21/05/2011 - 09:27

مسيرات العودة: تفاؤل العقل والإرادة!../ نواف الزرو

هذا الذي حصل على الجبهات الحدودية مع الكيان الصهيوني لم يرد في تقديرات استخباراتهم "المتفوقة"، كما لم يرد في حسابات محلليهم وساستهم، فهم فوجئوا من هذا الزحف الشبابي الفلسطيني العربي من كافة الجبهات باتجاه الوطن المحتل، كما كانوا فوجئوا قبل ذلك من الثورات العربية التي زلزلت الاستراتيجيات الصهيونية وموازين الشرق الأوسط على نحو اعتبروه نقطة تحول في الشرق الأوسط

مسيرات العودة: تفاؤل العقل والإرادة!../ نواف الزرو
هذا الذي حصل على الجبهات الحدودية مع الكيان الصهيوني لم يرد في تقديرات استخباراتهم "المتفوقة"، كما لم يرد في حسابات محلليهم وساستهم، فهم فوجئوا من هذا الزحف الشبابي الفلسطيني العربي من كافة الجبهات باتجاه الوطن المحتل، كما كانوا فوجئوا قبل ذلك من الثورات العربية التي زلزلت الاستراتيجيات الصهيونية وموازين الشرق الأوسط على نحو اعتبروه نقطة تحول في الشرق الأوسط.
 
وهم –أي في الكيان الصهيوني- إن كانوا أخذوا يعيدون حساباتهم للتعامل مع شرق أوسط جديد بأنظمة عربية جديدة من نتاج ثورات الشعوب العربية، فالمسيرات الجماهيرية باتجاه حدود فلسطين المحتلة قلبت حساباتهم التي بنوها على امتداد ثلاثة وستين عاما كاملة من عمر النكبة والدولة الصهيونية، إذ بنوا سياساتهم دائما على مقولتهم المشهورة "الكبار يموتون والصغار ينسون"، ليفاجأوا بأن هؤلاء الصغار ليس فقط  لم ينسوا، وإنما هم الذين يقودون مسيرات العودة، ليعيدوا القضية والنكبة إلى بداياتها، وإلى بدايات الصرع، ففلسطين تعود إلى الذاكرة وإلى الوعي الجمعي العربي، وفلسطين تعود إلى مركزيتها التي كانت عليها إبان المد القومي العروبي، وفلسطين تعود اليوم وغدا وبعده لتغدو قضية العرب.. كل العرب الأولى والمركزية، وفلسطين تعود قريبا جدا في ظل الثورات العربية الشعبية لتحتل مجددا قمة الاستراتيجيات والأجندات السياسية العربية!
 
هم لم يتوقعوا كل هذه التطورات والتداعيات الاستراتيجية أبدا، لذلك نجدهم في حالة متفاقمة من إعادة الحسابات والتقديرات والاستراتيجيات، ونجدهم أخذوا يتحدثون عن أبحاث ودراسات استراتيجية تبحث في قضية واحدة: كيف ستواجه اسرائيل مستقبلا زحفا شعبيا عربيا ملايينيا؟!
 
لقد عكست جملة من التحليلات وردود الفعل الإسرائيلية تلك الحالة القلقة من المستقبل، فعن مسيرات العودة في الرؤية الاسرائيلية، كتب ألوف بن في صحيفة "هآرتس-الاثنين: 16/05/2011 – "إن الثورة العربية قرعت أبواب إسرائيل يوم أمس في المظاهرات التي نظمها الفلسطينيون من سورية ولبنان في مجدل شمس ومارون الراس لإحياء ذكرى النكبة، وأن دخول المتظاهرين إلى بلدة مجدل الشمس نسفت الأوهام حول أن إسرائيل تعيش في نعيم في فيلا في الغابة، وأنها منفصلة عن الأحداث الدرامية حولها"، وأضاف "أن الانتفاضة السورية تهدد بالوصول إلى إسرائيل أكثر من الثورات في الدول العربية الأخرى"، وقال إن "السيناريو الإسرائيلي المرعب" الذي تخشاه إسرائيل منذ إقامتها قد تحقق يوم أمس، وهو أن يتحرك اللاجئون الفلسطينيون من المخيمات باتجاه الحدود، ويحاولون تحقيق حق العودة سيرا على الأقدام".
 
