22/04/2011 - 17:07

مثلث العنف والجريمة / سامي العلي

قبل أعوام نشرت في سلسلة تحقيقات صحفية أعددتها ضمن عملي الاعلامي، تفاصيل خطيرة حول نشاط عائلات الإجرام في المجتمع العربي بالداخل الفلسطيني، ومعلومات تؤكد نشوب حرب طاغية بين منظمات الإجرام في منطقة المثلث، تتجلى بموجه ثأر عاتية وسيل انتقامات، ستصيب كافة مستويات وفئات المجتمع، بغض النظر عن مجال عملها ونشاطها وجنسها، حرب لن تقتصر على عالم الإجرام المتمثل في تجارة الأسلحة والمخدرات وتبييض الأموال، والسوق السوداء، والعديد من النشاطات غير تاأخلاقية وغير القانونية.

مثلث العنف والجريمة / سامي العلي

 

قبل أعوام نشرت في سلسلة تحقيقات صحفية أعددتها ضمن عملي الاعلامي، تفاصيل خطيرة حول نشاط عائلات الإجرام  في المجتمع العربي بالداخل الفلسطيني، ومعلومات تؤكد نشوب حرب طاغية بين منظمات الإجرام في منطقة المثلث، تتجلى بموجه ثأر عاتية وسيل انتقامات، ستصيب كافة مستويات وفئات المجتمع، بغض النظر عن مجال عملها ونشاطها وجنسها، حرب لن تقتصر على عالم الإجرام المتمثل في تجارة الأسلحة والمخدرات وتبييض الأموال، والسوق السوداء، والعديد من النشاطات غير تاأخلاقية وغير القانونية. 

نشر المخفي والمستور أثار حفيظة بعض الأوساط والفئات المجتمعية، لا سيما وأنني كشفت فيها، ضلوع بعض المقامات والشخصيات الجماهيرية، والسياسية، والدينية، والتجارية، في نشاطات وأعمال عائلات الإجرام العربية، والتعاون معها، فضلا عن غضها البصر عن فعالياتها وأعمالها، واستئجار هذه الشخصيات المرموقة اجتماعيا وجماهيريا وتجاريا، خدمات عائلات الإجرام، كالتهديد والابتزاز والترهيب وغيرها.

مع مرور السنوات، وخاصة في العامين الأخيرين، أصبحت تنقشع هذه الحقائق أكثر فأكثر، وأضحت تسطع تفاصيلها من جريمة لأخرى في مسلسل حرب الانتقامات التي نشبت، لتؤكد أن العنف بمظاهره وأشكاله تحول لثقافة التعامل الجديدة والسائدة، لتسيير شؤوننا وحل مشاكلنا، وفض النزاعات والعراك، ولم يبقى حصرا على مخالفي القانون والمجرمين، أو شرائح  مجتمعية معينة، بل غدا وسيلة "مشروعة "  تتبناه  الفئات والأفراد، بصرف النظر عن  منصبها ومكانتها.

جرائم القتل الآثمة، التي عصفت في بلدات المثلث بشكل خاص، والمجتمع العربي بشكل عام، يندب لها الجبين، كونها تجترح الغضب والألم والحزن من أعماق وجودنا، فقتل مدير عام  بلدية قلنسوة،  وحصد أرواح 5 شبان في غضون شهر من مدينة الطيبة، وقتل نساء في اللد والرملة، وذبح آخرين في يافا ورهط، ناهيك عن إطلاق النار وحرق السيارات، ومظاهر عنف أخرى، تؤكد مدى استفحال أفعى الجريمة والعنف في مجتمعنا، ومدى احتقارنا لقيمة وقدسية الإنسان، هذه الجريمة التي تتم وتحدث تحت "أنف الشرطة".

لا يختلف اثنان ولا يتناطح عنزان حول طغيان العنف على قطاعات المجتمع بمستوياتها، جراء الاستخفاف بأرواح المواطنين وتخلينا عن قيم التربية السليمة، والضوابط الدينية والاجتماعية، والفجوة بين ذاتنا والهوية الوطنية والقومية، في ظل سياسات اسرائيلية تمييزية وعنصرية، وأنا على يقين أن القيادات، السياسية، الاجتماعية، الدينية والشعبية في المجتمع العربي، يسعون بكل حرارة لقطع رأس أفعى الجريمة واجتثاث سرطان العنف من صميم جسد المجتمع، خاصة وأن آفة العنف ومارد الجريمة، الذي تحرر من قمقمه، ليس بمسألة حديثة، إذ تم دراسة الظاهرة واقتراح الحلول لمعالجتها في عدة أشكال ومناسبات، بدءا من الهيئة التمثيلية العليا للمواطنين العرب، ألا وهي لجنة المتابعة العليا، ومرورا باللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، وانتهاء بمبادرات وبرامج لمؤسسات مدنية ومختصين، علاوة على المؤتمرات والاجتماعات والاحتجاجات، وقد أطلقت نماذج ومشاريع من شأنها كبح جماح الآفة والقضاء على وباء الجريمة، ولكن غالبيتها، باستثناء البعض، بقيت في إطار الأوراق والنقاش، ولم تخرج لحيز الأفعال والعمل.

