12/04/2011 - 10:47

تسع سنوات على ملحمة مخيم جنين!../ نواف الزرو

- أبطال من زمنٍ آخر- قاتلوا بروحٍ وعزيمة أسطورية - أسطورة مخيم جنين باتت منهاجا يدرس في المعاهد والجامعات العسكرية العالمية - كان مخيم جنين الموقع الذي دفع فيه الجيش الإسرائيلي الثمن الأبهظ - صحافي فرنسي: "وسط المخيم بات يشبه برلين عام 1945 نظراً لحجم التدمير الفظيع"

تسع سنوات على ملحمة مخيم جنين!../ نواف الزرو

- أبطال من زمنٍ آخر- قاتلوا بروحٍ وعزيمة أسطورية
- أسطورة مخيم جنين باتت منهاجا يدرس في المعاهد والجامعات العسكرية العالمية
- كان مخيم جنين الموقع الذي دفع فيه الجيش الإسرائيلي الثمن الأبهظ
- صحافي فرنسي: "وسط المخيم بات يشبه برلين عام 1945 نظراً لحجم التدمير الفظيع"


لا يمكن للفلسطيني والعربي بعامة أن يمر هكذا على الذكرى التاسعة لمعركة مخيم جنين، تلك المعركة التي ارتقت في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي إلى مستوى الأسطورة، وأجمعت الشهادات الحية من قلب المعركة، واعترافات ضباط وجنود العدو الذين كانوا في قلب المواجهة، وكذلك الوثائق والمعطيات على الأرض، على أن معركة المخيم كانت أسطورة عز نظيرها في تاريخ المواجهات والحروب مع دولة الاحتلال وذلك ليس عبثا أو مبالغة إعلامية!

فوفق الشهادات الفلسطينية فنحن أمام أبطالٌ من زمنٍ آخر، وهذا أقل ما يقال في أولئك المقاتلين المحاربين الأشداء الذين قاتلوا بروحٍ وعزيمة لم يملكهما جيشٌ من العرب، برغم كل ما تملك تلك الجيوش.

ففي بداية عام 2002 أطلقت دولة الاحتلال حملة "السور الواقي" في الضفة الغربية لاقتلاع ما وصفه آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون جذور "الإرهاب الفلسطيني"، وكانت تستهدف العملية مدن الضفة بأكملها لمحاولة القضاء على المقاومة وفي مقدمتها مخيم جنين، الذي لا يتعدى الكيلو متر المربع الواحد.

ومع بداية الحملة العسكرية ضد المدن الفلسطينية في الضفة، ركزالاحتلال حملته ضد المخيم الأكثر صلابةً وأقل مساحةً من بين تلك المخيمات التي تتواجد بالمدن المختلفة، باعتبارهم أن المخيم كان أهم قاعدة للمقاومة.

مشاهد القتل والدمار والخراب

تعمد جيش الاحتلال خلال حملته التي استهدفت المخيم تدمير كافة مرافق الحياة بحيث لم يسلم بيت أو مؤسسة أو مواطن في المخيم على مدار أيام القصف والمداهمة، ومنذ بدء الهجمة الإسرائيلية قامت الدبابات والجرافات بتدمير ونسف واجهات العشرات من المنازل والعبث فيها وتخريبها.

يقول عطا أبو ارميلة رئيس اللجنة الشعبية للخدمات في المخيم "إن الجيش الإسرائيلي ألحق دماراً وخسائر فادحة في كافة مرافق البنية التحتية في المخيم، فقد قصف محولات وأعمدة الكهرباء ليغط المخيم بظلام دامس عدة أيام، كما دمر خطوط الاتصالات والمياه وداست الدبابات أكثر من 20 مركبة مختلفة بشكل متعمد كانت متواجدة في مناطق آمنة ومتوقفة دون حركة أو نشاط بل وأحرقت بعض السيارات. وذكر أن الجنود أضرموا النار في عدد من المحلات التجارية فيما استهدف الرصاص محلات أخرى واتلفت محتوياتها كما لم يبق بيت في المخيم إلا وألحق به دمار واخترقه الرصاص – المصدر نفسه".

وحتى المساجد كما يقول الشيخ خالد الحاج لم تسلم من قصف الطائرات والدبابات، وأضاف "أن الجنود عملوا على إرهاب وإذلال الأهالي، فقد احتجزوا الأطفال ومزقوا المصاحف والكتب الدينية وصور الشهداء وصادروا أجهزة كمبيوتر وديسكات وأجهزة كهربائية وتعمدوا استفزاز المواطنين بشتم الذات الإلهية وهددوا عائلات الشبان المطلوبين بتصفيتهم وهدم منازلهم إذا لم يسلموا أنفسهم، وكل ذلك تم تحت سمع وبصر العالم الذي لا زال يقف صامتاً، والسؤال إلى متى وإسرائيل لا تتورع حتى عن قتل الأطفال والمعاقين ورجال الإسعاف؟".

وسط المخيم يشبه برلين عام 45

ويقول بيار بار بانسي الصحافي العامل لحساب صحيفة لومانيتيه الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الفرنسي الذي أمضى 48ساعة في المخيم عند حاجز جلمة "إنه بحسب العديد من شهادات الفلسطينيين فإن الجيش الإسرائيلي قام بدفن جثث في حفرة الساحة المركزية للمخيم وردمها بالأسمنت، وأضاف أن وسط المخيم بات يشبه برلين عام 1945 نظراً لحجم التدمير الفظيع". وقال إنه شم رائحة جثث وشاهد أكواماً من النفايات وحشرات وظروفاً صحية مريعة وأطفالاً ونساء يصرخن وهن يحملن أطفالهن لأنهن لم يعدن قادرات على تنظيفهم بسبب النقص في المياه، وقد انقطعت تقريباً الأغذية والحليب للأطفال".

