06/08/2011 - 08:17

بين الخفّة والعدمية في الموقف من حركة الاحتجاج الإسرائيلية../ عوض عبد الفتاح

الحراك الشعبي الاسرائيلي، الذي لم يكن تخيّله قبل سقوط حسني مبارك، شدّ أنظار المواطنين العرب، الفلسطينيون في إسرائيل وأعاد تذكيرهم بدورهم إزاء الظلم الفظيع الواقع عليهم والمتراكم منذ النكبة الفلسطينية الكبرى. فالدولة العبرية وانطلاقًا من أيدلوجيتها الصهيونية الكولونيالية، كرستهم هدفًا للنهب والحصار ولاحتجاز تطورهم الطبيعي للحيلولة دون تبلورهم كمجموعة قومية يحق لها حقوق جماعية كاملة في الأرض والثقافة والتطور الجماعي المادي

بين الخفّة والعدمية في الموقف من حركة الاحتجاج الإسرائيلية../ عوض عبد الفتاح
الحراك الشعبي الاسرائيلي، الذي لم يكن تخيّله قبل سقوط حسني مبارك، شدّ أنظار المواطنين العرب، الفلسطينيون في إسرائيل وأعاد تذكيرهم بدورهم إزاء الظلم الفظيع الواقع عليهم والمتراكم منذ النكبة الفلسطينية الكبرى. فالدولة العبرية وانطلاقًا من أيدلوجيتها الصهيونية الكولونيالية، كرستهم هدفًا للنهب والحصار ولاحتجاز تطورهم الطبيعي للحيلولة دون تبلورهم كمجموعة قومية يحق لها حقوق جماعية كاملة في الأرض والثقافة والتطور الجماعي المادي.
 
وفي الوقت الذي شكل ويشكل هذا الحراك الشعبي الإسرائيلي، الذي بادرت إليه الطبقة الوسطى، تطورًا لافتًا وغير مسبوق في الساحة الإسرائيلية وهو امتداد للمتغيرات في العالم، فإنه ألقى الضوء مجددًا على عمق الفجوة القائمة بين واقع وظروف حياة تجمعيين بشريين، أحدهما وافد وآخر أصيل. بل دلّ على حجم الإجحاف اللاحق بأصحاب الأرض الأصليين الذين لم تشفع لهم المواطنة المفروضة، الخالية من المضمون، ولا تقيّدهم بقوانين اللعبة السياسية في إسرائيل إلى حدّ كبير. فالمستوطن اليهودي غير قادر على احتمال الأجور العالية للشقق السكنية، في حين يرزح المواطن العربي الفلسطيني تحت كامل الحرمان والحصار والقمع منذ عقود.
 
ونتيجة لهذا الواقع المركب، وضع هذا الحراك الإسرائيلي غير المسبوق العرب في الداخل وحركاتهم الوطنية أمام تحدٍّ بخصوص كيفية التعاطي مع هذا التطور أو المستجد، وتراوحت الإجابات بين الخفة والاندفاع والهرولة إلى درجة التماهي المطلق مع حركة الاحتجاج على نمط التعبير عن الافتخار بالانتماء إلى "الشعب الإسرائيلي"، وبين رفض اعتبار الحراك ذا صلة بشأن عرب الداخل. وفي الوسط برز رأي أو اتجاه ينظر بأهمية إلى الحدث ويسعى إلى الاستفادة من زخمه ولكن عبر رسم التمايز والفروقات ودوافع وخلفيات ومطالب المحتجين الاسرائيليين ومن خلال التواصل مع بعض قادة الحراك. ومحاولة التأثير عليهم، خاصة وأن جزءا منهم له ميول يسارية، صهيونية أو غير صهيونية أو مناهضة للاحتلال.
 
وينطلق هذا الرأي أو التوجه، وهو الغالب، من أمرين الأول أن الشرائح المحركة – الطبقة الوسطى، هي شرائح تطرح مطالبها في سياق صهيوني واضح ولم تتطرق لبعض المطالب العربية إلا في الأمس. (الاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها، والمصادقة على الخرائط الهيكلية وتوسيع مناطق نذوف البلدات العربية).
 
