16/04/2011 - 09:15

تبت الأيادي التي طالت اريغوني و خميس!../ ناصر السهلي

ليس باسمنا أبدا تم قتل جوليانو وفيتوري.. استشهدا لينقص عدد الشهود شاهدين ولكن في فلسطين خزان الوعي لن يرتعب.. ولن يفيض وعيه إلا لكنس هذا التخلف والجهالة التي يراد لها أن ترسم ملامحنا المستحيلة!

تبت الأيادي التي طالت اريغوني و خميس!../ ناصر السهلي
 
 
"1"
فيتوري / فيكتور أريغوني قادته إرادة ورغبة إنسانية حرة ( وربما أعمق، سيذكرها ربما التاريخ للجهلة) منذ سنوات لأن يترك بلاده ويلتصق بهذه البلاد التي تتعثر في طريق الحرية في وديان ومنحدرات لم تعد تستحق سوى وصف التافهة حقا!
 
هو لم يغره شيء في غزة سوى ما ينحت شعبها في الصخر من حرية واستقلال لكل فلسطين فترك ملذات الحياة في إيطاليا.. كان يمكن لهذا الرجل أن يطوف بلادا كثيرة، وأن يعيش سنوات أكثر صخبا في أماكن أخرى، غير الاقتراب من مخاطر تعريض حياته وحياة الآخرين من المتضامنين بالقرب من السياج الأمني المحيط بغزة..
 
مؤلم حقا أن نصف هذه اللوحة التي تلطخ صورة الفلسطيني بأيد تجهل معنى أن يأتي هؤلاء إلى البلاد المحتلة ويخوضون كل المخاطر، وكل القلق الذي يتركونه عند أهاليهم وأحبتهم في بلادهم الأصلية ليكونوا شهودا وناقلي معاناة شعب البلاد..
 
تلك هي الأيدي التي لا تعرف للعقل مكانة ولا للتفكير سبيلا فتنغلق على أفق لا يصل حد القدمين فتختطف أريغوني وتعدمه بكل بساطة، وأية بساطة وأي وصف للتخلف يمكن أن ينطبق على هذا الفعل الناتج عنه إضافة أخرى إلى التشويه المتعمد.. وأصر على أنه متعمد.. لدكاكين معروفة العناوين ومجهولة المدد للبعض..
 
هؤلاء الذين اختطفوه أين كانت جرأتهم في اختطاف رجل ذو مكانة من "حماس"/ رغم أن الخطف مرفوض بالمطلق في هذه المطالب التي عرضت/ ليطلبوا "إطلاق سراح" زعيمهم؟
بظني أنهم لم يختاروا الرجل بشكل انتقائي، ولا أن حظه العاثر قاده إلى تلك الجماعة التي تعصب عينيها وعقلها في فهم ما تكون عليه مؤثرات قتل متضامن دولي يهتف لحرية فلسطين ويخترق الحصار ويبقى بعيدا عن أهل وبلد بالرغم من معرفة أن الاحتلال يمكن أن يستهدفه.. وهو ما حصل..
 
أنا شخصيا أتحمل مسؤولية كلماتي هذه حين أُصر على أن التخلف صناعة يستغلها الاحتلال وأجهزته لتكون الصورة ملطخة وعارا أكثر مما هي عليه حتى في انفضاض الكثير من الفلسطينيين أنفسهم عن هذا المشهد العبثي والتافه لكرسي وسلطة وجاه تتقاسمه عقليات التخندق خلف دكاكين أخرى كلها تود لو تقنع نفسها أنها "الأحق" في سلطة الوهم.. ثمة شك بأن هؤلاء الذين قتلوا الرجل الذي كان أكثر مبدئية من كثير من الفلسطينيين في استيعاب الظلم ومعاني القهر فقادته مبادئه وغيره من المئات من المتطوعين الأجانب، بدون التمحيص في كل النيات والأهداف لأفراد لا يخلو أن يكونوا بأجندات وأهداف معينة معروفة للجهات الاستخباراتية، لأن يكون صوت الفلسطينيين إلى عالمه وعالم يقرأ اللوحة بغير لغة العنتريات التي يغلفها الكثيرون من بين ظهرانينا وهي لا تتعدى حدود أفق الناظر إلى القدمين..
 