وبحسبه فإن إسرائيل استعدت لإحياء ذكرى النكبة في الضفة الغربية والقدس والجليل والمثلث، ويشير في هذه السياق إلى" أن ما حصل هو أكثر من خطأ استخباري، وإنما هو تأكيد على محدودية القوة، حيث لا يمكن السيطرة على كل ساحة ونشر القوات في كل مكان، وبالتالي ستظل هناك ثغرات يستغلها العدو".
 
في المقابل، كتب أهارون برنيع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" "أن اللاجئين الفلسطينيين تحركوا باتجاه الحدود وهم يحملون أعلام فلسطين، ويطالبون بالعودة إلى بلداتهم التي هجر منها آباؤهم عام 1948".
 
ويضيف "أنهم خرجوا واثقين من أن المشروع الصهيوني سوف ينهار، وأن دفعة صغيرة سوف تجعل من "إسرائيل" كلها فلسطين". وبحسبه فـ"إن ذلك لن يحصل، وأن اللاجئين لن يعودوا إلى داخل الخط الأخضر".
 
كما كتب إيتان هابر في "يديعوت أحرونوت" "أن يوم النكبة، هو بداية عصر جديد في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني"، مضيفا" أن صور ميدان التحرير في القاهرة ومن ليبيا وسورية شجعت الفلسطينيين على تفعيل سلاح "الكم" إلى جانب النشاط السياسي المكثف في كافة أنحاء العالم". وبحسبه فإنه على ما يبدو فإن "استخدام الفلسطينيين والدول العربية لـ"سلاح الكمّ" يتحول إلى "سلاح نوعي"، وهو ما لم يكن في السابق".
 
ويضيف "أن هذا السلاح الجديد نسبيا يضع الجيش الإسرائيلي والشرطة أمام معضلات جديدة، بشأن كيفية التصرف مع عشرات ومئات الآلاف ومليون من المتظاهرين، وليس لأنه لا يوجد حل، وإنما لكون كل حل يتطلب استخدام القوة وهو ما يعني ثمنا دوليا صعبا".
 
رئيس لجنة الخارجية والأمن الإسرائيلي الجنرال"شاؤول موفاز" عقب قائلا: "إن ما حدث الأحد من أحداث وتظاهرات في يوم النكبة يمكن أن يتكرر مرة أخرى في شهر سبتمبر المقبل بسبب ما تشهده المنطقة العربية من تغيرات"، وحذر مضيفا:" الأحداث التي جرت هي مقدمة للأحداث سوف تقع في سبتمبر، ومن الممكن أن تتحول إلى مواجهات مع المستوطنين الإسرائيليين".
 
إلى ذلك، ناقش عدد من الخبراء الإسرائيليين والمسؤولين السابقين في أجهزة الدولة الصهيونية خلال جلسة عقدت في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال إحياء فعاليات ذكرى النكبة في ظل اقتراب موعد ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة من جانب واحد وانعكاس ذلك على "إسرائيل".
فألقت سفيرة "إسرائيل" السابقة في الأمم المتحدة "غبرئيلا شاليف" باللوم على سياسة الحكومة الإسرائيلية إزاء التدهور الحاصل في موقف إسرائيل على المستوى الدولي، وأشارت إلى" أن هذا التدهور بدأ منذ عملية الرصاص المصبوب ما زال مستمرا" وقالت "إن إعلانا أحادي الجانب من قبل الفلسطينيين ليس هدفا بحد ذاته إنما هو خطوة مدروسة لفلسطينيين لتدميرنا أمام العالم"، وقالت "إن على إسرائيل الاجتهاد سياسيا ودبلوماسيا لإقناع دول العالم بأن الاعتراف أحادي الجانب إذا حدث لن يثمر، ولن يأتي بفائدة للفلسطينيين وأنه بالتأكيد سيضر بعملية السلام- الإثنين 16 / 05 / 2011".
 
وبدوره أكد رئيس الموساد السابق إفرايم هليفي" أنه في ظل الشروط الحالية التي يطرحها الفلسطينيون للحل فإنه لا يمكن التوقيع معهم على أي اتفاق دائم" مشيرا إلى "أن التطورات في الوضع الحالي أثبتت أنه لا يوجد حل واقعي".
 
