24/05/2011 - 10:20

سوريا: الحرب الأيديولوجية../ زكريا محمد

سوريا تنوع كبير جدا لم يحصل دمجه طوعيا في إناء مواطنة. الاندماج تم فوقيا، ونظريا لا عمليا. والأيديولوجيا القومية كانت غطاء فوقيا يخفي عدم الاندماج. شدة هذه الأيديولوجيا كانت دوما إشارة إلى أن الدمج الفعلي لم يحصل، أكثر مما كانت تعبيرا عن الاندماج والوحدة

سوريا: الحرب الأيديولوجية../ زكريا محمد
لا يبدو أن الصراع في سوريا قابل للحسم سريعا.
مع ذلك، فإن الصراع على سوريا قابل لأن يحسم بسرعة.
 
سوريا تنوع كبير جدا لم يحصل دمجه طوعيا في إناء مواطنة. الاندماج تم فوقيا، ونظريا لا عمليا. والأيديولوجيا القومية كانت غطاء فوقيا يخفي عدم الاندماج. شدة هذه الأيديولوجيا كانت دوما إشارة إلى أن الدمج الفعلي لم يحصل، أكثر مما كانت تعبيرا عن الاندماج والوحدة.
 
المجتمع المتنوع، أو إن شئت الدقة المفتت المفكك، بحاجة دوما إلى الأيديولوجيا. لا يستطيع أن يتماسك من دونها. فالأيديولوجيا هي إسمنته. عليه، بالتالي، فالأيديولوجيا القومية في كل من سوريا والعراق لم تكن اختراعا بعثيا. إنها، بشكل ما، اختراع البلدين من أجل تدبير قدر ما من التماسك، ومن اجل التغطية على عدم التماسك من ناحية ثانية. البلدان كانا بحاجة إلى الأيديولوجيا. لذا ليس صدفة أن مركز الأيديولوجيا القومية في سوريا أولا، ثم في العراق ثانيا. وهذا يعني أن البعث اختراع أملته شروط سوريا والعراق، ولم يكن نبتا طلع هكذا فجأة في البلدين. لا، الأرض السورية والعراقية أنتجتاه. الوضع في البلدين كان ينتج الثمرة البعثية.
 
ويزيد من حدة هذه الأيديولوجيا وشدتها في سوريا أنها صارت، جزئيا على الأقل، غطاء لحكم أقلية. فمن دون الأيديولوجيا ما كان لهذه الأقلية أن تبرر وجودها في الحكم. وقد حصل مثل هذا في العراق، بشكل ما. الأقلية تحكم بغطاء الأكثرية القومي. ومن الممكن الحديث عن قانون ما: كلما ازدادت فئوية الحكم، صعدت الأيديولوجيا وزادت الحاجة إليها، بحيث نحصل على خلطة غريبة: قومية عربية مع نوع من الطائفية.
 
المقابل هذه الأيديولوجيا القومية، والرد المعاكس عليها، هو أيديولوجية دينية. أيديولوجيا سنية في سوريا، وشيعية في العراق. فحين تصدأ الأيديولوجيا القومية وتتعفن بفعل فساد السلطة وقرفها، ينفتح الباب أمام الأيديولوجيا المعاكسة، الأمر الذي يضعنا أمام حرب ذات طابع أيديولوجي. لذا يأخذ الصراع في سوريا، كما في العراق، شكل صراع أيديولوجيات.
 
المشكلة أن الأيديولوجيا الدينية أضيق مدى من الأيديولوجيا القومية. فهي تخرج الكثيرين من إطارها. ففي سوريا هي تخرج العلويين والمسيحيين وغيرهم. بينما الأيديولوجيا القومية تخرج الإثنيات الأخرى كالأكراد فقط. بالتالي، فهي أيضا يمكن ان تكون غطاء لتمزيق أشد. وقد فتحت الباب في عراق ما بعد الغزو الأميركي أمام كيانات طائفية. فليس في عراق ما بعد صدام وحدة. الوحدة شكلية وموجودة بوجود القوات الغازية. وتحت هذه الوحدة الشكلية تتبلور الكيانات الطائفية.
 
بالطبع، ثمة في سوريا من يريد أن يتخطى الأيديولوجيات. وهؤلاء هم أفق هذا البلد البعيد. لكن القوى الفعلية الآن على الأرض قوى أيديولوجية. لذا يصبح حسم الصراع صعبا جدا، ومكلفا جدا، أو ربما غير ممكن.
 
أما الصراع على سوريا فممكن الحسم. فالقوى الخارجية لا يهمها مطلقا من يحكم سوريا وإن كان سنيا أو علويا أو غيرهما. المهم أن يسير من يحكمها على هدى مصالح هذه القوى الخارجية. ويبدو أن هذا قريب المنال. فلكي ينجو النظام بنفسه ويحافظ على مصالحه، أفرادا وجماعات، فإنه يمكن أن ينحني للقوى الخارجية، الدولية والإقليمية.
 
بالتالي، ربما انتهت الانتفاضة السورية، التي لم تكن شاملة- ولم يكن ربما بإمكانها أن تكون كما كان في تونس ومصر، بل وحتى في ليبيا- إلى احد أمرين: إما فوضى وحرب أهلية، أو خضوع النظام لمطالب وشروط الغرب والسعودية وإسرائيل.
 
أما الخيار الثالث الذي يتمناه كثير من السوريين الذي يقعون خارج الحرب الأيديولوجية، فيبدو الخيار الأضعف، والأقل احتمالا للأسف.
 
الصراع في سوريا يبدو وكأنه وصل إلى نقطة جمود، إلى توازن لا يكسر. أما الصراع على سوريا، فربما كان على وشك الحسم.

التعليقات