17/06/2011 - 11:18

المشهد الجولاني إزاء الثورة السورية/ د.مجيد القضماني

<b>رأي|</b> أهالي الجولان السوري المحتل مقسمون في مواقفهم تجاه الانتفاضة - الثورة السورية بين تيار "موالاة" وتيار وسطي - انعزالي وتيار معارض للنظام...

المشهد الجولاني إزاء الثورة السورية/ د.مجيد القضماني

 

بالنظر إلى الحراك السياسي الذي يشهده الجولان المحتل منذ بداية الانتفاضة السورية، وبالنظر إلى ما تم نشره خلال هذه الفترة على مواقع الانترنت الجولانية من تعليقات القراء التي تعبر عن آراء متباينة ومتنوعة على اخبار ومقالات ومساهمات تناولت الثورة الشعبية التي ما زالت مضطرمة في أرجاء وطننا السوري منذ قرابة الثلاثة شهور. ونظرا إلى أن ذلك الحراك السياسي وتلك التعليقات يختزلان ألوان الطيف السياسي في الجولان المحتل من أقصاه إلى أقصاه، ويرسمان الملامح الرئيسية لاتجاهات الرأي العام الجولاني، فلو أجرينا مسحا ضوئيا لتسلسل الأمور وألقينا نظرة كاشفة على المشهد المحلي لتبيّن لنا ما يلي:

1- اتجاه الموالاة: يؤمن هذا الاتجاه بأن بشار الأسد هو رئيس شرعي وقائد عظيم، على الرغم من معرفته بأنه كان قد جاء إلى سدة الحكم عن طريق التوريث في دولة جمهورية، وأنه قد استمر في شغل المنصب الذي هو فيه بموجب انتخابات صورية لا تعكس إرادة الشعب بل إرادة الحاكم الفرد. ويرى أتباع هذا الاتجاه بأن نظام بشار الأسد هو نظام ممانعة وتصد للمخططات الامبريالية يستحق الدعم المطلق وكامل التأييد. وذلك بغض النظر عن البطش الإجرامي وأعمال القمع المتوحش التي ما انفك النظام يقترفها يوميًا بحق المتظاهرين السلميين بغية خنق الثورة الشعبية العارمة في المهد، والتي ما لبثت - رغم ذلك – تشتد أوارا  من يوم لآخر شاملة معظم أرجاء سورية. وهذا الاتجاه يعتقد بأن الذين يتظاهرون في الميادين والساحات من أبناء الشعب السوري ما هم إلا بضعة مجموعات من البشر السذج المغرر بهم من قبل مندسين تقودهم عصابات إجرامية مسلحة. وقد يذهب بعض المتشددين إلى دمغهم بالخيانة واتهامهم بضبط تحركاتهم  بإيعاز من أمريكا وإسرائيل، وبتسيير المظاهرات على إيقاع إشارات وتعليمات تأتيهم من الخارج وتخدم أجندات أجنبية مشبوهة. 

ومن الملفت أن "هؤلاء الموالين" يغمضون أعينهم تماما عن التناقض الصارخ المتمثل في تأييدهم المطلق لبقاء نظام آل الأسد، وتأييدهم بحماس منقطع النظير من جهة ثانية للثورات والتحركات العربية الأخرى في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين.

ميدانيا، كانت "الموالاة " قد بادرت إلى التحرك السياسي في الجولان المحتل، حيث قام عدد من الشبان الناشطين بتاريخ 26-3-2011 بالتجمهر في منطقة عين التينة الحدودية المحاذية لقرية مجدل شمس في تظاهرة ليلية دعما لما أسموه " مسيرة التحديث والتطوير التي يقودها الرئيس بشار الأسد واحتضانه للمقاومة".  

وبتاريخ 28-3-2011 نظمت "الموالاة" مسيرة ليلية انطلقت من قرية عين قنيه بالسيارات تحت شعار "تأييد الرئيس بشار الأسد قائد مسيرة التحديث والتطوير في سوريا وحامي المقاومة"، واتجهت إلى خط وقف إطلاق النار في مجدل شمس، بعد أن جابت قريتي مسعدة وبقعاثا. وتلاها بتاريخ  16-4-2011  "مسيرة خيالة" انطلقت من مقام "ابي ذر الغفاري" إلى منطقة "تل الصيحات" بجوار بلدة مجدل شمس. ومما جاء في نص الدعوة التي وزعت بهذه المناسبة: ".. نقدم أرواحنا فدا الوطن ووحدته ونؤكد ولاءنا وانتماءنا للوطن الأم سوريا بقيادة الدكتور بشار الأسد ونتقدم بأحر التعازي لعائلات الشهداء الأبرار. نعلن يوم السبت الموافق 16 نيسان مسيرة ولاء ووفاء للوطن وشهدائه ولرمز عزته وكرامته الرئيس بشار الأسد.ان وحدة وطننا واستقراره تدوم بحكمة قيادته وبتماسك شعبه ووعيه وتصديه يدا واحدة لكل محاولات الغدر." 