من جانبه شدد العميد في الاحتياط عوزي ديان نائب رئيس الأركان السابق على" أن الحفاظ على الحدود يجب أن يكون في كل اتفاق مستقبلي"، وقال "إن من يتنازل عن نهر الأردن كحدود شرقية لإسرائيل يأخذ على عاتقه وعاتق الأجيال خطر غير محمود العواقب ولن يجادلني في ذلك أي خبير أمني".
 
أما رئيس الاستخبارت السابق العميد في الاحتياط أهرون فركش فشدد على "أن ضعف الولايات المتحدة يؤثر على وضع إسرائيل، وقد انعكس ذلك بعد عملية اغتيال بن لادن وشكل تعامل الولايات المتحدة مع حسني مبارك وتخليهم عنه بهذا الشكل مقارنة مع كيفية تعاملهم مع الإيرانيين، إن هذا الحديث يفسر جيدا في الشارع الفلسطيني وهذا يؤثر علينا".
 
وخلال افتتاح النقاش أوضح خبراء الشرق الأوسط كيفية رؤيتهم للتطورات الأخيرة في المنطقة، فأشار البروفسور شمعون شامير من جامعة تل أبيب إلى" أن العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تدخل مرحلة جديدة" وقال "إن على إسرائيل التحرك بخطوات وعدم انتظار التطورات".
 
اما محللهم الاستراتي المعروف"اليكس فيشمان- فتساءل في يديعوت أحرونوت"-17 أيار 2011 قائلا: "كيف سنوقف زحفهم؟!"،مضيفا: "وفي هذه النقطة توجد لدولة إسرائيل مشكلة منظوماتية، فباستثناء الردع، ليس في أيديها وسائل لمنع اقتحام حدودها من عشرات ومئات الاف الفلسطينيين الذين ينجحون في تنظيم أنفسهم وتحقيق حلم عودتهم بأقدامهم"، منبها: "أمس تلقينا تحذيرا: فالفلسطينيون ساروا نحو حدود إسرائيل من أربعة اتجاهات: غزة، لبنان وسورية، الأردن، مصر"، مختتما: "كلما جرى الحديث أكثر عن تسوية سياسية أو عن إقامة دولة فلسطينية، سيصبح حق العودة علم الكفاح الفلسطيني. هكذا بحيث أن المسيرات والأساطيل لتحقيق حق العودة ستنال المزيد والمزيد من الزخم... فما الذي سنوقفه في وجههم؟ قناصة؟ ربما بنادق ألوان، مثلما في مرمرة!
 
هناك إذن كما هو واضح قلق إسرائيلي جديد إزاء المسيرات الجماهيرية نحو الحدود الفلسطينية، يضاف إلى ذلك القلق الناشئ عن الثورات العربية الفتية، التي وفرت مناخا خصبا لحالة النهوض العربي، ما انعكس تماما على ذكرى النكبة واغتصاب فلسطين، ووفرت لها بعداً قومياً غيب لعقود طويلة سوداء في تاريخ العرب، ليجد العدو نفسه ولأول مرة منذ ثلاثة وستين عاما –النكبة/ ولأول مرة أيضا منذ اكتوبر/1973، في مواجهة زحف جماهيري فلسطيني وعربي على امتداد الجبهات العربية الخمسة: أولها الداخل الفلسطيني بامتداده الجيوديموغرافي من البحر إلى النهر، ثم الحدود مع سوريا ولبنان ومصر والاردن، ليسقط في المواجهة الأولى من نوعها في تاريخ القضية والنكبة واحد وعشرون شهيدا عربيا ومئات الجرحى، في مشهد استثنائي ستتحول فيه دماؤهم بالتاكيد في المستقبل القريب إلى زيت يشعل قناديل العودة إلى الوطن المغتصب.
 
لقد غذت الثورات العربية ومسيرات العودة بزخمها وثقلها ثقافة العودة والتحرير الذي بات أقرب وأقرب، فتشاؤم العقل وتفاؤل الارادة توحدا في أعقاب الثورات والمسيرات في ثنائية متماسكة من الآن فصاعدا:
"تفاؤل العقل وتفاؤل الارادة"!

التعليقات