لا بد من وضع الآليات الصالحة والقابلة للتنفيذ، بغية مجابهة مارد الجريمة، وهذا يتطلب دراسة الظاهرة بعمق أولا، وبتكاتف الأطراف ثانيا، وبالتنفيذ والعمل ثالثا، كما علينا أن نبتكر خطوات وحلولا لم نعتمدها حتى الآن،  وآليات كفاح نوعية ذات لمسات إبداعية وعلمية، باستطاعتها محاربة غول العنف الذي يشهد تطورا متسارعا كالفيروس الذي يطور نفسه لمواصلة العيش في البيئة التي تحيطه، ملائما نفسه لكل المضادات والأدوية  التي تحاول دحره، وهكذا هي آفة العنف والجريمة في مجتمعنا، فعلى مدار سنوات نمت وتطورت وأخذت أشكالا عديدة، وتفشت في جسم المجتمع العربي، ملائمة نفسها لكافة الأدوية والمضادات الحيوية، من سبل محاربة

 

وبرامج توعية وخطط، تحاول اجتثاثها ومعالجتها، إلا أننا وللأسف ما زلنا نستعمل الأدوية ذاتها والمضادات نفسها، والتي لا تجدي ولا تغني من جوع.

 لقد تعددت وتكدست الحلول لمحاربة وباء العنف والجريمة، من عام لآخر، كما تعدد أبطال هذه الحلول وأصحاب الدور الأساس في مكافحة الظاهرة، من قيادات ومواطنين ومؤسسات رسمية ومدنية، دون تحسين ولو اليسير،  والسبب هو افتقار هذه الحلول لذراع التنفيذ ونقص سمات الجرأة والمرؤة لدى أبطالها، وانغمارها أو حتى غرقها في مستنقع المداهنة والمهادنة  و" مسح الجوخ"، ناهيك عن انغماس البعض في وحل النفاق، فالأبطال من قيادات عربية على اختلافها، ومواطنين ومؤسسات، لم يتخذوا حتى اليوم موقفا حيال مرتكبي الجرائم ومستخدمي العنف، ولا يواجهونهم بثقة وجرأة في الميادين والغرف المغلقة، ولا يعلنون عن مقاطعتهم اجتماعيا ونبذهم وإقصائهم واحتقارهم، رغم أن هؤلاء المجرمين  والمخالفين من أفراد مستقلين وعائلات إجرام، يقطنون في حيهم أو بلدهم، أو تربط بينهم صلة قرابة، أو على معرفة بأهلهم وكبيرهم وشيخهم.

المشكلة فينا نحن، قيادات، أهال، رجال دين، مربيات ومربون، نساء وفتيات، شباب وشيوخ، نحن الذين نصادفهم يوميا ونتعامل معهم بشكل طبيعي، بل ونمتدحهم ونرفع من شأنهم أحيانا، وكأننا نستجدي رضاهم، لتصبح بذلك خصائص عالم الإجرام جزءا من حياتنا اليومية، وتعاملنا مع  بعضنا البعض، إذ نستخدم أفراد هذا العالم ليثأروا لنا ولننتقم من أبناء جلدتنا، نزوجهم بناتنا ونشاطرهم مناسباتهم ونشاركهم الموائد والسهرات والأعمال والمشاريع وغيرها.

نحن بتصرفاتنا هذه، وبعدم اتخاذنا مواقف وقرارات جريئة وصارمة بحق جنود وعصابات مارد العنف والجريمة التي تعيش في قرانا ومدننا، وتنهش كياننا، فإننا نمنحهم الشرعية والرخصة لمواصلة الرذيلة.

مثلث العنف والجريمة لم يعد ينحصر في الجغرافيا فقط، بل أضحى مثلث أوسع وأخطر، مثلث تتمثل ركائزه في القيادة المتملقة، غياب التربية بعناصرها وتقصير الشرطة الممنهج، ومن أجل كسر أضلاعه يستوجب علينا إعداد استراتيجية شجاعة وجريئة وحكيمة، يكون في صلب رؤيتها نبذ المجرمين والعدوانيين وعصابات الرذيلة من برامج حياتنا اليومية. 

التعليقات