08/06/2011 - 10:37

خواء الشرعية الإحلالية وفخ التشريع العنصري../ إياد رابي

غني عن القول إن واجبنا الأخلاقي والوطني ألا تبهرنا ظلمات الفروع، على سطحية فضائحيتها "الحقوقية"، وتنسينا الأصول، على عمق جذورها وشراسة المعركة بشأنها

خواء الشرعية الإحلالية وفخ التشريع العنصري../ إياد رابي
بين دوي النكبة والوطن وهمس التمييز والمواطنة
 
ما الأكثر عنصرية وإيلاما بين المقولتين:
- المؤسسة الصهيونية تمنع مواطن(ها) الفلسطيني من إحياء ذكرى نكبته و تمنع "تمويلها" بميزانيات حكومية
- المؤسسة الصهيونية تسمح لمواطن(ها) الفلسطيني أحياء ذكرى نكبته وتمول ذلك بميزانيات حكومية
 
هي تساؤلات مشروعة مفتوحة للنقاش حول العلاقة بين غياب وخواء الشرعية وبين أهلية وعنصرية التشريع في المساحة المنبثقة والمتفرعة عن علاقتنا مع الوطن ومع ذاكرتنا، أي مع ذواتنا كأصحاب الوطن، وهو الحيز الممنوع من الصرف كـ"تمييز عنصري داخلي" فحسب يمارس ضدنا كأصحاب حقوق مواطنة.
 
السؤال عملي والجواب عليه يحدد مساحات وميادين تحركنا وإدارة معاركنا "الحقوقية" القادمة: في أروقة المحاكم الإسرائيلية وأدبيات "اليسار"; أم\و في CERD - اللجنة الأممية لمكافحة كافة أشكال "التمييز العنصري" - ; أم\و في لجان حقوق الإنسان; أم\و في لجان حماية حقوق الأقليات القومية، أم\و الجماعات أو الشعوب الأصلاني; هل نحن، هذا الجزء، "أقلية وطن" ستظل تدور كحجر الرحى في قوقعة الخطاب القانوني ألمواطني الضيق أم\أو نطور خطاب "حقوقي" إنساني أممي; أم\أو أننا، على كافة أجزائنا، شعب عليه أن يتبنى خطاب جماعي تحرري مثابر يكثف سعيه لتضامن وحماية دولية فعلية تقوم بمسؤوليتها لوقف ما يجري بشأنه من جرائم وسياسات وتهجير ونفي وهدم وإقصاء وتفتيت وتجزئة وأبارتهايد وقتل وأباده مجتمعيهSOCIOCIDE فعلية مستمرة، وما العنصرية والتمييز "المواطني" والاحتلال إلا إحدى اقصر تعرجاتها.
 
من يذكر القرار الأممي 3379 الذي أقرته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في العاشر من تشرين الثاني عام 1975 والدي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، ومن نسي كيف تم إلغاؤه في السادس عشر من كانون الأول 1991 إبان (وثمن) مؤتمر مدريد ؟ فهل توجد حاجه للتذكير أن الصهيونية كمنظومة إيديولوجية وممارسات كولونيالية إحلالية اقتلاعية تتنافى وتتناقض مع مبادئ ما يسمى "الشرعة الدولية" وأهداف الأمم المتحدة والقانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لتحريم إبادة الجنس البشري، والعهد الدولي الخاص بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، ومع كافة الأعراف السابقة واللاحقة.
 
هي تساؤلات حول المغالاة في خصوصية المواطنة على حساب الهوية الأصلانية كأصحاب الوطن. هل نتصرف نحن فعلا ودائما كأصحاب البلاد الأصلانيين في وطنهم السليب ومعظم أهلنا مهجرون لاجئون أم كأقلية مهاجرة إلى دوله تميز ضدها. هل نتصرف كهنود حمر أمريكا المنكوبين والمقتلعين من أرضهم من نظام أساسه غير شرعي أم كرعاياها السود المميز ضدهم عنصريا من تشريعات أغلبية بيضاء و"شرعية".
 
