12/06/2011 - 14:20

بيئة إسرائيل الإستراتيجية بعد المتغيرات الإقليمية../ سامي الأسطل

ووفق المتغيرات الجديدة في المنطقة إيران، تركيا، مصر، المقاومة الفلسطينية، اللبنانية، الحراك الأردني، السوري، العامل الديموغرافي والأمني هل بقي لإسرائيل نفس فرص القوة والبيئة الإستراتيجية التي قرأها شارون بالأمس؟ وهل فهم تسيبي ليفني يتقلص مثلما تقلصت فرص دعامات الحياة الإسرائيلية؟ وهل يكفي تصفيق الكونجرس الأمريكي لليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو؟ إنه انحسار البدائل الإستراتيجية واقتصارها على الغرب صانعي المشروع، ولقراءة المستقبل تجيب كلمات تسيبي ليفني: "إن الوضع السياسي الذي تمر فيه إسرائيل هو الأسوأ منذ قيامها"

بيئة إسرائيل الإستراتيجية بعد المتغيرات الإقليمية../ سامي الأسطل
صرحت زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني، في لقاء لها مع صحيفة "يديعوت أحرنوت"، يوم الجمعة الماضي 10/6/2011م بالقول: إن الوضع السياسي الذي تمر فيه إسرائيل هو الأسوأ منذ قيام إسرائيل، وذلك بسبب السياسة التي يتبعها نتنياهو وإيهود باراك، كونهما يقودان إسرائيل عبر هذه السياسة إلى أخطار أمنية حقيقية تهدد أمن إسرائيل ووجودها".
 
تدرك جيدا ليفني خطورة المنعطفات والتحولات التي تمر بها المنطقة والتي عبر عنا إيهود باراك بالقول: إننا قد نتعرض إلى "تسونامي" في ظل المتغيرات التي تجري من حولنا، فبالرغم من إدراكه لهذه المعطيات؛ إلا أنه اختار البقاء في الحكومة اليمينية؛ لمصالح سياسية وحزبية ضيقة، يمارس مع نتنياهو نفس السياسة التي تقود إلى مزيد من العزلة الدولية والانسداد السياسي.
 
بات باراك منسجما مع اليمين الإسرائيلي في سياساته، فقد تخلص من الخطط الإستراتيجية لمؤسسي إسرائيل، التي تعتمد على الدولة الديمقراطية، التعدد العرقي، العلمانية، وفي الجانب السياسي: السلام مع المحيط، حل للقضية الفلسطينية على أساس قراري 242، 338، ودخلت تحولات إستراتيجية أخرى كأولويات صارخة، تمثلت في عاملين كبيرين ساهمت مكونات المجتمع الإسرائيلي في استحضارهما وهما: المشكلة الديموغرافية والأمنية، التي تطلبت إعلان الدولة اليهودية والتحول إلى الدولة الأمنية المحضة، وهنا توجس الضعف والانهيار مثل مآل وحصاد التجارب المماثلة.
 
سيطر اليمين الإسرائيلي لأول مرة على الحكومة الإسرائيلية أواخر السبعينيات وقد رافقه تحول كبير على الجهة الشرقية ممثلا بالثورة الإيرانية وسقوط الشاة حليف إسرائيل القوي الذي يمثل ضلع المثلث الاستراتيجي وشبكة الأمان على المستوى البعيد الضامن.
 
تكرر اعتلاء اليمين الإسرائيلي قيادة إسرائيل حتى وصل بنيامين نتنياهو لأول مرة عام 1996م الذي مارس الغلق والانسداد السياسي فقد التزم الفلسطينيون له بكل شيء أمام شحة وصلادته؛ فخسرت إسرائيل السلطة الفلسطينية من خلال إضعافها إلى أبعد حد، وأصبحت خاوية الوفاض، كقابض الريح؛ مما أدى إلى الانتفاضة الثانية والتي كانت شرارتها زيارة ارئيل شارون للقدس قبلة المسلمين الأولى.
 
