13/06/2011 - 11:16

تلك المجازر التي بلا طائل مقنع../ ماجد كيالي

يجب وضع حد لكل هذه الظواهر المرضية، يجب وضع حد لهذه السلوكيات والثقافات التي تودي بالفلسطينيين إلى الكوارث والتي تهدر تضحياتهم، وتضرّ بصدقية نضالهم وعدالته

تلك المجازر التي بلا طائل مقنع../ ماجد كيالي
لم تكن المجزرة البشعة التي ارتكبتها إسرائيل، يوم الخامس من حزيران (يونيو)، والتي أودت بحياة 23 شاباً وشابة، وأصيب فيها حوالي 275 من الفلسطينيين بإصابات خطيرة، لمجرد محاولتهم السلمية والرمزية عبور الحدود على خط الجبهة السورية ـ الإسرائيلية، لم تكن مفاجئة، بل كانت متوقعة. فلماذا حدث ما حدث؟ وكيف قضى هؤلاء، وهم في ريعان شبابهم، ضحية رصاص القنص السريع، والقتل بدم بارد؟ هل كان أحد ما يراهن على "أخلاقية" إسرائيل، أو تفهمّها؟ هل كان ثمة جدوى من هذه المحاولة الرمزية (واليتيمة) لإثبات حقوق الفلسطينيين؟
 
يمكن فهم ما حصل من عدة زوايا. مثلا، ثمة قطاعات واسعة من الشباب تحاول التماهي مع الثورات الشعبية العربية، لجهة الثورة على واقع الذل والحرمان من الحقوق، ومن أجل نيل حقها في العيش بحرية وكرامة، ولجهة التمرد على الآباء، أي على القيادات والإطارات، التي دبّت فيها الشيخوخة في العمر والروح والأفكار، كما لجهة استلهام الحراكات الشعبية والسلمية العربية.
 
هؤلاء الشباب فعلوها في المرة الأولى (في 15 آذار/مارس) في الانتفاض على واقع الانقسام (داخل الأرض المحتلة) واستعادة الوحدة الوطنية، وفعلوها في المرة الثانية في الحراك من أجل الانتفاضة الثالثة، ومن أجل انتفاضة العودة، وهو ما جرى على الحدود اللبنانية والسورية مع إسرائيل في ذكرى النكبة (15 أيار/مايو الماضي).
 
حقا لقد أثبت هؤلاء الشباب أنفسهم في المرتين، في دفع النظام الفلسطيني (لاسيما حركتي فتح وحماس) نحو إنجاز اتفاق الوحدة، وأيضا في نجاحهم (على الحدود السورية) في اجتياز الحقل الأمني الإسرائيلي، والعبور إلى بلدة مجدل شمس (في الجولان السورية المحتلة)، وحتى أن بعض الفلسطينيين وصل إلى القدس ويافا.
 
هذان الإنجازان (لاسيما الثاني المتمثل بالعبور إلى بلدة مجدل شمس رغم انف الاحتلال)، زادا من ثقة الشباب بأنفسهم، وأشعلا الحماسة عندهم، وأوقدا الأمل بإمكانية تحقيق ما عجزت عنه الجيوش العربية، وفصائلهم الفلسطينية المسلحة، فضلا عن آبائهم.
 
هذا جانب من القصة، لكن ثمة جوانب أخرى. فالفصائل الفلسطينية، في واقعها الحالي، لم تعد بمثابة مرجعية سياسية أو قيادية لهؤلاء الشباب (كما قدمنا). فهي عاجزة عن استيعابهم، وهي أقل قدرة على مواكبة التطورات عندهم، كما إنها بالنسبة لهم مجرد هياكل شائخة ومتكلسة لا تلبي طموحاتهم، إن بسبب بناها المترهلة، أو بسبب أفول دورها، أو بسبب غياب الحراكات الداخلية الديمقراطية فيها.
 
هذه هي المناخات التي سهلت على البعض الدخول على الخط، وتوظيف غضب الشباب، وقلة خبرتهم السياسية، وحماستهم الوطنية، وغياب المرجعيات الوطنية عندهم.
 
وإذا أردنا أن نتحدث بمسؤولية وطنية وأخلاقية، فإن ما جرى في هذا اليوم كان يمكن تلافيه حقا. كان ينبغي تهدئة حماس الشباب، وتبريد عنفوانهم، وإفهامهم أهمية التمييز بين الشجاعة والتهور، وأن التفكير ينبع من الرأس لا من القلب، من العقل لا من العواطف.
 