 تساؤلات حول شرعية إمكانية تحويل واختزال تدريجي غير مقصود لمشروع وطني لمحو آثار النكبة والتطهير العرقي وتبعاته إلى قضية "تمييز" عنصري بين "مواطنين" "غير متساوين"، بأدوات تشريعية ما زالت تمنع اللاجئ من العوده وحتى "التمتع" بهذا التمييز القسري.. تساؤلات حول خطاب حقوقي وسجال اتهامي بين من قام بالتطهير العرقي وبين من نجا منه، في سياق مواطنة منقوصة على وطن منقوص لجزء منقوص من الشعب المنكوب والمهجر أغلبه، مواطنه تنشد المساواة مع القادمين الجدد، يعني الغزاة ومرتكبي التهجير العرقي، وتدعو غياب هذه المساواة في تقاسم خيرات الوطن "تمييزا عنصريا"، وحضورها إنجازا ضد العنصرية، ويتفاقم في الوعي أو اللاوعي تمييز طوعي أعمق بينها وبين باقي الشعب اللاجئين منهم ومن يقبعون تحت الاحتلال (العسكري المباشر).
 
 هل قانون منع المواطن الفلسطيني من السكن في بلدات معينة أقيمت على أراضي اللاجئين يوصف بالتمييزي وبالعنصرية فحسب، مثله مثل مواطن يهودي صهيوني شرقي لا تهضمه العنصرية الاشكنازية؟ وهل حين "يسمح" لنا القانون ومشرعوه، لصوص الوطن، السكن هناك، وتقاسم أرضنا وأراضي اللاجئين منا، سنتوقف عن وصمهم بالعنصرية، طالما هم أيضا قابعون هناك ويملكون مفاتيح الدخول والخروج، وطالما قانونا أساس "العودة و"المواطنة" قائمان ويحددان من يحق له منا أن ينعم ب"ألمواطنه" وبالتالي في احتمالات القبول لنادي المحظيين؟
 
هل تعديلات قانون المواطنة التي تمنع المواطن الفلسطيني من لمّ الشمل مع من اختار شريكا لحياته تنعت بـ"التمييز العنصري" فحسب (أي تمييز عنصري بين المواطنين الفلسطينيين وبين المواطنين اليهود) وكفى المؤمنين شر الحب والزواج، طالما أكثر من نصف الشعب لاجئ بعد التهجير والتطهير العرقي ومنع العودة حسب قانوني المواطنة والعودة وسائر قوانين المشرعين ذاتهم التي لم تغدق عليهم بنعمة "المواطنة"، وأكثرهم لم يحالفهم الحظ فيطلب شملهم "مواطن" من الداخل، رق له قلبه لحب أو قرابة.
 
هل ما زلنا نعتقد أن الصهيونية إيديولوجيا ومنظومة عنصرية أقامت وما زالت "ديمقراطية الأغلبية" بعد تطهير عرقي يفوق بعنصريته أبشع جرائم العصر الحديث، ولا شرعية لا لأغلبيتها ولا لمكانتها كمانحة لحق المواطنة والذكرى، أي ذكرى جريمتها، أم أنها "فقط" مؤهلة لإنتاج عنصرية في بعض تشريعاتها بين حين وآخر، وأنه علينا البقاء "يقظين" والالتفات إليها وفضح تشريعات "نشاز" هنا وهناك؟ أم ما زلنا نذكر القرار الأممي الذي ساوى بين الصهيونية وبين العنصرية وتم إلغاؤه بعد توافق المنهمكين على العملية السياسية في حينه وكثمن لقبول إسرائيل الدخول في المسار التفاوضي في مدريد بضغط أمريكي، وللأسف والحزن، بموافقة أو غض طرف فلسطيني، كما نشر وتبين في حينه.
 
