03/07/2011 - 13:18

دفاعًا عن الزميلة المربيّة أفنان اغبارية: إنَّها قضية الجميع../ فراس خطيب

لا يوجد أحرص من الإنسان الوطني على مستقبل الجيل القادم، والمربيّة أفنان إغبارية أحرص على طلاب حيفا من وزير التربية والتعليم غدعون ساعر الذي يكرّس حربه ضد كلمة "نكبة"

دفاعًا عن الزميلة المربيّة أفنان اغبارية: إنَّها قضية الجميع../ فراس خطيب
(المربية أفنان إغبارية وزوجها المحامي غسان إغبارية)
 
لا يوجد أحرص من الإنسان الوطني على مستقبل الجيل القادم، والمربيّة أفنان إغبارية أحرص على طلاب حيفا من وزير التربية والتعليم غدعون ساعر الذي يكرّس حربه ضد كلمة "نكبة"
 
منذ أن تسلّمت الزميلة المربيّة أفنان أغبارية إدارة مدرسة "المتنبي" في حيفا العام الماضي بدا واضحًا أنَّ تعيين امرأةٍ مثلها ناشطة سياسيًا واجتماعيًا، لن يمّر مرور الكرام، لأنَّ المواصفات التي تتمتع بها أغبارية تتنافى مع النموذج التاريخي المبتغى لدى السلطات وأتباعها لإدارة المدارس والمؤسسات التربوية العربية خصوصًا في مدينة مثل حيفا. كان جليًا للعيان أنَّ اندلاع الحملة ضدّها هو مسألة وقتٍ لا أكثر.
 
إنَّ الحملة التي شنّتها "معاريف" ضد اغبارية ونيّة الوزارة استدعائها للمساءلة لأنها "تحرّض على الدولة" هي ليست حملةً ضد شخص إغبارية فحسب، إنَّها ضد نهج كامل تريد السلطات اقتلاعه أساسًا. فقد أدركت هذه المؤسسة الإسرائيلية ومنذ قيامّها، أنَّ السيطرة على الجهاز التعليمي العربي، هي آلية ضرورية للهيمنة على حاضر ومستقبل هذه الأقلية القومية بواسطة تمرير الرواية والرموز السياسية الصهيونية إلى حاضر الأطفال العرب وكأنَّ التاريخ يكتبه فريق واحد. فكيف لمسؤولين في حكومة يمينية (وأخرى تدعي اليسارية) يرون في العرب "خطرًا ديمغرافيًا"، سيكونون هم ذاتهم حريصين على مستقبل هذا "الخطر الديمغرافي"؟  إّن وجود اشخاص وطنيين وأصحاب رسالة حق مثل اغبارية قد يكسر المعادلة المبتغاة.    
 
يحق لطلاب مدرسة "المتنبي" التي لا "تنتقي" طلابّها ولا تفرض رسومًا شهريةً على المتقدمين إليها أن تتمتع بإدارة سليمة. إغبارية التي استطاعت أن تكون في مكان "أفضل" فضلّت البقاء في "المتنبي"،  وخبرتها الممتدة على مدار 30 عامًا تعبّر عن إيمانها الحقيقي بالمدرسة وطلابها.
 
 في حيفا، يكتسب هذا المنصب أهميّة أخرى. سكانّ هذه المدينة التي أنهكتها آثار النكبة، يعيشون وضعًا لا يمكن اعتباره سهلاً، فهم حالة مصغرّة عن وضع الفلسطينيين في الداخل عمومًا. رؤساء البلدية المتعاقبون تعاطوا دائمًا مع سكان المدينة العرب على أنَّهم "الآخر"، وعليهم تقديم التشكرات يوميًا لرئيس البلدية على رصيف جديد في شارع "الواد" أو على بناء روضة في حي الحليصة. أي توقعات ستأتي إذًا من رئيس بلدية مثل يونا ياهف "يترفع" عن السياسة محليًا، وينتمي قطريًا إلى حزب "كاديما" (صاحب الحروب الأكبر في العقد الأخير). في مثل هذا التعقيد، ثمّة أهميّة لوجود أشخاصٍ وطنيين واصحاب موقف. فلا يوجد أحرص من الإنسان الوطني على مستقبل الجيل القادم.
 
 إنَّ روايتنا المغيّبة عن مناهج التعليم ودور الحركات الوطنية والصحف الحزبية والإصدارات التثقيفية هي التي ساهمت بحفظ جيلنا من التزوير وليست الحكومة الإسرائيلية ومناهجها الساعية إلى سرقة التاريخ علنًا. فلتكتب الصحف العبرية ما شاءت، فهي ليست مرجعيتنا أصلاً وأحد لا ينتظر محررًا في تل أبيب لإنصافه.
 
في نهاية المطاف يحق لأهل حيفا، وخصوصًا أهالي الطلاب في "المتنبي"، مدرسة "عامة الشعب"، مديرة مثل أفنان اغبارية كونها امرأة مثقفة وعلمانية ولها الحق المهني أيضًا بعد أن رفعت مستوى المدرسة بشكل ملحوظ بشهادة الأهل. بالنسبة لنا، هي أحرص من وزير التربية والتعليم غدعون ساعر الذي يكرّس حربه ضد كلمة "نكبة".
 
الدفاع عن اغبارية ليس دفاعًا عن زميلة فحسب، إنّه دفاع عن قضية. في الداخل الفلسطيني ثمة وعي بما يتعلق بالمناهج التعليمية، وثمة من يقوم فعلاً بدور صلب لدق جدران ذلك الخزّان. هناك  جمعيات وشخصيات وطنية تسعى لإماطة اللثام عن النهج المتبع منذ سنوات، وكلنا رافقنا حملة "جمعية الثقافة العربية" لإلغاء كتب المليئة بالأخطاء التي يدرسها الطلاب العرب. فحين يصبح إلغاء الأخطاء مطلبًا فهذا يدّل كثيرًا على تعاطي المؤسسة مع طلابنا.  ولكن مع هذا، لا تزال الطريق طويلة وثمة ضرورة للتركيز أكثر على قضية التعليم، فهي قضية سياسية لا تقل أهمية عن اي قضية سياسية مثل الاحتلال واللاجئين والمساواة.
 
 إنَّ المجتمع العربي في الداخل يواجه تحديات صعبة. وقد نرى هذه التحديات تتفاقم مع تفشي العنف والجريمة بين الفتية وطلاب المدارس الوزراء الذين يستقبلهم بعض رؤساء السلطات المحلية بالبدلات الرسمية لا يأتون للتغيير، لأنَّ التغيير يأتي من الشخصيات الوطنية الحريصة، ووجود هذه الشخصيات الوطنية سيضمن عدم اقتحام "الخدمة المدنية"  لمدارسنا، ونحن أيضًا سنضمن أيضًا ألا يغني أطفالنا "عيد استقلال بلادي" في يوم نكبة شعبهم، فتصبح مهنة التدريس أكثر من مجرد "ضمان دخل" و "قرض دون فوائد"...

التعليقات