01/05/2011 - 13:14

لكي تكون المصالحة في خدمة القضية../ ياسر الزعاترة

لم نكن يوما مع الكلام الرومانسي حول الانقسام الذي يخدم الاحتلال، فما يخدم الاحتلال حقا هو البرنامج الذي أعلنت القيادة التي ورثت ياسر عرفات عن الإخلاص في تبنيه مهما كانت الظروف، وهي التي خالفت الشعب الفلسطيني برمته يوم أجمع على انتفاضة الأقصى نهاية سبتمبر/أيلول من عام 2000 بعد أن تبين في قمة كامب ديفد (يوليو/تموز من العام نفسه) أن سقف ما يعرضه الإسرائيليون على الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبله عاقل.

لكي تكون المصالحة في خدمة القضية../ ياسر الزعاترة
لم نكن يوما مع الكلام الرومانسي حول الانقسام الذي يخدم الاحتلال، فما يخدم الاحتلال حقا هو البرنامج الذي أعلنت القيادة التي ورثت ياسر عرفات عن الإخلاص في تبنيه مهما كانت الظروف، وهي التي خالفت الشعب الفلسطيني برمته يوم أجمع على انتفاضة الأقصى نهاية سبتمبر/أيلول من عام 2000 بعد أن تبين في قمة كامب ديفد (يوليو/تموز من العام نفسه) أن سقف ما يعرضه الإسرائيليون على الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبله عاقل.
 
الإسرائيليون الذين فوجئوا بالرفض الفلسطيني المدعوم عربيا للعرض، سعوا بكل ما أوتوا من قوة لترتيب أجواء مختلفة تنسجم مع خطة شارون للحل الانتقالي البعيد المدى التي أخذت مسمى الدولة المؤقتة لاحقا، والسلام الاقتصادي بتعبير نتنياهو، وكان شارون قد انتقل من دوائر المعارضة إلى السلطة، فكانت خطته هي ترتيب انتقال السلطة والمنظمة وحركة فتح إلى محمود عباس بعد قتل ياسر عرفات، الأمر الذي سبقته ضغوط مكثفة على مصر سهلها شروع النظام في لعبة التوريث تزامنت مع ضغوط مماثلة على محور الاعتدال الذي تراجع على خلفية ضغوط "الدمقرطة" والإصلاح من طرف الولايات المتحدة، والتي انتهت إلى صفقة معروفة عنوانها الدفع من جيب قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية مقابل السكوت عن الأنظمة في ملف الإصلاح الداخلي.
 
كان استدراج حماس إلى المشاركة في انتخابات سلطة أوسلو جزءًا من ذلك المخطط بعد حرمانها من أهم قادتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي مقدمتهم الخمسة الكبار (الشيخ أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، صلاح شحادة، إبراهيم المقادمة، جمال منصور)، وكان المخطط هو منحها حصة من المجلس التشريعي لا تمكّنها من إفشال المخطط التفاوضي، فكانت النتيجة المفاجئة التي بات التعامل معها مقدما على ما عداه، ثم تعمقت الورطة بعد الحسم العسكري الذي أثبتت وثائق ويكيليكس أن الإسرائيليين كانوا يدركون إمكانيته، بل كانوا راغبين فيه لأهداف متعددة أهمها حشر حماس في قطاع غزة، الأمر الذي يستحق وقفة أخرى.
 
مصالحة اليوم تأتي من طرف السلطة نتاج فشل مسار التفاوض والتعويل على أوباما، بخاصة ما يتعلق باشتراط وقف الاستيطان لاستمرار المفاوضات كما صرح محمود عباس الذي فاوض أولمرت ثلاث سنوات دون وقف الاستيطان، ولا ننسى هنا فضيحة وثائق التفاوض التي أثبتت ذهاب القوم بعيدا في تنازلاتهم من دون أن يحصلوا على شيء ذي قيمة من الطرف الإسرائيلي. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في تغير المزاج العام في الساحة الفلسطينية والعربية حيال الصراع مع العدو بعد الثورات العربية، ومن ضمن ذلك تغير الوضع في مصر التي شكلت على الدوام المرجعية العربية للسلطة.
 
أما بالنسبة لحماس فتأتي المصالحة نتاج حصار طويل، ازدادت تداعياته صعوبة بعد الحرب على قطاع غزة، ولا نتجاهل هنا ما يتعلق بارتباك الوضع في سوريا، فضلا عن شعورها بضرورة التفاعل مع الروح الجديدة في مصر ما بعد الثورة، إلى جانب حصول الحركة على ميزة بالغة الأهمية بالنسبة إليها في الاتفاق، تتمثل في الإبقاء -ولو مؤقتا- على سيطرتها الواقعية على قطاع غزة
 
في النتيجة اضطر الطرفان إلى توقيع مصالحة يصعب التكهن بمآلها رغم بعض البنود الإيجابية وفي مقدمتها الاتفاق المتعلق بإعادة تشكيل منظمة التحرير وانتخاب مجلس وطني بالتزامن مع الانتخابات التشريعية والرئاسية، والسبب بالطبع يتمثل في الشياطين الكثيرة التي تكمن في التفاصيل، لاسيما تلك المتعلقة بالوضع الأمني في الضفة الغربية، ومدى إمكان تخلص قيادة السلطة من إرث دايتون، وأقل ذلك العقيدة الأمنية التي بثها في أوساط الأجهزة الأمنية (ينطبق ذلك على منح حماس وضعا سياسيا مختلفا)، وبالطبع تبعا لرد فعل الأميركان والإسرائيليين والمانحين الدوليين على خطوة من هذا النوع.
 
