15/06/2011 - 08:25

أردوغان يُغنّي!../ رشاد أبوشاور

كان رجب طيب أردوغان في مطلع شبابه لاعب كرة قدم، وهو عندما يذكّر بماضيه الرياضي فإنه يؤكد على روح الفريق واللعب الجماعي الذي اكتسبه من كرة القدم التي للفرد فيها دور ولكنه لا يمكن أن ينوب عن ( الفريق) حتى لو كان مرادونا في زمانه، أو مسّي في هذه الأيّام!

أردوغان يُغنّي!../ رشاد أبوشاور
كان رجب طيب أردوغان في مطلع شبابه لاعب كرة قدم، وهو عندما يذكّر  بماضيه الرياضي فإنه يؤكد على روح الفريق واللعب الجماعي الذي اكتسبه من كرة القدم التي للفرد فيها دور ولكنه لا يمكن أن ينوب عن ( الفريق) حتى لو كان مرادونا في زمانه، أو مسّي في هذه الأيّام!
 
على شرفة الاحتفال مساء الأحد، وقف أردوغان في منتصف منتخب قادة حزب العدالة والتنمية، وهم قادة وليسوا أتباعا، وخاطب الجموع المحتشدة في الميدان، مهنئا بانتصار تركيا وشعبها، وموصيا أفراد الحزب الذي يرأسه بالتواضع لأنهم خدم للشعب وليسوا سادة عليه، فهو من أعطاهم الانتصار بأصواته.
 
على الشرفة اصطف قادة الحزب، فعرفنا منهم عبد الله غول رئيس الجمهورية، وأحمد داوود أوغلو فيلسوف الحزب ومهندس سياسة تركيا الخارجية في ظل قيادة الحزب للدولة.
 
تركيا منحت حزب العدالة والتنمية انتصارات في ثلاث دورات انتخابية متتالية، وفي كل مرّة حصد الحزب مقاعد أكثر من سابقتها، رغم حداثة عمر الحزب الذي ولد في كنف حزب الراحل أربكان المؤسس والمعلّم.
 
حزب العدالة لم يستول على الحكم في تركيا بانقلاب، ولا بمادة مفروضة في( الدستور) ينتحل بموجبها دور القائد للدولة والمجتمع، ويكرّس نفسه (حاكما) بقوّة السلاح والأجهزة الأمنية، لا بصناديق الاقتراع!
 
في بلاد العرب أحزاب اخترعها الحُكّام وعصاباتهم، احتكرت الحكم بانتخابات مزورة، ومارست كل أنواع الفساد، وروّجت لعبادة الفرد الطاغية.
 
 في العراق وسورية وصل حزب البعث إلى الحكم بانقلابين عسكريين، وهكذا تغيّر مسار حزب كان له دور مؤثّر، فما عاد معنيا بتحقيق جماهيريته بالعمل بين الجماهير، وفي خدمة أهدافها، ونصّب نفسه قائدا للدولة والمجتمع، في العراق بدون نّص دستوري، وفي سورية بنص المادة الثامنة في الدستور. 
 
حزب العدالة فاز بنسبة 51% من أصوات الأمة التركية، وهذه نتيجة غير مسبوقة، في انتخابات كانت صناديقها شفّافة بالمعنى الواقعي والمجازي، ولذا احتفل الحزب بانتصاره المؤزّر، مع التشديد على احترام كل القوى السياسية المنافسة، فتركيا هي الفائز في الانتخابات.. كما خاطب أردوغان المحتفلين، والأمة، والعالم.
 
تركيا عبرت الأزمة الاقتصادية العالمية، وبقي اقتصادها متماسكا، وشعبها يجد ما يأكله، ولديه ما يصدره بالمليارات رغم أن البلد ليس نفطيا، والبطالة تتناقص، ولذا انتخبت تركيا حزب العدالة والتنمية الذي يعدل وينمّي اقتصاد وصناعة وتجارة البلاد، فيربح المواطن العادي، والتاجر، والصناعي.
 
حزب العدالة قاد تركيا اقتصاديا إلى المرتبة 17 عالميا، بعد أن كانت في مرتبة غير متميزة كثيرا عن البلدان المتخلفة، وهو بحكمة ومصداقية قياداته يمضي بها إلى الأمام واعدا بأن العام 2023 سيكون نقطة تحوّل لتركيا وشعبها، تضعها في مركز متقدّم، وتنتقل بها من دولة نامية إلى دولة صناعية.
 
لا يتوقف طموح حزب العدالة والتنمية عند تطوير الاقتصاد، والعدالة التي يريدها أن تشمل كل قطاعات الشعب، ولكنه يتطلّع إلى دور بارز في قيادة شرق أوسط ( جديد)، مغاير تماما للشرق الأوسط الذي خطط وروّج له بيرس، فلا هيمنة على هذا الشر الأوسط من غرباء عنه، ولا ديمقراطية مدعاة لهذا الكيان الغريب، بدليل هذه الشفافية التي باتت عنوانا لتركيا العدالة والتنمية.
 
خاطب أردوغان تركيا كلها، موقظا فيها كبرياء أمة تسعى لدور يليق بها في الشرق، ويمنحها دورا في العالم، ولأن السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد، فحزب العدالة يريد لتركيا دورا اقتصاديا وسياسيا متضافرا متكاملاً، يحقق فيه الخبز والكرامة للأتراك، والكبرياء للفرد والأمة جمعاء.
 
