15/05/2011 - 11:08

مشاهد وحكايات من النكبة المفتوحة!../ نواف الزرو

بينما تسابق الدولة الصهيونية الزمن والتطورات من أجل محو وشطب فلسطين من الواقع ومن الذاكرة، وبينما تسعى بلا كلل من أجل اختلاق رواية صهيونية خاصة بهم على أنقاض الرواية العربية، فإنه لمن الملح اليوم ونحن أمام الذكرى الثالثة والستين للنكبة واغتصاب فلسطين أن نستحضر مشاد وحكايات النكبة

مشاهد وحكايات من النكبة المفتوحة!../ نواف الزرو
بينما تسابق الدولة الصهيونية الزمن والتطورات من أجل محو وشطب فلسطين من الواقع ومن الذاكرة، وبينما تسعى بلا كلل من أجل اختلاق رواية صهيونية خاصة بهم على أنقاض الرواية العربية، فإنه لمن الملح اليوم ونحن أمام الذكرى الثالثة والستين للنكبة واغتصاب فلسطين أن نستحضر مشاد وحكايات النكبة.
 
فعلى تلك الأرضية الخصبة جداً بالمخططات والمشاريع والأدبيات والمفاهيم والمنطلقات السياسية / الفكرية / الأيديولوجية العنصرية الإرهابية الصهيونية / الإسرائيلية، من جهة أولى، والمفعمة بالمعطيات والمعادلات العربية والإقليمية والدولية المتواطئة أو المتحالفة أو المتخاذلة تجاه المشروع الصهيوني في فلسطين من جهة ثانية، وعجز وتفكك وضعف وقلة تنظيم وتسليح الفلسطينيين على أرض فلسطين من جهة ثالثة، كلها تلاقت وتضافرت معاً لتنتج وتفرخ على أرض فلسطين العربية، سلسلة مشاهد ومحطات تحكي لنا قصة النكبة والمأساة والمعاناة والتضحيات الفلسطينية المفتوحة، في الوقت الذي تشرح لنا فيه ذلك التواطؤ الاستعماري ضد الأمة العربية، ولكنها تحكي لنا أيضاً قصة الصمود والنضال والصراع الفلسطيني من أجل البقاء واسترداد الحقوق المغتصبة.
 
مشاهد وفصول النكبة متصلة متكاملة ممتدة حتى الراهن العربي، تكشف لنا ظروف وحقائق النكبة في التآمر والتواطؤ الدولي، والإجرامي الصهيوني.
 
فمنذ البدايات والجذور، وكما هو موثق في صحف التاريخ والجغرافيا والحضارة والتراث...
فقد احتلت فلسطين في الوعي الوطني الفلسطيني دائما قمة الهموم و الأولويات والاهتمامات
 كما احتلت في الوعي القومي العربي صميم الوجدان العربي..
 وكانت في الوعي الإسلامي على امتداد الأمة دائما سرة الأمة الإسلامية...
فكانت وبقيت دوما الجوهر والعنوان الكبير لكل ما يجري على امتداد مساحة الوطن والأمة وكانت جزءا من خارطة الوطن الكبير... وكان شعبها جزءا من الأمة العريقة..
 
حملت معركة فلسطين معها دائما كل العناوين.. وكل العناصر.. وكل الأبعاد الأخرى المتعلقة بالعقيدة والهوية والانتماء والتاريخ والحضارة والجغرافيا والمستقبل.
 
كلهم كانوا يعرفون ذلك... ولذلك تحالفت وتواطأت المؤسسة الاستعمارية البريطانية والحركة الصهيونية ومن ورائها أيضا الحاضنات الأوروبية الاستعمارية من أجل العبث بحقائق التاريخ والجغرافيا والمسميات..
 