قرأ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق المخضرم ارئيل شارون قبل ثمان سنوات عام 2003م بيئة إسرائيل الإستراتيجية، وعلق بالقول: " إن دولة إسرائيل تعيش الآن بيئة إستراتيجية آمنة، خالية من التهديدات الحقيقية" ربما استند في قراءته هذه إلى التطورات الإستراتيجية التي أحدثتها الحروب على ما يسمى بـ"الإرهاب"؛ المفتوحة جغرافيا، كونيا وتحددت بؤر سعيرها الإرتكازية من العراق وأفغانستان، إضافة إلى مراكز أخرى متعددة من العالم، لكن صورة الاحتدام الحربي كانت في العراق وأفغانستان اللتين تحولتا إلى قواعد عسكرية ثابتة؛ لتمثل فكي كماشة على إيران من الجهة الشرقية والغربية باعتبارها الخطر الاستراتيجي الحقيقي الذي يتهدد أمن إسرائيل، إضافة إلى زوال نظام صدام حسين ومكونات دولته العسكرية وحتى المدنية، ليبدأ العراق الجديد من جديد، إضافة إلى الحدود الإسرائيلية الآمنة بالرغم من طولها النسبي الذي يقارب 800 كم، وفي ذات الوقت تعتبر هذه الحدود مميتة لكل من تحركت بداخله الوطنية وسولت له نفسه الاقتراب منها بقصد التحرير.
 
غاب عن شارون إرهاصات التحولات الجذرية في المنطقة و نبض الحياة الذي دب في شعوبها، وركل أنظمتهم خارج الحلبة، مثلما لم يخطر بباله أن يبقى بين الأحياء والأموات على سريره سنوات مديدة، ولم يجل بخاطرة أن تتحول دولته إلى جزيرة دون مستوى المحيط بأميال متكئة على جدره، حيطانه، خطط الانطواء، قبابه الحديدية، حبال سرية بعيدة من وراء المحيطات أمام مد تابر آت لا محالة.
 
وفي فترة نتنياهو الثانية شهد التحولات العربية الكبرى، التي أفقدته أكبر الكنوز الإستراتيجية محمد حسني مبارك الرئيس المصري السابق، ثم المنظومة العربية التي تتداعى بشكل متسارع إضافة إلى اهتزاز الحدود التي ظلت آمنة فترة طويلة منذ الحروب الإسرائيلية الكبرى الرادعة، وبدأت الشعوب العربية العمل على التعبئة الجماهيرية والثقافية لاستعادة فلسطين، إضافة إلى استحضار مخزون ذاكرة المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين وانطلاق الرغبة العربية للتضامن الشعبي والعسكري مع الشعب الفلسطيني.
 
يدرك كثير من الساسة الإسرائيليين: أن دولتهم ما هي إلا جزء من المنظومة في المنطقة ضمن الصياغة الأمريكية والغربية، لكنهم لا يحبون الخوض في التفكير بالاتجاه القائل إن دولتهم قد تتهاوى مثل أي نظام ظالم في المنطقة؛ ولم لا؟ فقد كانوا شركاء في الحرب، السلام، النظام العالمي واستحقاقاته.
 
ووفق المتغيرات الجديدة في المنطقة إيران، تركيا، مصر، المقاومة الفلسطينية، اللبنانية، الحراك الأردني، السوري، العامل الديموغرافي والأمني هل بقي لإسرائيل نفس فرص القوة والبيئة الإستراتيجية التي قرأها شارون بالأمس؟ وهل فهم تسيبي ليفني يتقلص مثلما تقلصت فرص دعامات الحياة الإسرائيلية؟ وهل يكفي تصفيق الكونجرس الأمريكي لليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو؟ إنه انحسار البدائل الإستراتيجية واقتصارها على الغرب صانعي المشروع، ولقراءة المستقبل تجيب كلمات تسيبي ليفني: "إن الوضع السياسي الذي تمر فيه إسرائيل هو الأسوأ منذ قيامها".

التعليقات