وفي 24-3-2011 عُمم بيان صحافي على وسائل الإعلام المحلية تحت عنوان: "نداء من الجولان المحتل الى شعبنا العربي السوري"  موقعا باسم "جماهير الجولان العربي السوري المحتل"، ومما جاء فيه: " ندين بشدة جميع المحاولات والمؤامرات التي تستهدف بلدنا الغالي بلد المحبة والتآخي والتي تحطمت على أسواره العالية المنيعة والصامدة جميع المؤامرات للنيل من الوطن والأمة، ندين تلك المؤامرات التي تهدف للانتقام من وطننا الغالي ضنا منهم لزعزعة الاستقرار فيه والنيل من منعته وصمود قيادته وأهله، ندين المؤامرات التي تسدد سهام حقدها لروح المحبة والتلاحم الضاربة جذورها في أعماق التاريخ لشعبنا السوري البطل والتفافه حول قيادته الصامدة الشريفة". كما جاء فيه: "السيد الرئيس بشار الأسد: حفظك الله أيها القائد العربي الكبير، يا صاحب النصر في تموز المبارك، يا قائد الصمود والممانعة العربية من أجل شرق عربي أصيل، يا صاحب إجهاض مشروع الشرق الأوسط الأمريكي الإسرائيلي، يا داعم المقاومة على امتداد الوطن الكبير والذي احتضنت الأشقاء من لبنان وفلسطين والعراق، يا حافظاً للكرامة العربية سر إلى الأمام بسيفك المشرع بعد أن صدأت سيوف الكثير من القادة وتلوثت عقول البعض من أبناء الوطن، سر بثقة وثبات ونحن مع جماهير شعبنا من خلفكم في مسيرة التحديث والتطوير والإصلاحات، وفقك الله وحماك وحمى سوريا الحبيبة وسدد خطاك لما فيه خير الوطن والأمة"."

وبتاريخ 2-4-2011 جرى تنظيم "مظاهرة حاشدة" في قرية بقعاثا تحت شعار "دعما لمسيرة الاصلاح الشامل الذي يقوده الرئيس بشار الاسد" وشعار "الله، سوريا، بشار وبس". كما شهدت ساحة مجدل شمس وقفتين متقابلتين بمشاركة محدودة، فرُفعت في جهة أعلام سورية وشعارات تطالب بالتوقف عن "قتل الاطفال في سوريا"، ورُفعت في الجهة المقابلة أعلام سورية وصور بشار الاسد.

ولعل التحرك الميداني الأخير من قبل المولاة، جاء عبر إجراء تم إلباسه "غطاء دينيا" بغير وجه حق، وذلك عندما تم فرض الحرم الديني والاجتماعي على شخصين من الجولان المحتل شاركا في مؤتمر المعارضة السورية في انطاليا. 

وهنا يبرز سؤال جوهري موجه إلى أنصار اتجاه الموالاة هو: هل تريدون لوطنكم سورية أن يشكل استثناء من القاعدة مقارنة ببقية الشعوب العربية، لاسيما وأن موجة الثورات العربية التي نشهدها حاليا قد ألغت إلى غير رجعة مقولة الاستثناء العربي، التي كانت تذهب إلى القول بأن العرب هم شعب يعيش خارج حركة التاريخ، استنادا إلى أن معظم شعوب الأرض كانت إبان النصف الأخير من القرن العشرين قد أنجزت مهمة التحرر من ربقة أنظمة الاستبداد، وخطت خطوات هامة على درب إرساء ركائز أنظمة حكم ديمقراطية. وفي حين كانت هذه الظاهرة التحررية قد شملت عددا لا بأس به من شعوب أسيا وأفريقيا التي كانت في سالف الأيام أكثر استكانة وتخلفا من الشعوب العربية، ورزحت فيما مضى تحت نير أنظمة حكم أشد وطأة من الأنظمة العربية فقد بقي الوضع العربي إلى ما قبل انبلاج صبح الثورات العربية الراهنة، رهن حالة من الجمود والاستخذاء المحيرين، إلى حد جعل بعض  الكتاب والمحللين يرون في هذه الأمة استثناءا يؤكد وجود القاعدة من ناحية القابلية للثورة على الواقع المر والنزوع نحو التطور والتغيير.

