراء ليبيا وسهول حوران..
صدى صوت يجلجل مدننا الملطخة جدرانها بدمائنا..
صدى الصوت: إما أنا وحاشيتي أو الدماء!
صدى الأخر: إما أنا أو الدمار والخراب!
وكل الصدى: إما نحن أو الجحيم لما تسمونه أوطان!
 
لما كل هذه الدموية.. ولما يجب أن تكبر الكذبة المحولة للأوطان بركا من دماء ورعب السحل والقيد لشباب وشابات تخطوا حدود ما في مخيلات المرض المستعصي؟
 
فتية رأوا أنفسهم يرددون: كرامة.. حرية.. كرامة للوطن.. للأوطان.. حرية لي.. حرية للبلاد التي تنام على عشب دموي يُسقى بمزيد منه..
 
أنكفر بأوطاننا، حين لا يكون مسموحا أن يتأوه شابا أو شابة من عذابات شمس ممنوعة..
 
أأهلوس في تفكيري.. المرعوب.. من مشهد يلف أعناقنا في نومنا المؤجل وموتنا المحتم؟
 
من قال إننا لا نحب بلادنا أن تكون خضراء بسماء زرقاء وهواء تتراقص معه ابتسامات صباحات حرية البلاد؟ ومن قال إننا لا نفهم الفرق بين أن تكون البلاد تتعرض لمؤامرات وبين اختراع وهم قصص الأشباح؟.. إذن، لماذا دائما تتأخر الدروس قبل أن تصل عناوينها فنهلوس بين الواقع والخيال.. 
 
ما الذي يفصل بين طلقة قناص تخترق جمجمة وتوقف قلب نابض بعد ثوان من حرية؟
هل ثمة ثوان تفصل بين قاتل وقتيل.. يفكر فيها الضحية بألمه.. بوخزة قلب.. بوردة.. بحبيبة.. بقاتله وأطفاله وزوجته.. أم يفكر بانتصار وطن على جلاد؟؟
 
وطن يصنع مثل هؤلاء القتلة ليس هو الوطن الذي نزفت الدماء لأجله.. أصل لنتيجتي وكأن الطلقة تحترق جسدي المنهك لا جسد هؤلاء الذي صدح صوتهم حرية قبل السقوط في بركة دم نرجسية وجنون عظمة حكام يرون أنفسهم فوق الأوطان والبشر..
 
لشاب سقط هذا الصباح في أرض عربية.. ولآخر سيسقط .. وردة أربكتنا قبل أن نكتشف مدى تغول سخفنا في ولع دم المصفقين باسمنا للقتل والسحل.. لأم وحبيبة ودعتا عمرا مر من ناحية القلب وعمرا كان يخط طريقه بتثاقل وأحلام كبيرة.. دمعتان.. ووردة.. لحرية ثمنها الأحمر القاني..

التعليقات