06/05/2011 - 08:37

أحرِقـوا الجسـور!‪/‬ د. جمال زحالقة

رحب الشعب الفلسطيني وأصدقاؤه بالتوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة، ويبقى لهذا الترحيب معنى حقيقي إذا استمرت المصالحة وإذا جاءت بنتائج عملية في صالح شعب فلسطين وقضيته العادلة.

أحرِقـوا الجسـور!‪/‬ د. جمال زحالقة

رحب الشعب الفلسطيني وأصدقاؤه بالتوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة، ويبقى لهذا الترحيب معنى حقيقي إذا استمرت المصالحة وإذا جاءت بنتائج عملية في صالح شعب فلسطين وقضيته العادلة. 

من شروط المصالحة إحراق جسور العودة إلى الانقسام، فلو بقي جسر واحد قائم، يظل هناك خطر الانتكاس مرة أخرى إلى التشرذم والتفسخ. حتى الآن، لم نشهد دخان حرق هذه الجسور، لذا فإن نداء الشعب إلى القيادة هو "أحرقوا الجسور!". بالطبع لن تلغي المصالحة الخلافات القائمة والتباين في المواقف وفي الاستراتجيات السياسية، ولكن المطلوب هو إدارة الصراعات الداخلية في إطار الوحدة الوطنية، بحيث لا يتحول الاختلاف والنقاش والخلاف إلى تصدع وانقسام. 

يحق لنا أن نتفاءل بأن المصالحة سوف تستمر، ولو لأن المساحة التي وقف عليها كل طرف متمرد على الوحدة الوطنية قد تقلصت بشكل دراماتيكي في الفترة الأخيرة. 

لقد انهارت ما تسمى بعملية السلام، وانهارت الأوهام بإمكانية استئنافها ما دام نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وما دام الموقف الإسرائيلي ينكر حق العودة ويرفض إخلاء كل المستوطنات ويصر على الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ولا يقبل بالشرعية الدولية وبالانسحاب من كل المناطق المحتلة. لم تنته "صناعة السلام" فحسب بل وأفلست "صناعة أوهام السلام"، ولم يعد لها رصيد يذكر في الشارع السياسي. 

لقد سقط الرهان على المفاوضات العبثية، وسقط الرهان على الراعي الأمريكي، الذي عجز حتى عن إقناع إسرائيل بتجميد مؤقت للاستيطان مدة ثلاثة أشهر، وسقط الرهان على شاهد الزور العربي، الذي تمثل بلجنة المتابعة العربية، التي كان دورها منح الفرص المتتالية لعملية سلام فارغة من المضمون. بعد كل هذا السقوط، لم تعد المفاوضات مبرراً للانقسام، لا بمعارضتها ولا بالحماس لها. لقد سقط هذا المبرر منذ مدة، وأثبتت التطورات المتلاحقة أنه لن تقم له قائمة في المستقبل المنظور، لذا حان الوقت لحرق جسر الرجوع مرة أخرى إلى المفاوضات العبثية ومنطقها الأعوج.

لا شك بأن المصالحة هي لقاء مصالح، وفيها أيضا اقتراب في المواقف السياسية، ولكن الأمر الغائب عنها هو إستراتيجية مشتركة ومتفق عليها للنضال ضد الاحتلال ومن أجل تصحيح الغبن التاريخي اللاحق بالشعب الفلسطيني. هذه القضية بالذات هي مربط الفرس، فالشعب أراد إنهاء الانقسام لأنه يريد إنهاء الاحتلال، وليس من أجل حفلة مصالحة مهيبة. هناك أشكال من النضال مقبولة على طرف ومرفوضة من قبل طرف آخر، وهناك أيضا خلافات حول إيقاع النضال ومسألة التوقيت ومسألة "من ومتى وكيف وأين وماذا؟". هذا التباين والخلاف في المواقف في المحور الرئيسي للعمل السياسي الفلسطيني وهو النضال ضد الاحتلال، لن يحل ولن يتفق عليه بين ليلة وضحاها، ولكن المطلوب فوراً هو آليات وضوابط مقبولة للعمل، مثل وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، والامتناع عن اعتقال المناضلين، والالتزام بعلاقات مفتوحة ومتفق عليها بين الفصائل وغير ذلك.
المطلوب أن لا يكون النضال ضد الاحتلال للتنافس بين الفصائل، بل بالأساس نضال مشترك وتكاملي وموحد بحيث يساهم في بناء الوحدة الوطنية لا أن يؤدي إلى تفسخها. المطلوب هو أن تكون الوحدة الميدانية على أرض الواقع هي الركيزة الأهم للوحدة، فالكوادر الميدانية هي التي تتحمل عبء النضال وتدفع ثمنه. 

الوحدة الميدانية بين الفصائل والقوى الوطنية هي المؤشر على أن المصالحة تتجه نحو وحدة وطنية كفاحية، وليس مجرد تقاسم للسلطة. وما من شك بأن بناء المصالحة والوحدة على مستوى القاعدة وليس القيادة فحسب هي حرق لجسور الانتكاس نحو الانقسام وفيها ضمانة لعدم العودة إلى حالة الانقسام المأساوية، فحتى لو اختلفت القيادات فإن الكوادر الميدانية لن تسمح لها بالتمرد على الوحدة الوطنية. 

التعليقات