بلطف وبراعة وجه أردوغان خطابه ( للشعوب) العربيّة: هذا الانتصار للقدس، ورام الله ونابلس وغزّة و.. الشام، والشرق الأوسط.. (لم يذكر الكيان الصهيوني)، لأن الشرق له أهله، وفيه شعب هدرت حقوقه!
 
من على شرفة الاحتفال عشيّة الانتصار في الانتخابات الجديدة التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بـ326 مقعدا من 550، وبعد أن وجه قائد الحزب رسائله محليا وعالميا، قدمت وصلة احتفالية بسيطة امتزج فيها الضوء مع الألعاب النارية، ثمّ لينطلق غناء -لم يتم ترجمته، لكنني شعرت وكأنني أفهم معنى الكلمات- بمرافقة موسيقى جميلة مبهجة، وبصوت جماعي يرافق مغنية باهرة الأداء، ثمّ نفاجأ بأردوغان ينحني على الميكروفون، ويندمج في الغناء بصوت جميل فعلاً، فيتداخل صوته مع كورال جماهيري منتش بانتصاره، بتركياه الجديدة التي تنطلق من (الشرق) العتيق إلى فضاء يتسع فقط لأصحاب الأجنحة المحلقة القوية والعارفة إلى أين تمضي وماذا تريد.
 
المتحكمون العرب لا يجيدون الغناء، لا جماعيا ولا فرديا، فهم فقط يأخذون الشعوب العربية إلى الهاوية عندما تتمرد عليهم وتطالبهم بحقوقها، فهذه الشعوب وأوطانها هي (تركات) ورثوها، وهم يستثمرونها كما يشاؤون، ويمضون بها حيثما يريدون، وكيفما اقتضت مصالحهم ونزواتهم، فدوام حكمهم هو أقصى طموحهم.
 
أردوغان وحزبه كانوا نكرات قبل عشرة أعوام، وهاهم اليوم الخبر الأول في فضائيات وصحافة العالم، والفرق بينهم وبين المتحكمين العرب أنهم ينتقلون بوطنهم من حال إلى حال أفضل فيكافئهم الشعب، والمتحكمون العرب يهوون بشعوبهم المختطفة من حال سيء إلى حال أسوأ.
 
هذا هو الفرق بين من يخدمون أمتهم فيدخلون التاريخ محمولين على أجنحة الحب والاحترام، كما أردوغان وإخوانه، وبين من ينحطون بالبلاد فيدمرون التاريخ والجغرافيا، ويتيحون للعدو والصديق أن يتدخل في شؤوننا، ويتأستذ علينا، بحق، وبغير وجه حق.
 
في الثورات العربية رأينا ولمسنا دور القوى الإسلامية التي ركبت الموجة، وحاولت أن تسرق كل ما تحقق، وتلتف على الجماهير التي دفعت الثمن من دمها..وسؤالنا: هل ستتعلم هذه القوى من درس حزب العدالة والتنمية الذي لا يقصي أحدا، ولا يدعي أن مفاتيح الجنة في يده، وأن الدولة الدينيّة المغلقة هي الخلاص لتركيا؟!
 
بالمناسبة: هل في حالة فاز أي حزب إسلامي، ولا سيما الأخوان، سنرى قادتهم يغنّون مع الجماهير، بمرافقة موسيقى مُطربة منعشة مبهجة.. أم أن الغناء في (دولتهم) سيكون من المحرمات؟!
 
أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية غنّوا بعد أن منحتهم صناديق الاقتراع هذا الانتصار، وللمرة الثالثة، فهم يؤمنون بالديمقراطية وصناديق الاقتراع، والتناوب على السلطة، فهل سيحذو الأخوان حذو حزب العدالة في حال فازوا في الانتخابات ديمقراطيا في بلد عربي ما!
 
لاحظت وأنا أتأمل وجوه قادة حزب العدالة والتنمية أنهم معنيون بنظافة وجوههم ووسامتهم، فالشوارب خفيفة إن وجدت، واللحية بدون شعر يغطي تقاطيع الوجه، وينسدل على الصدر، وكأن غزارة الشعر برهان على التبحر في علوم الدين، والمعرفة، والهيبة!
 
أنا شخصيا أدعو لفحص فنّي لقادة الأحزاب في بلاد العرب، قومية، ليبرالية، يسارية، إسلامية.. فإن نجحوا في الغناء غناء، أو تذوقا، يسمح لهم بالترشح لمجالس النوّاب، وإلاّ على الحزب أن يختار غيرهم، على أن تكون اللجنة مستقلة، من موسيقيين مشهود لهم، وليس ناقري دفوف ومنشدي موالد، فبهذا نضمن جمال الصوت الذي سينعكس على الذوق الذي يجب أن يتوفر في القادة، فالقيادة فن وذوق وأخلاق!
 
إذا لم تظهر في صفوف الثوّار العرب قيادات كفؤة متميزة، ذات آذان موسيقية مرهفة، ونفوس شفافة، وثقافة رفيعة، وأخلاق عالية، فلن نلحق بتركيا التي تسير بخطوات واسعة إلى المستقبل، وسنبقى في زمن المتحكمين العرب وأقاربهم الذين ينهبون الاقتصاد، ويديرون الأجهزة القمعية، ويتعاملون مع أوطاننا كملكية خاصة يتوارثها الأبناء عن الآباء!

التعليقات