ثمة من يقول إنه ما كان بالإمكان منع الشباب، في هذه المناخات، من الذهاب نحو الحدود، ربما هذا صحيح، لكن كان بالإمكان، أيضا، توجيههم بعدم الذهاب لمواجهة الرصاص بالصدور العارية، هذه تضحيات مجانية، لاتثبت شيئا.
 
ما الذي كان يبتغيه هؤلاء الشباب؟ هؤلاء كانوا يريدون إخراج قضيتهم من حال التكلس. كانوا يريدون بعث رسالة للعالم بشأن احترام حقهم في العودة إلى أرض الآباء والأجداد. هؤلاء كانوا يريدون التأكيد للإسرائيليين بأنهم لن ينعموا بالاستقرار بأرضهم. وفي الحقيقة فقد كان بالإمكان توجيه هذه الرسائل، إلى كل المعنيين، مثلا، عبر تنظيم اعتصامات وتظاهرات أسبوعية على الحدود، تشمل رفع الأعلام وإطلاق الهتافات، وإقامة ورش عمل سياسية، بدون التعرض للرصاص، بدون الذهاب للمجزرة، بدون طلب الموت؛ لاسيما أمام عدو لا يبالي بحياة الآخرين.
 
بالمحصلة لقد قضى هؤلاء الشباب البواسل ليس من أجل الأرض، فهم يعرفون أن تحريرها يحتاج لموازين قوى، ولظروف عربية ودولية، هي غير متوفرة الآن، لكنهم قضوا من أجل الحرية والكرامة والعدالة، من أجل حقهم في العيش كآدميين، قضوا وهم يحاولون التماهي مع الثورات الشبابية العربية، من المغرب إلى اليمن. مع كل ذلك فإن هؤلاء الشباب الشجعان ما كانوا بحاجة لإثبات روح التضحية والبطولة عندهم فقد أثبتوها دائما، بصمودهم ومقاومتهم وانتفاضاتهم وبرفضهم للظلم، مهما كان نوعه. شباب فلسطين هؤلاء الذين كانوا يحاولون استلهام الثورات الشعبية العربية، كانوا بأمسّ الحاجة لإطارات وطنية مسؤولة، تؤطر قواهم وتنظم طاقاتهم وترشد حماسهم وتعقلن عواطفهم. هؤلاء الشباب كانوا بحاجة لقيادات مسؤولة وأمينة، سياسيا وأخلاقيا، عن أرواحهم وعن حياتهم، وهي حقا لم تكن موجودة، أو كانت غير مبالية، أو مش على قد الحمل ، فحصل ما حصل.. لذا يجب مراجعة ما جرى.. بصورة نقدية، فلا احد يذهب إلى المجزرة.
 
***
 
وكأن الفلسطينيين تنقصهم مآس أو مجازر، فمن مجزرة مروعة على الحدود، إلى أخرى أكثر ترويعا في مخيم اليرموك (بعد تشييع شهداء المجزرة الأولى)، حيث جرى الاستخفاف بالدم وبحياة الناس وجرى فيها استخدام السلاح المقاوم في غير مكانه، والاستعلاء على الشعب، بدل تحمل مشاعر الغضب التي انتابته إزاء بعض قياديي الفصائل. لا احد يستطيع الوقوف أمام غضب الشعب، ولا أحد يستطيع تهذيب ثورانه، ولكن كان بالمستطاع استيعاب، أو امتصاص هذا الغضب والثوران المنفلت، بكل شيء لكن ليس بالرصاص، والدم.
 
هذه المجزرة حصلت بسبب ضعف المسؤولية الأخلاقية والوطنية، وغياب الديمقراطية في العلاقات الداخلية، وبسبب تفشي النزعة العنفية في الثقافة الفصائلية، وغلبة الأجهزة الميلشياوية والأمنية على البني السياسية والشعبية، والاستعلاء على الشعب ومصادرة حقه في المشاركة السياسية، وأيضا بسبب غياب المراجعة والمحاسبة عن كل التجربة الفلسطينية المعاصرة.
 
يجب وضع حد لكل هذه الظواهر المرضية، يجب وضع حد لهذه السلوكيات والثقافات التي تودي بالفلسطينيين إلى الكوارث والتي تهدر تضحياتهم، وتضرّ بصدقية نضالهم وعدالته.

التعليقات