 اتفقوا على "تسويق فلسطين" على أنها "أرض بلا شعب " وعلى أنها " الأرض الموعودة " لـ"شعب الله المختار"!
 فكانت الجريمة الأولى الكبرى فكرة في تلك الأدبيات الاقتلاعية الصهيونية...
 ثم تحولت إلى قرارات...
 ثم إلى تنظيمات وآليات عمل على مختلف الجبهات التنظيمية والإعلامية والاقتصادية...
فكان الاجتياح الصهيوني التهويدي تحت مظلة وحماية ودعم الاستعمار البريطاني...
 اقترفوا المجازر الجماعية بالجملة وشردوا أصحاب الأرض والحق والوجود..
 واغتصبوا الجغرافيا لإقامة الكيان وسعوا إلى"عبرنة وتهويد الأمكنة والمسميات"...
 
 
المشهد الأول يبدأ بذلك الوعد البلفوري المشؤوم للحركة الصهيونية الذي منحها دون حقٍ، وطناً ودولة ومستقبلاً، فدشن في فلسطين العربية والمنطقة برمتها عصرا جديدا من الحروب والاعتداءات والانتهاكات وجرائم الحرب المروعة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، فكانت تلك الجريمة الكبرى الأولى.
 
 وكان ذلك الوعد الباطل فاتحة مسلسل النكبات والجرائم المتصلة في فلسطين، فجاءت موجات الهجرة والتهجير والغزو البشري اليهودي لفلسطين تحت مظلة ودعم وحماية الاستعمار البريطاني أساساً لتشكيل الجريمة الكبرى الثانية بعد الوعد التآمري ضد أهل فلسطين، لتبدأ مرحلة تطبيق المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية: الاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأراضي العربية.. وبناء أكبر عدد ممكن من المستعمرات الاستيطانية فيها.. وإلى جانب ذلك.. بل وقبل ذلك.. وبالتزامن مع ذلك، بناء جيش حربي صهيوني محترف مدجج بأفتك الأسلحة في ذلك الوقت.. فكانت هذه الجريمة الكبرى الثالثة في المشهد الفلسطيني.
 
 لتبلغ المؤامرة البريطانية الصهيونية الدولية ذروتها عشية الإعلان عن انتهاء فترة الانتداب البريطاني، واندلاع "الحرب" العربية الصهيونية غير المتكافئة على الإطلاق، بل والتي كانت مبيتة مطبوخة محسومة لصالح الصهاينة ليسجل في المشهد الفلسطيني الجريمة الكبرى الرابعة...
 لتأتي بعد ذلك كله الجريمة الكبرى الخامسة، مجسدة بأقذر وأبشع الجرائم الصهيونية عبر التاريخ:
 حرق شامل للأخضر واليابس في فلسطين، وتدمير شامل للمدن والقرى الفلسطينية (نحو532 قرية وبلدة ومدينة)، ومجازر جماعية دموية بشعة مروعة لم ينج منها حتى الطفل الفلسطيني الرضيع، ثم ترحيل وتشريد وتلجيء جماعي للشعب الفلسطيني ( نحو 850 ألف فلسطيني، ليبقى في فلسطين 48، 156 ألف فلسطيني فقط ).
 
 ولتتحول فلسطين العربية إلى كيان صهيوني، وليتحول شعب فلسطين إلى لاجئين في أصقاع العرب والعالم، بلا وطن وبلا هوية وبلا حقوق وبلا مستقبل، ولتتحول الحركة والعصابات الصهيونية إلى نظام وكيان ودولة معترف بها لها وطن وهوية وحق في الوجود والمستقبل..
فيا للعجب العجاب ويا للمعادلة المقلوبة الظالمة.. ليشكل هذا الفصل ( المليء بالجرائم الصغيرة والكبيرة) الجريمة الكبرى السادسة في المشهد.
 