للتذكير، وقد نفعت الذكرى، القرار الأممي 3379، هو أول وآخر قرار يتعامل بكامله مع الصهيونية كمنظومة إيديولوجية عنصرية. قبله كان ثمة ذكر للصهيونية في قرارات أخرى تتحدث عن الاستعمار (القديم والجديد) والعنصرية وعن التمييز والأبارتهايد إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تفرد قراراً يتعامل بكامله مع الصهيونية قبل هذا القرار (عن هذا الموضوع بتوسع راجع\ي أدبيات د. جورج جبور. و د. غازي حسين، أعضاء اللجنة العربية لدعم القرار 3379 وإحيائه)، وهذا نصه كاملا لأهميته خاصة هذه الأيام:
 
"إن الجمعية العامة، إذ تشير إلى قرارها 1904 (د – 18) المؤرخ في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، الذي أصدرت فيه إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وبوجه خاص إلى تأكيدها: "إن أي مذهب يقوم على التفرقة العنصرية أو التفوق العنصري مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً"، وإلى إعرابها عن "القلق الشديد إزاء مظاهر التمييز العنصري التي لا تزال ملحوظة في بعض مناطق العالم، وبعضها مفروض من بعض الحكومات بواسطة تدابير تشريعية أو إدارية أو غيرها".
وإذ تشير، أيضاً، إلى أن الجمعية العامة قد أدانت في قرارها 3151 زاي (د-28) المؤرخ في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1973م، في جملة أمور، التحالف الآثم بين العنصرية بأفريقيا الجنوبية والصهيونية.
وإذ تحيط علماً بإعلان المكسيك بشأن مساواة المرأة وإسهامها في الإنماء والسلم، 1975، المعلن من قبل المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة، الذي عقد في مكسيكو في الفترة من 19 حزيران (يونيو) إلى 2 تموز (يوليو) 1975، والذي أعلن المبدأ القائل بأن "التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين، وإزالة الاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي، والصهيونية، والفصل العنصري (أبارتايد)، والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير".
وإذ تحيط علماً، أيضاً، بالقرار 77 (د-12) الذي اتخذه مجلس رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في دورته العادية الثانية عشرة المعقودة في كمبالا في الفترة من 28 تموز (يوليو) إلى 2 آب (أغسطس) 1975، والذي رأى " أن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين الحاكمين في زمبابوي وأفريقيا الجنوبية ترجع إلى أصل استعماري مشترك، وتشكل كياناً كلياً، ولها هيكل عنصري واحد، وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته".
وإذ تحيط علماً أيضاً، بالإعلان السياسي وإستراتيجية تدعيم السلم والأمن الدوليين وتدعيم التضامن والمساعدة المتبادلة فيما بين دول عدم الانحياز، اللذين تم اعتمادهما في مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز المنعقد بليما، في الفترة من 25 إلى 30 آب (أغسطس) 1975م، واللذين أدانا الصهيونية بأقصى شدة بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميين وطلبا إلى جميع البلدان مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية الامبريالية.
تقرر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. (انتهى).
 
القرار واضح وعلينا العمل على إحيائه، وعدم الاكتفاء بالالتفات إلى تفرعات وتجليات "تمييزية" هنا وهناك. الصهيونية قائمة واللجوء حاضر والوطن مسلوب، وطالما كان تأسيس دولة اليهود وما زال جراء التطهير العرقي (انظر\ي إلى ما يحدث في القدس هذه الايام)، ومن ثم تثبيت وترجمة إيديولوجيتها العنصرية وفق تشريعات "الأغلبية" المفروضة المستجلبة وجراء التهجير المستمر للأصلانيين، هل يحق لنا اختزال سؤال الشرعية المفتوح بتجليات عنصرية "تكثيفية" اليوم في "بعض" القوانين والتشريعات تجاهنا كـ"مواطنين"... في ظل استمرار نكبة اللجوء ودوي حضورها واستمرار منع اللاجئين من العودة؟ هل نلتفت فقط ونشحذ الرماح الفكرية مركزين على وشوشات قبح الصهيونية تجاه من تبقى منا في الوطن، ونختزلها بـ"العنصرية"، أو للأصح، ضمنا وفعليا، نختزل العنصرية بها، لأنها "واضحة النص" وتمس المساحة الفضائحية عن تناقض الصهيونية مع المواطنة المتساوية؟ هل نريد من المؤسسة الصهيونية، على برلمانها وقضائها، المتوقعة موضوعيتهم طبعا، أن تلتزم "الحياد" بوصفها مؤسسة لجميع المواطنين عليها أن تتعامل بالتساوي بين من يحيون ذكرى الهولوكوست مثلا أو مع من يودون إحياء مجازر الأرمن وبين من يحيون ذكرى النكبة، أي جريمة الصهيونية المستمرة؟ وحين لا تفعل ذلك نسمها بالعنصرية و"عدم الحياد"، والتي هي، في سياقنا، بمثابة إطراء للمجرم، وإضفاء الشرعية على أهليته للتشريع في ما يخص جريمته ونكبتنا إيجابا أو سلبا، كأننا مهاجرون في دولة تضيق عنصريتها ذرعا بالمهاجرين.
 