وأضاف: في ساحة الحواشين في وسط المخيم، يعيد المشهد إلى الذاكرة صور برلين عام 1945، كل شيء مدمر بالفعل، لقد تضرر المخيم كله بدرجات مختلفة، فالدمار أقل في القسم الفوقي من المخيم ولكن في القسم السفلي منه نرى دماراً كاملاً".

وقال عبد الهادي أبو النعاج "إن ما جرى يصعب وصفه، فالمجزرة فاقت كل تصور، إذ اجتاحت المخيم والمدينة نحو 500 دبابة ومجنزرة، وسقط على المخيم الذي يعيش فيه الآلاف أكثر من 350 صاروخاً من مروحيات الأباتشي الأمريكية الصنع إضافة إلى مئات قذائف المدفعية".

أما بالنسبة لأعداد الشهداء والجرحى الفلسطينيين في مخيم جنين، فبينما أعلن الجنرال شاؤول موفاز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أمام جلسة للحكومة الإسرائيلية " أن حوالي 200 فلسطيني قتلوا، ونحو 1500 آخرين أصيبوا بجروح"، أكد الحاج أبو احمد قائد ومؤسس كتائب شهداء الأقصى "في المخيم: "أن عدد الشهداء في مخيم جنين يفوق الـ 400-450 شهيدا، وأن عدداً كبيراً من هؤلاء هم من النساء والأطفال وكبار السن.. وأن قوات الجيش الإسرائيلي قامت بتصفية غالبية الجرحى الفلسطينيين الذين وجدتهم خلال اقتحام المخيم أو الذين قاموا بتسليم أنفسهم".

معركة المخيم كبيرة..مشرفة

ولكن- رغم دموية المشهد، إلا أن الشهادات تجمع على "أن أسطورة مخيم جنين شهد لها العدو قبل الصديق وباتت منهاجا يدرس في المعاهد والجامعات العسكرية العالمية، يتعلمون فيها أن ما حدث في مخيم جنين حقيقة، وليس من نسج الخيال، يتعلمون كيف يصمد ثلة من الشبان أمام أعتى آلة عسكرية في العالم"، فان هذه الحقيقة الكبيرة ليست من نسيج الخيال الفلسطيني.

فقد خاض الفلسطينيون هناك على أرض المخيم معركة كبيرة .. كبيرة .. مشرفة .. مشرفة، أقسموا قبلها وخلالها على أن يقاوموا حتى الرصاصة الأخيرة.. وحتى الرمق الأخير.. وحتى النفس الأخير .. فاستبسلوا استبسالاً استشهادياً عظيماً لم يسبق أن شهدنا مثيلاً له على مدار الحروب والمعارك التي وقعت بيت دولنا وفصائلنا وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي على مدى العقود الماضية، إذا ما أخذنا بالحساب الخلل المفجع في موازين القوى العسكرية بين الطرفين..


سطر أهلنا في المخيم مقاتلون ونساء وشيوخ وأطفال ملحمة بطولية صمودية أسطورية حقيقية أخذت تترسخ وتتكرس في الوعي والذاكرة الوطنية النضالية الفلسطينية والعربية على أنها من أهم وأبرز وأعظم الملاحم.

لقد دخل المخيم التاريخ من أوسع أبوابه، لأن قصة صموده وبطولة مقاتليه دفعت إلى قراءة ما حصل هناك، خاصة مع اختلاف موازين القوى وحجم الخسائر وشراسة المعركة وعنفوانها، وقصة الخدع والإشراك التي تميز بها مقاتلو المخيم، وفي النهاية قصة كل الشهداء، الذين قاتلوا حتى الرمق الأخير.

ولا تتوقف القصص والحكايات عند حد معين ففي كل زاوية وممر قصة، وتحت كل منزل مهدم وركام منثور، بطولة شهيد التصق بالسلاح، هناك استشهد طه زبيدي، وهنالك استشهد شادي النوباني، وهنا استشهد الشيخ رياض بدير، وهناك ايضا محمود، ومحمد وغيرهم من المقاتلين الأبطال.

وهكذا.. يتحول مخيم جنين إلى رمز للبطولة الفلسطينية وأسطورة تتكرس في وعي وذاكرة الفلسطينيين والعرب على مدى التاريخ الراهن والقادم.

فقد سارع مئات المواطنين الفلسطينيين إلى إطلاق اسم "جنين" على أطفالهم الجدد، وتحول الاسم إلى نغمة على كل لسان. وفي هذه الدلالة قرر الفلسطينيون إقامة متحف وطني في مخيم جنين يطلق عليه اسم "متحف الكارثة والبطولة الفلسطينية": البطولة الأسطورية الفريدة الموثقة بكم الشهادات والاعترافات والتحليلات المشار إليها أعلاه وغيرها الكثير.. والكارثة / النكبة / المجزرة المروعة... التي اقترفت عن سبق نية وإصرار وتصميم وتخطيط وقرار على أعلى المستويات الإسرائيلية ...الجريمة التي ننتظر وينتظر أهل المخيم يوم الحساب عليها.
 

التعليقات