 لتتواصل الجرائم الصهيونية بأشكالها المختلفة الدموية والاستيلائية الاستيطانية الاحتلالية، والانتهاكية السافرة لحقوق الفلسطينيين هناك في فلسطين 1948، على امتداد المرحلة الزمنية الممتدة من تاريخ الوعد البلفوري الكارثي مرورا بحرب / عدوان حزيران / 1967، وليس انتهاء بالراهن الفلسطيني/2011، ولتتحول فلسطين 1948 كلها، إلى الهيمنة والسيطرة الصهيونية، وليجري تهويدها بالكامل تقريباً، فبعد أن كانت كلها من المية للمية عربية الجذور والهوية والانتماء والملكية، لم يبق تحت السيطرة العربية منها سوى نحو 3% فقط من مساحتها حسب أحدث المعطيات الفلسطينية.
 
وليتحول أيضاً أهلنا هناك إلى أقلية قومية مضطهدة مطاردة في وطنها، تتعرض إلى أقسى وأبشع أشكال الممارسات العنصرية على أيدي سلطات ومجتمع الاحتلال، لتشكل هذه المعطيات الجريمة الكبرى السابعة.
 
 ولا يختلف المشهد الثاني من حيث الاستراتيجيا والجوهر والمقارفات الجرائمية الصهيونية عن المشهد الأول، فهو استمرار له قلباً وقالباً، ولكن على نحو أعمق واشمل وأشرس فإذا كان المشهد الأول يقتصر على مساحة فلسطين 1948، فإن المشهد الثاني الذي يبدأ فصله الأول بالعدوان الإسرائيلي على العرب في حزيران 1967، والذي أسفر عن هزيمة عربية أخرى قاسية أصبح يشتمل إضافة فلسطين 48، على الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضفة والقطاع إلى جانب الجولان وسيناء وجنوب لبنان.
 
 وبالتالي إذا كان حجم المقارفات والممارسات والانتهاكات الإسرائيلية محصوراً قبل ذلك إلى حد كبير ضد فلسطيني 1948، فقد اتسعت الدائرة بعد عدوان 1967، لتشمل فلسطين التاريخية كلها.. ولتشمل أيضاً الاردن وسوريا ولبنان ومصر، ولتتسارع وتيرة الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين والعرب، وليتسع نطاقها ومساحاتها وعناوينها، ولتتضاعف بالتالي نتائجها وليتعاظم حصادها ليشكل سجلاً ضخماً من جرائم الحرب الإسرائيلية المبيتة تماماً.
 فكان العدوان الصهيوني على العرب عام 1967 الجريمة الكبرى الأولى في المشهد الثاني الممتدة مرحلته إلى عام الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987.
 
 ففي فلسطين المحتلة تواصلت سياسات الاحتلال الحربية التنكيلية التطهيرية العنصرية لتشمل الأرض كلها والشعب كله.
 
 ولتبدأ بسلب الأرض كلها واستيطانها وتهويدها، ولتستمر بمنهجية سياسة العقوبات الجماعية الشاملة من اعتقالات ومحاكمات وهدم وإغلاق بيوت وإجراءات خنق اقتصادية، وإجراءات تهويد ثقافية وتعليمية وغير ذلك، ولتصل إلى اقتراف المجازر الدموية الجماعية والفردية... ليشكل بالتالي الجريمة الكبرى الثانية في المشهد الثاني.
 
 ولكن.. تبقى الجريمة الأكبر والأقسى والأشد قهراً ومرارة، تلك المتمثلة أيضاً بحالة العجز والاستخذاء والتأقلم العربي مع مشهد الجرائم الصهيونية المستمرة، والمتمثلة أيضاً بحالة التواطؤ الأمريكي الغربي مع دولة الاحتلال الصهيوني، بفرجة أو حيادية المجتمع الدولي.
 
نستحضر مشاهد وحكايات النكبة والماضي لنستخلص منها العبر والدروس استعدادا لمواجهة المستقبل في ظل صراع عات يعود بنا في هذه الايام الى المربع الأول في مواجهة المشروع الصهيوني.

التعليقات