الأمر الثاني، ليس واضحًا قابلية هذه الحركة الاحتجاجية للاتساع والتطور والتحوّل إلى حركة تتصدى لمجمل النظام السياسي والاقتصادي القائم على اقتصاد السوق وعلى الارتزاق من السيطرة على الفلسطينيين، بمن فيهم فلسطينيو الداخل. أي أنه لا يستطيع أحد أن يقدّر مدى دينامية هذا الحدث على الوضع الداخلي الإسرائيلي وعلى منظومة السيطرة والاستغلال؛ السيطرة على واستغلال الغير، ومنظومة استغلال شرائح من المجتمع الإسرائيلي بسبب الانزياح المستمر نحو اليمين واليمين المتطرف داخل النخبة السياسية وداخل المجتمع الإسرائيلي فضلاً عن الجنوح المتواصل نحو التشديد على يهودية الدولة على حساب ديمقراطيتها، ما يعني تواصل تكريس نظام الأبارتهايد الكولونيالي. في ضوء ذلك يجدر عدم التسرع وإسقاط التمنيات والرغبات على الواقع وتعقيداته. لأن هذه القراءة المتسرعة من شأنها أن تلحق ضررًا سياسيًا وأخلاقيًا بنا كعرب الداخل، خاصة إذا ما انهرق بعضنا وشرع باختزال مطالبنا ومنطلقاتنا المتمايزة عن تلك التي يطرحها المجتمع الإسرائيلي كقضايا مدنية معزولة عن بعدها التاريخي.
 
لا بدّ من توجيه الرسائل ليس فقط إلى الحكومة الإسرائيلية ، بل إلى قادة الحركة الاحتجاجية وإلى المجتمع الإسرائيلي الذي ليس فقط أنه صمت على الظلم الممارس ضد العرب والفلسطينيين بل كان مساهمًا فاعلاً في ارتكاب الجرائم. وإذا كان قد بدأ بعض قادة الاحتجاج يتجرأون على التصريح والتعبير عن بعض جذور الأزمة والإشارة إلى الاحتلال والاستيطان، فإنه لا بدّ أن تعزّز رسالتنا الواضحة في هذا المجال. إن هذه السياسات التي ساندوها، والمشاركة في الانتفاع من استغلال ثروات أصحاب البلد الأصليين وبناء رخائهم وازدهارهم تحولت إلى مصدر بؤس لهم.
 
أما على المستوى العملي، وهو الأهم، فإنه حان الوقت لتنظيم نضال عرب الداخل بصورة مدروسة ومنظمة ومن خلال إقامة اللجان الشعبية التي تعمل تحت سقف منظم واحد وبرنامج موحد.
 
إن المبادرات السريعة هنا وهناك، العفوية والموعز لها من أحزاب كإقامة الخيام الاحتجاجية في بعض البلدات العربية لرفع مطالب المواطنين العرب خطوة مباركة. ولكن هذا لا يكفي لجلب الاحترام للجماهير الفلسطينية في البلاد ولا لأطرهم التمثيلية. حيث يظهر وكأننا نلهث وراء حركة الاحتجاج الإسرائيلية التي هي في الأساس لم تقم من أجلنا بل من أجل المجتمع السيّد.
 
إنها لمفارقة تاريخية أنه للمرة الأولى يحاكي الاسرائيليون "أعداءهم" العرب ويقتفون بأنبل ظاهرة عربية ظهرت في العقود الأخيرة، ألا وهي الثورات الشعبية المعجزة. فهذه الثورات هي الملهم للحراك الإسرائيلي، في حين كان عرب الداخل حتى الآن عصيّين على التأثر الفعلي من هذه الثورات. وها قد جاءت فرصة أخرى.
 
هذا بالطبع ليس تقليلا من أهمية النضال الشعبي الذي خاضه عرب الداخل على مدى عقود لترسيخ وجودهم والإعلاء من مكانتهم. ولكن ظاهرة النضال المتواصل وغير المتقطع هو نموذج جديد حان الوقت للاقتداء به وهذا لا يتأتى إلا عبر إقامة الجسم الشعبي القطري الواسع والتعاون الوثيق والجدي بين الأحزاب، وأن تشمل هذه اللجنة ممثلين عن كل اللجان الشعبية المحلية القائمة والحركة الطلابية والحركات الشبابية وأن يجري العمل وفق خطة تشمل خطوات متدرجة.
 
إن إقامة هذا الإطار الشعبي الواسع واللجان الفرعية – المحلية ليس حاجة آنية لجماهير الداخل، بل هو حاجة استراتيجية، يقوم بتنظيم الناس ونشاطهم الكفاحي ضد نظام الأبارتهايد الاسرائيلي والتصدّي لمشاكلهم الاجتماعية والبنائية الداخلية.

التعليقات