هناك عائق كبير آخر يتمثل في إصرار القيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة وفتح (هي ذاتها بالطبع) على مسار التفاوض بصرف النظر عن النتيجة، حيث نسمع رئيس السلطة يؤكد كل يوم على رفض الانتفاضة سواء كانت مسلحة أو سلمية، مما يعني أنه سيكون مطلوبا من حماس، أو الانتخابات بتعبير أدق أن تمنح هذا المسار العبثي ما يحتاجه من شرعية، وسيتم ذلك بالتفاهم مع سائر القوى الأخرى (باستثناء الجهاد) التي ستتحالف مع فتح في انتخابات القائمة النسبية، وربما الدوائر أيضا من أجل استعادة الغالبية من حركة حماس، وبالطبع بعد تغيير قانون الانتخاب على نحو يجعل النسبة الأكبر من المقاعد للقائمة النسبية.
 
هذا هو المطلوب من الانتخابات، ولو جاءت بنتيجة مغايرة لعاد مسلسل الحصار من جديد، اللهم إلا إذا قبلت حماس بشروط الرباعية الدولية (تكون بذلك حركة أخرى)، ولذلك قلنا وسنظل نقول إن مصلحة القضية تتطلب الاكتفاء بانتخابات المجلس الوطني في الداخل والخارج لكي يكون القرار النهائي من حق منظمة التحرير بعد إعادة تشكيلها، ونؤكد أن انتخابات الخارج ينبغي أن تتم بالفعل، وهنا تمتحن مصداقية الدول التي تتحدث عن رفض التوطين.
 
أما إدارة الضفة وغزة، فتتم بالتوافق، والأفضل من خلال ذات الصيغة التي اتفق عليها في المصالحة، أعني حكومة غير فصائلية تدير حياة الناس ولا تتدخل في الشأن السياسي.
 
نعم، المجلس الوطني كممثل للداخل والخارج هو المؤهل للنظر في مسار الشعب الفلسطيني، ليس فيما يخص الاتفاق النهائي، لأن اتفاقا مقبولا لن يُعرض على الشعب الفلسطيني في المدى القريب على الأرجح، بل فيما يخص المسار الذي ينبغي أن يختطه الفلسطينيون في مواجهة الصلف الإسرائيلي واستمرار الاستيطان والتهويد.
 
ونعلم جميعا أنه لا شيء يمكنه فرض التراجع على العدو سوى مسار المقاومة، سواء كانت المقاومة الشاملة بكافة أشكالها، أو المقاومة السلمية الشاملة التي تشتبك مع حواجز العدو في كل مكان، أو المقاومة المسلحة التي تنسجم مع ما يعرف بالشروط الدولية (ضد جنود الاحتلال والمستوطنين في الأراضي المحتلة عام 67)، بينما تكون الحكومة التي تشكل هي حكومة إدارية ولا صلة لها بالشأن السياسي والمقاوم كما ذكر آنفا.
 
أما الحديث عن استفتاء كما ورد فيما يعرف بوثيقة الوفاق الوطني التي تورطت حماس في توقيعها قبل سنوات، فالأصل أنه لا استفتاء على الثوابت، والثوابت بالنسبة إلينا ليست تلك التي تتردد في خطاب السلطة وحركة فتح، بل الثوابت الموجودة في الميثاق الوطني (الوثيقة الأصلية لمنظمة التحرير قبل مسلسل العبث المعروف بها طوال عقود). وإلا فكيف يمكن لعاقل أن يقبل تصويت ممثلي الشعب الفلسطيني على الاعتراف بأربعة أخماس فلسطين كوطن لليهود، فضلا عن أن يتطور الأمر نحو الاعتراف بها كدولة يهودية، في حين نعلم حجم الإجماع الإسرائيلي على رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى مناطق 48؟!
 
على أي حال، ستبقى المصالحة برسم التعثر إذا لم تغير حركة فتح نهجها السياسي، الأمر الذي ينطبق على حركة حماس فيما يتصل بتركيزها على استمرار السيطرة المنفردة على قطاع غزة، أما المسار الأفضل فهو ما أشرنا إليه ممثلا في انتخاب قيادة للفلسطينيين في الداخل والخارج يتبعها، بل ربما يسبقها توافق بين جميع القوى على خط مقاوم يعلن مطلبا لا تراجع عنه خلاصته انسحاب الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 67 من دون قيد أو شرط كمقدمة للتحرير الشامل.
 
وفي اعتقادي أن الأجواء الدولية، والأهم العربية بعد الثورات الشعبية تسمح بتحقيق هذا الإنجاز إذا تحلى قادة حركة فتح بأن يكونوا مناضلين وقادة حركة تحرر، وليسو أصحاب امتيازات يتلقونها من عدوهم، أو منح ومساعدات ينتظرونها من داعمي ذلك العدو، لاسيما أن بوسع الشعوب العربية أن تفرض على أنظمتها دعم الشعب الفلسطيني بما يكفيه إذا كان مصرًّا على طريق التحدي والمقاومة.
"الجزيرة"

التعليقات