هل يختزل عدم سماح المجرم لـضحيته بإحياء ذكرى ألمها بالعنصرية؟ أهو خوف المجرم من ذاكرة ضحيته وشعوره بالنقص أخلاقيا؟ هل من المنطقي التوجه للمجرم لطلب إلغاء قانون يمنع تمويل فعاليات إحياء ذكرى الألم من جريمته؟ والجريمة قائمة والسطو مستمر... وتمويل التهجير مستمر، وتسمية ذلك، اختزالا، عنصرية!
 
في سياق تأسيس واستمرار الدولة الصهيونية على تهجير الشعب الفلسطيني أي على نكبته المستمرة، وفي سياق قانون العودة وتحديد من "يعود" ومن يبقى لاجئا، وقانون المواطنة وتحديد من هو "جدير" بها وباستحقاقاتها، وفي سياق خوف الجلاد المزمن من الضحية وسيطرة المجرم العنيفة على مسرح الجريمة، لا يوجد أي معنى بنعت منع "المواطن" الفلسطيني من إحياء ذكرى نكبته بـ"العنصرية"، بل توجد بحار من العنصرية في "التكرم" عليه بالمواطنة و"السماح" له بإحياء ذكرى نكبته، أي ببلوغه سن الرشد ومراسيم الألم!
 
هل الساطي على بيت والسماح بمن تبقى من أهله بالشرب أقل عنصرية من ذلك الذي "لا يسمح" لهم بذلك، طالما كلاهما يحتلان بالعنف غرفه وكلاهما يمنعون من طردوه من دخوله؟ أم أن السؤال هو انعدام الشرعية التي تخول أيا منهما بالقرار في من يدخل ومن يشرب؟ إمساك الوافدين بمفتاح الشرعية ونفيها عن الأصلانيين، مواطنين أو لاجئين، هي هي الجريمة، وما العنصرية إلا إحدى توابعها الممكنة، وأن ليس بالضرورة. بمعنى، نحن لا نقبل مثلا أن "يتجمل" ابن الكيبوتس المعارض لعودة اللاجئين إلى الأرض التي سلبها وما زال قابعا على خيراتها ويتخلص من صورته العنصرية بـ"سماحه" لمن تكرم وسمح بالبقاء "مواطنين" بإحياء ذكرى نكبتهم في "دولة اليهود"... فالعنصرية لا تتجزأ!
 
مثلا، عدم اعتراف المؤسسة الصهيونية بكارثة الأرمن وما ذاقوه من مجازر من أجل الاستحواذ على دور الضحية هو عنصرية. مثلا، يمكن الاكتفاء بدعوة عدم السماح للفلسطيني في أوروبا أو أمريكا بإحياء ذكرى نكبته بالعنصرية. مثلا، السماح في السابق للفلسطيني بإحياء ذكرى نكبته في إسرائيل الحالية قد يكوننابعا في غالب الأحيان من عنصرية عميقة تتجلى في نفي وتهميش حتى إنسانية الفلسطيني وعدم الخوف من إمكانية إحساسه بنكبته ومن قدرته على تحويل هذا الإحساس لحراك تمردي على وضعه. منع للفلسطيني من إحياء ذكرى نكبته في إسرائيلالحالية قد يكون نابعا من خوف وهواجس الجلاد من الضحية وإحساسها، على اعتبار أن هذه الضحية كباقي البشر، تتألم وتغضب وتتذكر وتكشف الجرائم بحقها، وليس بالضرورة عنصريه تجاه "الغريب"، فالضحية ليست غريبة عن جلادها.
 