2- اتجاه وسطي (انعزالي): يسعى هذا الاتجاه إلى مسايرة هذا الطرف أو ذاك من طرفي النزاع، مع استعداد برغماتي إلى إظهار بعض المساندة عند اللزوم للنظام الحاكم، ليس من منطلق المحبة لهذا النظام أو الإيمان بما يمثله، بل من منطلق الاعتقاد بأنه – بحكم وجود أبناء الجولان ما يزيد عن أربعة عقود تحت الاحتلال – قد بات لهم – من الناحية الموضوعية – هوية مستقلة أو شبه مستقلة عن هوية بقية أبناء الوطن السوري، الذين يعانون ما يعانونه من تعسف النظام الحاكم. ومثل هذا الاعتقاد هو ما يقود أتباع الاتجاه الوسطي إلى صياغة مواقفهم وفقا لما يمكن تسميته بـ" المصالح الحصرية المباشرة للأهالي". فأحلام أصحاب هذا الاتجاه تتلخص في استمرار سماح السلطات في دمشق بعبور طلاب الجولان المحتل إلى الوطن بواسطة الصليب الأحمر واستمرار استيعابهم في جامعة دمشق بشروط تفضيلية، وكذلك استمرار السماح لسلك رجال الدين بالعبور بواسطة الصليب الأحمر مرة في السنة للمشاركة في زيارات دينية، ناهيك عن استمرار السلطات السورية في السماح بعبور كميات من منتوج تفاح الجولان المحتل بواسطة الصليب الأحمر. أما أمال وآلام بقية الشعب السوري فقد تعنيهم ولكنها قد لا تحكم مواقفهم، وذلك جريا على نهج عربي قديم خير مثال عليه ما رددته بعض قبائل العرب إبان النزاع التاريخي بين مبدئية الإمام علي وذرائعية الخليفة الأموي معاوية، حينما قالوا: "قلوبنا مع علي وسيوفنا مع معاوية".

وهنا يبرز السؤال: هل ما يدفع هذه الشريحة من أبناء الجولان المحتل الى التمسك بمواقفها "الوسطية" هو خشيتها من يقدم النظام الحاكم في دمشق على الاقتصاص من أبناء الجولان المحتل في حال جاهروا بموقفهم المعارض والمتضامن مع أبناء شعبهم، فيتوقف عن استيعاب طلاب الجولان المحتل أو عن شراء تفاح الجولان المحتل أو عن استقبال القادمين من الجولان المحتل للمشاركة في الزيارة الدينية السنوية؟ 

3- اتجاه المعارضة: وهو اتجاه متنوع المشارب والاطياف الفكرية ولكنه بالمجمل ينطلق من أن أبناء الجولان المحتل هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري متماه معه في كافة آماله وآلامه ومتحد معه في السراء والضراء. ويضم هذا الاتجاه بين دفتيه شرائحا واسعة من الناشطين والمثقفين الوطنيين من أبناء الجولان المحتل.

ولعل خير تجسيد عملي لهذا الاتجاه هو البيان الذي عمم على وسائل الإعلام بتاريخ 25-3-2011 بعنوان: "انتم الصوت ونحن صداه" موقعا بالأسماء الصريحة. ومما جاء فيه: "..وجودنا تحت الاحتلال الإسرائيلي ليس معناه بأي حال وقوفنا على الحياد. إننا في مطلق الأحوال امتداد طبيعي وحتمي لشعبنا السوري، ولشرائح واسعة منه، تعتبر أنّ استمرار الوضع الراهن وتكريسه أمرا واقعا، كان له كل الأثر في الوصول إلى الحضيض الذي نحن فيه، وأنّ إسرائيل كانت المستفيد الأكبر من كل ذلك. وإذ نتخذ هذا الموقف، فإنه ليس إلا تعبيرا صادقا عن التصاقنا بهموم شعبنا السوري وتطلعاته المشروعة نحو استعادة حريته ومكانته التي تليق به بين الأمم، وما هو إلا التزام بروح "وثيقتنا الوطنية" وما تمليه علينا ضمائرنا وأخلاقنا وارتباطنا العميق بوطننا السوري، غير مدّعين أي صفة تمثيلية لأيّ كان، إلا لأنفسنا. نعلم يقينا ما قد تشكّل هذه المبادرة لسكان يعيشون في أرض محتلة مِن حساسية؛ لكن ثقتنا مطلقة بحصانتنا الوطنية وموقفنا الواضح الرافض للاحتلال الإسرائيلي وأبعاد المشروع الصهيوني على أرضنا. فالنظام ليس هو الوطن بأي حال؛ حتى لو حاول تصوير نفسه على هذا النحو. إن منبع تحركنا ينطلق مِن مسؤولية تاريخية وقناعة أكيدة أنّ "العيب على مِن يصنع العيب" وليس على مَن ينتقده أو ينفض الغبار عنه! نحن صمدنا في أرضنا وقاومنا محتلنا بصدورنا العارية، دافعين الغالي والنفيس للمحافظة عليها سوريّة كما ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، لكن إبقاءنا تحت الاحتلال ليس معناه أن نكون شياطين خُرس على ما يمارسه النظام السوري بحقّ شعبنا مِن انتهاكات. فالاحتلال والقهر هنا صنو للذل والبطش والقمع هناك، وازدواجية الأحكام والمعايير ليست مِن شيمنا وأخلاقنا بشيء".