من يتذكر ألان جونسون؟
 
ألم يكن صحفيا بريطانيا ينقل مأساة الشعب الفلسطيني في غزة؟.. تم أيضا خطفه قبل سنوات وكان يمكن أن تكون نهايته مأساوية في عبثية وجهل وتخلف هؤلاء الذين يعتقدون أنهم المصطفون في دروب فلسطين.. خرج الرجل من أسره بعد محاولات حثيثة ليروي فظاعة منعته من أن يكون بين الفلسطينيين ليروي من خلال قصصه وتقاريره حكاية شعب يعاني معاناة مزدوجة بين احتلال وتخلف العبثية..
 
فما الذي فعله الإيطالي فيتوري سوى أن وثق وفضح جرائم الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني؟
كان قد قدم إلى القطاع قبل ثلاث سنوات في قافلة "غزة حرة" مع حركة التضامن الدولية المناصرة للشعب الفلسطيني، يتم قتله قبل أسابيع من انطلاق سفن قوافل الحرية لكسر الحصار عن غزة ولتوجيه الأنظار على معاناة هذا الشعب..
 
لا وقت للبعض للبحث عن الخلفية الفكرية لقتلة هذا الرجل، لكن لا أظن أن الاختيار كان عبثيا ولا جاء بالمصادفة أبدا.. وما يعنيه ذلك أنه لا بد من إعادة قراءة معمقة لتلك المجموعات التي تحمل السلاح ادعاءا وعملها يناقض تماما المقصد من حمله..
 
راشيل كوري التي قتلت بجرافات الاحتلال كانت أيضا صبية تركت عائلتها باحثة عما يمكن أن تقدمه للشعب الفلسطيني بوجه آلة التدمير، لم يكن فعلها يختلف عما يفعله صحفيون وأطباء وطلبة وأناس عاديون من المتضامنين الدوليين مع الشعب الفلسطيني ولم يختلف المبدأ عندها عن المبدأ عند فيتوري.. هي قدمت من الولايات المتحدة، شابة كان أمامها كل ما تحلم به شابات الأرض تركت خلفها عائلة وأخوة وأخذت تشاطر الفلسطينيين معاناتهم وزيتونهم.. هي قٌتلت في غزة وهو قُتل في غزة.. لا فرق عندي بين قتلتها وقتلة فيتوري الذي لم يمر على اختطافه 24 ساعة..
 
من عصب عينا الشاب الايطالي وعرضه بهذا الشكل لا يختلف أيضا عندي عن ممارسات الاحتلال في عصب عيون الفلسطينيين حين يختطفهم، طريقة مشينة ومهينة في أن ترسل رسالة بقتل متضامن مع شعبـ"ك" لهؤلاء الذين يوجدون أو الذين يفكرون بالقدوم لذات السبب.. فهل هذا هو الهدف؟
 
نعم، هذا هو الهدف وربما هدف أعمق منه لا داعي الآن للخوض في جهله وتخلفه ومصادفة الالتقاء مع الجهد الإسرائيلي لملاحقة كل المتضامنين قبل وبعد وصولهم!
 
"2"
جوليانو مير خميس
 
فلسطيني سبق فيتوري في لعبة تعرية الجسد الفلسطيني من إنسانيته ومن جماليته، فإلى أي مدى يراد لأولاد آرنا أن يصلوا في جنون تيه الدروب وضياع بوصلة الهدف في اختلاط التخلف والتشتت الذهني الطارق على عقل من الذهول لتراجيديا متواصلة على مسرح العبثية الفلسطينية في نرجسية تصل حد انتشار الاكتئاب والصدمة بين الفلسطينيين في الدوران والهرولة حول الذات..
 
كان بإمكان جوليانو أن يبقى في حيفا.. أن لا يكون في مخيم جنين.. كان بإمكانه أن لا يكون ابن آرنا المرتدية للكوفية الفلسطينية، وأن يعيش أينما يحلو له فنانا ومبدعا بعيدا عن تسمية "وجع الرأس" الذي يتفاخر بالهروب منه كثيرون منا.. كان بإمكان جوليانو أن يغادر البلاد مهاجرا إلى بلاد فيتوري ليكون مجرد فنان فلسطيني يعيش في المنفى.. لكنه اختار الأسهل في حب البلاد والوقوف بوجه كل محاولات التجهيل للعقل الفلسطيني بكل ما تحمله هذه السهولة من تحديات خفافيش الظلام المتقاطعة مع أحط أنواع الفاشية الصهيونية..
 