صحيح أن كل كولونيالية تحوي أسسا عنصرية وتؤججها، لكن اختزال الجريمة الصهيونية بتجلياتها العنصرية المقوننة، أو بكلمات أخرى، اختزال جريمة التطهير العرقي المستمر ومنع اللاجئين من العودة والإبقاء على إثنية الدولة ويهوديتها، والتركيز على عنصرية "الأغلبية" اليهودية المفروضة وغير الشرعية تجاه الأقلية الفلسطينية المواطنة، هو، في أحسن الأحوال، تخدير للذاكرة!
 
 المؤسسة الصهيونية تعلم أنها قامت على المدنية المتوثبة للمشروع الوطني الفلسطيني نحو الحداثة قبل النكبة، وهي، تعلم أنها هدمت مدنه التي كانت ترقى للانضمام لكبرى وأحدث المدن على المتوسط، بهمة مثقفيها وبرجوازيتها المتشكلة قبل كثير من المدن والحواضر التي نراها اليوم، وبالتأكيد قبل تل-أبيب وأبهى من "بريقها"، وهي تعلم أنها دأبت على هدم المراكز والمؤسسات المديونية الفلسطينية، ومراكز الدراسات، وسلبت، وما زالت، مكاتب فلسطينية زاخرة بالنادر من الكتب والمؤلفات في شتى اللغات، ورفوف المكتبة الوطنية في جامعة القدس شاهدة على ذلك.
إذن، نحن لسنا في سياق مؤسسة صهيونية تشعر بالفوقية تجاه الفلسطينيين وتنتج عنصرية تجاه "مواطنيها"، بل، في سياق مجرم يشعر بالنقص تجاه ضحية متفوقة أخلاقيا وتأبى أن تشعر بالنقص تجاه قامعها وقامع مشروعها الحداثي المبتور. أي أن الصهيونية ليست حاله كولونيالية "عادية" جاءت من أوروبا إلى إفريقيا لتدعي "استعمارها" و"ترشيد" سكانها، بل هي كولونيالية إحلالية اقتلاعية ولم تشعر ولم يكن لديها أي سبب لتشعر لا بالتفوق الأخلاقي ولا بالتفوق الحضاري. نحن لسنا بصدد عنصرية أمريكية تجاه سود مستجلبين، بل عداء بيض مستجلبين تجاه هنود حمر أصلانيين، والفرق كبير، والخوف أكبر.
 
لا ضير بالإسهاب في توصيف السائل المحتوى في الإناء بعنصرية "فاضحة" "تنضح" من الفخار هنا أو هناك، لكن بشرط أن لا ننسى أبدا فقدان الإناء ذاته للشرعية لأن فخاره صنع وجبل من جماجم الفلسطينيين المقتلعين من وطنهم.
 
يجب ألا ننسى أن العنصرية ليست طارئة أو موسمية في المشروع الصهيوني، حيث أن المركبات الحتمية للأيديولوجية الصهيونية من سياسات مخططه للتطهير العرقي والعنف والمجازر والترانسفير والأبارتهايد، والمتأصلة في حركه أرادت إقامة "دولة اليهود" في وطن الأغلبية الفلسطينية، وكل ذلك لا ينتقص ويجب ألا ننساه حين نلتفت، ونركز مرغمين أحيانا، على مدى التناقض البنيوي بين الصهيونية والديمقراطية والمواطنة وعن استحالة التوفيق بين فكرة الدولة اليهودية والمساواة، إن التفتنا مثلا لوضع فلسطينيي الداخل.
 