وفي أول خروج ميداني لها، نظمت "المعارضة" بتاريخ 16-4-2011 اعتصاما في ساحة سلطان الأطرش في بلدة مجدل شمس، تحت شعار" دعم المتظاهرين من الشعب السوري الذين يطالبون بالحرية والديمقراطية ". وقد شارك العشرات من أبناء الجولان في هذا الاعتصام ورفعوا الأعلام السورية ولافتات كًتب عليها: " الشعب يريد تحرير الجولان"، "تحرير الإنسان شرط لتحرير الجولان"، "سوريا قوية بالحرية"، "الشعب السوري ما بينذل"، "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد"، "لا للقتل لا للظلم لا للقهر".

وفي 23-5-2011 شارك عدد من الناشطين المحليين في "وقفة حداد على شهداء سوريا في بلدة مجدل شمس". وقد ورد في الدعوة للمشاركة في تلك الوقفة ما يلي: "أنا سوري، عاشق لأرض سوريا، مغرم بهوائها ولان سوريا محبوبتي، فانا: سأحمل الشموع على أرواح شهدائها، وارفع الأعلام لأجلها، وسأقف صامتا. نحن شباب سورييّن، سوف نقوم باعتصام صامت بالشموع والأعلام السورية في تاريخ 23/5/2011 في مجدل شمس (ساحة الشهداء/ بيت التل)، في الساعة 5.30 مساءً. الاعتصام سيكون فقط إجلالاً لأرواح الشهداء وحزنا على دماء السوريين وسيكون صامتا يتخلله إشعال الشموع ولا نريد رفع أي شعار إلا العلم السوري. نعتذر من الجميع لكن لن يسمح بأي هتاف أو شعار. الدعوة عامة، كل من يرغب بالمشاركة عليه إحضار شمعة والقدوم في الموعد المحدد. وشكرا لحضوركم.. شكرا لتعاونك".

الى ذلك يشارك العديد من الشابات والشبان الناشطين في الجولان المحتل، منذ ما قبل اندلاع "الثورة السورية"، بنشاط ملموس ومثمر عبر صفحات الانترنت، وعلى الأخص عبر موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك". ويتصف هذا التفاعل النشط على الشبكة العنكبوتية بالتصاعد وباتساع رقعة المنضوين إليه وبالعمق والجرأة في طرح الآراء ومقاربة الموضوعات التي يدور النقاش بشأنها.

هذا ومن تحصيل الحاصل أن يتطلع المعارضون إلى اللحظة التي سيسقط فيها "النظام الاستبدادي الحاكم" في دمشق  حتف أنفه مثلما سقط من قبله نظام بن علي في تونس ونظام حسني مبارك في مصر، هذا ما لم يجد "النظام" لنفسه مخرجا أقل سوداوية وإيلاما من خلال المبادرة إلى إجراء عملية قيصرية سريعة يقوم من خلالها بتسليم السلطة بصورة سلمية إلى حكومة انتقالية تتولى دون إبطاء تنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة وشفافة، وتدعو المواطنين إلى الإدلاء بأصواتهم لاختيار مجلس نيابي جديد يمثلهم ويعبر بحق وحقيق عن الإرادة الشعبية التي تتطلع إلى استعادة حرية وكرامة أفراد الشعب المهدورتين من قبل أجهزة أمن تعسفية وفاسدة ومتغولة بشكل لم يعد له نظير في عالمنا. 

وفي الختام نقول: ألف حمد لله على أننا قد عشنا إلى يوم امتلكت فيه شعوبنا الثائرة ما يكفي من الشجاعة والمقدرة لكي نوشك جميعا على طي صفحة تلك المرحلة الكالحة السواد في تاريخ امتنا العربية. فبعد أن أناخت أنظمة الحكم الفاسدة والمتهالكة بأوزارها الثقيلة على صدورنا وكتمت أنفاسنا طوال عشرات السنين لاحت مؤخرا في الأفق خيوط فجر عربي نبيل ومبشر بنهضة مستحقة طال انتظارها. 

التعليقات