فمن أعطى لهؤلاء الحق في أن ينهوا حياة جوليانو بطلقات غادرة، لا لتفجع آرنا به والمخيم لوحدهما بل لتصيبنا الفاجعة والصدمة والدهشة من فعل تغلب عليه الخسة والدناءة بطلقات استقرت في عنق فلسطيني لجسد مرفوع الهامة وعيا وعطاء..
 
قليلون يستوعبون أن خسارة بحجم هؤلاء الذين تودعهم فلسطين خلال سنوات قليلة ماضية ليست خسارة عادية وليس من السهل تعويضها.. خسارة ستتطلب الكثير من الشجاعة والمروءة والكرامة والحرية و النبل للنظر في المرآة التي تعكس صورة بشعة تحتاج لهزة عميقة لنتخلص من هذا الكم الكبير من لعبة التقاطع بين مصلحة الاحتلال وتفاهة قراءة الذات الضيقة كمركز لحركية الكون وما فيه!
 
إذا كانت قسوة الخسارة تعني أن نتعرف على الجانب المظلم من أعماق الذاكرة الفردية والجماعية في فرز وتسمية من نكون وكيف نكون فلنقم إذا بها مهما كانت قاسية.. مراجعة كاملة من أجل نفض الغبار السميك عن عقول سميكة ومتثاقلة في إدراك ما نقود أنفسنا إليه في كنف التخلف والجهالة المتمكنة من بعضنا..
 
كان يمكن لي شخصيا أن أرى نفسي في عين مصباح برام الله في تلك الليلة التشرينية حيث تلقفتني أيدي شبيحة وبلطجية "النقاء الثوري" لكلمات اعتبرها التخلف مسا بقدسية " الزعيم" على خلفية تقرير غولدستون.. قصة لا تستحق مني أن أذكر كم هي مؤلمة والجبن يعتري محيطك من التعرف إليك بعد أن تصير منبوذا بفعل التخلف الناهش فينا كما ينهش الاحتلال الأرض والتاريخ..
 
لذا، أفهم ذلك الفزع والألم اللذين انتابا جوليانو غير مصدق أن أحدهم يشهر مسدسه عليه في الثانية الفاصلة بين استقرار الطلقات في عنقه وبين دهشة الموت.. كما أفهم تماما أن يكون فيتوري عاش لحظات ذات الدهشة وربما فظاعة عدم التصديق أنه نزفت عينه بعد مقاومة خاطفيه وتعصيبه أن هؤلاء فلسطينيون يقومون بخطفه ولم يقرأوا جيدا وشم الرجل "المقاومة" على عضلة ساعده..
 
صور تصنعها أيد لا أشك بأنها تتقاطع بالقتل والتخلص والترهيب مع كل آمال الاحتلال في إطفاء جذوة الأمل الفلسطيني!
 
ألا تبت الأيادي التي طالت قتلا وترويعا كل من جوليانو وفيتوري ورفاقهما ممن هم من أبناء هذه الأرض ومن الذين هجروا كل حياتهم عطاء ومقاومة مع الفلسطيني.. ألا تبت كل الألسن التي تصنع التخلف والجهل والخوف ليسري كما تشتهيه عقليات العصابات الصهيونية.. تبت كل تلك العقول التي ترى المحيط يثور على ذاته لينفض عنه موبقات الجهالة وعبادة الشخوص بينما هي تنشغل في فتاوى عدم الخروج على ولي الأمر سوى بما يتقاطع والولاء لمن هم اصغر من فلسطين وأتفه من أن يكونوا ولاة أمر في تحالف وتقاطع مصلحي لزيادة الإيغال بالدم الفلسطيني!
 
ليس باسمنا أبدا تم قتل جوليانو وفيتوري.. استشهدا لينقص عدد الشهود شاهدين ولكن في فلسطين خزان الوعي لن يرتعب.. ولن يفيض وعيه إلا لكنس هذا التخلف والجهالة التي يراد لها أن ترسم ملامحنا المستحيلة!

التعليقات