 وغني عن القول إن ذلك واضح من تفصيل التشريعات والقوانين والاقتراحات العنصرية التي سنها البرلمان الإسرائيلي منذ النكبة إلى اليوم مرورا بفترة الحكم العسكري، والتي سنت لقوننة و"دمقرطة" قمعهم ومصادرة أراضيهم وملاحقتهم ومحاولة السيطرة عليهم من خلال السعي المحموم لمحو ذاكرتهم الجمعية وهويتهم الوطنية والقومية من خلال قوانين وتشريعات عنصرية، ذلك إلى جانب السياسات العنصرية غير المقوننة، الممأسسة منها والمجتمعية. فالقوانين والنظم والسياسات تنضح بالعنصرية، المباشرة أو الضمنية، مرورا بقانون العودة، قانون الجنسية، قانون أملاك الغائبين، قانون سلطة التطوير والتعمير، قانون استصلاح الأراضي المهجورة، قانون استملاك الأراضي لأغراض استيطانية أو عسكرية، قوانين الطوارئ، قانون دائرة أراضي إسرائيل، القوانين الخاصة بالوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي والصهيونية العالمية، قانون التجنيد، قانون المواطنة والدخول، قانون الأحزاب، قانون التعليم، قانون التخطيط والبناء، قانون حماية الأماكن اليهودية المقدسة، قضية مهجري الداخل والقرى غير المعترف بها والهدم المنهجي للمنازل العربية، و"الارتقاء" إلى اقتراحات القوانين الفاشية المحمومة الأخيرة، والتي تسعى خائبة الى فرض الولاء ليهودية الدولة وصهيونيتها ورموزها، كشرط للمواطنة والإقامة والعضوية في البرلمان، وحظر أحياء ذكرى النكبة، وفرض الخدمة العسكرية أو المدنية، والتشديد على أسرلة التعليم لمحو الانتماء الوطني والقومي لدى الأجيال الجديدة، الأمر الذي يشير إلى مدى الفشل البنيوي في الفكرة الصهيونية وإمكانية فرضها فقط بالأساليب العنصرية والفاشية والعنف المقونن الذي انحدر إلى قتل المواطنين كلما ارتقى وانتظمت تظاهراتهم ونضالهم السياسي، في الوقت الذي لم تستطع هذه الايدولوجيا تضمين مفهوم المساواة بين المواطنين في أي قانون، ناهيك عن الامتناع عن تشكيل دستور لا يشمل المساواة ويسعى لتخليد الفوقية اليهودية على مواطنة أهل البلاد الأصليين، لما قد يسبب من فضح لزيف الادعاء والتشدق بأي أنواع الديمقراطية.
 
المشروع الصهيوني، بحكم تعريف منابته ومرجعياته وأهدافه، كحركة كولونيالية إحلالية اقتلاعية تهجيرية إجرامية، يظل ينتج حتما ويتفنن في تصميم وصياغة أشجاره التي لا تستمد "عدم شرعيتها" من خميرة العنصرية فحسب، والتي قد تتفاوت في وضوح حفيف (بل فحيح) بعض أوراق تشريعاتها "المواطنية" المستهجنة على أسماعنا وأبصارنا، لكن تلك الأشجار، على كثرتها وعلى وجوب فضحها والرد عليها، يجب ألا تحجب الغابة الهجينة نفسها عن بصائرنا، والتي تطالنا جرائمها، على أشكالها، مع كل شعبنا الفلسطيني، وما العنصرية عامة وما "التمييز العنصري" تجاهنا كمواطنين خاصة إلا إحدى تفرعاتها، وأحيانا تصبح مساحيق تمويهية إلهائية عن أساس الجريمة وحجمها.
 
غني عن القول إن واجبنا الأخلاقي والوطني ألا تبهرنا ظلمات الفروع، على سطحية فضائحيتها "الحقوقية"، وتنسينا الأصول، على عمق جذورها وشراسة المعركة بشأنها.

التعليقات