07/08/2011 - 09:56

بين ميادين التحرير وروتشيلد../ د. باسل غطاس

بعد السبت 30 تموز الذي خرج فيه عشرات الألوف للتظاهر في أكثر من 15 مدينة رئيسية اجتازت حركة الاحتجاج الإسرائيلية نقطة اللاعودة، وتستطيع حكومة نتانياهو أن تعد أسابيعها أو أشهرها الأخيرة

بين ميادين التحرير وروتشيلد../ د. باسل غطاس
هل نشهد ربيعا ما يلوح في أفق المشهد الإسرائيلي الذي بات في السنوات الأخيرة خريفا قاتما في انزياحه المتواصل نحو اليمين الاستيطاني؟ وهل هناك بوادر استفاقة من أوهام التمكن من خلق بؤرة معزولة عن الصراع السياسي مع محيطها ومزدهرة اقتصاديا في ذات الوقت كما يحاول نتانياهو أن يثبت أن هذا أمر ممكن من خلال إدارة ذكية للصراع؟ هل من الممكن أن تقوم حركة احتجاج اجتماعية شعبية من الشارع الإسرائيلي بفرض أجندة جديدة تسفر عن تغيير الحكومة ولربما عن تغيير في بنية نظام الحكم بدون تفكيك المقولات السياسية التي أتت باليمين الى الحكم لفترة تنوف على عقد ونصف من الزمن؟ وهل ستستمر كرة الثلج بالتدحرج لتشمل الشارع العربي؟
 
لم يتوقع أحد وخاصة أقطاب الحكم في إسرائيل الذين يتباهون من على كل منصة بأن الاقتصاد الإسرائيلي هو الأمتن في المنطقة، ولم يتأثر بالأزمة العالمية، نسبة البطالة 6% الأدنى في تاريخ البلاد، وتجاوز النمو في الربع الأخير من 2010 ال 5،6%، ويتوقع بنك إسرائيل نموا يقارب ال 5% في 2011. إذا كيف في هذه الواحة المزدهرة مع متوسط دخل القومي للفرد يقارب ال 30 ألف دولار للفرد تتفجر حركة احتجاج بهذا الزخم؟
 
في محاولة استشراف الإجابة على هذه التساؤلات من المثير أن نجري مقاربة لحركة الاحتجاج في الشارع الإسرائيلي في سياق ميادين التحرير العربية ورياح التغيير فيما اصطلح على تسميته الربيع العربي. من المثير أيضا أن نتابع أقلام إسرائيلية بارزة تربط بوضوح بين انطلاق حركة الاحتجاج في الشارع الإسرائيلي وبين ما شهدته شوارع كبريات المدن العربية والانتصارات التي حققتها في مصر وتونس تحديدا.
 
هناك اختلاف جدي وجوهري بين ما يجري إسرائيليا وما جرى ويجري عربيا. ومن السهل الإشارة إلى نقاط الاختلاف، أهمها طبيعة نظم الحكم السائدة وكون المطلب الرئيسي للمحتجين/الثوار العرب أولا الحرية والكرامة الإنسانية تولد منه بسرعة مطلب تغيير أو إسقاط النظام فيما ليست هذه مطالب المحتجين اليهود، وإن كان من الممكن أن تتحول المطالب تدريجيا إلى تغيير الحكومة بل وتغيير النظام. المثير في نظرنا هو البحث عن نقاط التشابه في محاولة لقراءة مآلات هذه الحركة.
 
أهم سمات التشابه:
1)    لعل أول سمات التشابه هو الانطلاق المفاجئ لحركة احتجاج عفوية خارج كل الأطر والتنظيمات القائمة وقدرتها على الاستمرار والتعاظم التدريجي واستقطاب فئات جديدة للاحتجاج باستمرار.
2)    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في دعوة المحتجين الذين لم يعرفوا بعضا ولم يدركوا عددهم ولم يعرفوا قوتهم، وبعد الاستجابة الأولى للمبادرين انطلقت المسيرة بدون تراجع.
3)    تطور الاحتجاج الشعبي بسرعة إلى انتفاضة على الوضع القائم برمته بما فيه القوى السياسية المعارضة، واتسم بغياب قيادة مجربة ومعروفة واستطاع جذب فئات من كافة شرائح وطوائف وفئات المجتمع.
4)    تطور مطالب المحتجين من مطلبية ضيقة في مجالات معينة إلى مطالب شاملة ( حاليا العدل الاجتماعي وإعادة دولة الرفاه وما إلى ذلك)
5)    يمكنا أيضا أن نرى تشابها في أن انطلاق الحركة لم يكن من قبل أكثر فئات المجتمع فقرا وإقصاء، وانما من فئات متعلمة وشابة وعاملة وذات دخل متوسط.
كان رد الحكومة والقيادات الإسرائيلية جديا ومستجيبا منذ البداية، وإن لم يتوقع حجم وقوة حركة الإحتجاج. ويبدو لنا أن هذا التعامل الحكومي كان أيضا من دروس الثورات العربية، إلا أن نتانياهو وحكومته لم ينتبها إلى دروس أخرى مهمة لهذه الثورات وهو أنه عند تحقيق أول إنجاز للمحتجين لا يحدث تراجع ولا يذهب المحتجون للبيت، وانما بالعكس تماما يدركون قوتهم ويزدادون حماسا وتنضم إليهم أعداد جديدة. وهذا ما حصل عند أول تراجع وارتباك من قبل نتانياهو وعرضه لخطة سريعة تلبية لمطالب المحتجين ارتفع سقف المطالب وانضم اليهم أعداد جديدة في كافة المدن الإسرائيلية الكبرى.
 
إذا بالقياس على الثورات الشعبية العربية (وان لم يطلق حتى الآن في الصحافة الإسرائيلية اسم ثورة على ما يحدث إلا من باب التمني ولكننا نتوقع بدء استخدام مصطلح ثورة اجتماعية) فإن كرة الثلج انطلقت، ولن تتوقف من خلال إجراءات أو خطة حتى لو شاملة يعرضها نتانياهو.
 
الشارع أدرك قوته وصرخت آلاف الحناجر بتل أبيب بجملة نتانياهو الاستفزازية لليسار: "إنهم ي..خا..فون". من هذه النقطة أي بعد السبت 30 تموز الذي خرج فيه عشرات الألوف للتظاهر في أكثر من 15 مدينة رئيسية اجتازت حركة الاحتجاج الإسرائيلية نقطة اللاعودة، وتستطيع حكومة نتانياهو أن تعد أسابيعها أو أشهرها الأخيرة، لا نستطيع التنبؤ تماما كيف سيحدث هذا ولكن التجربة الإسرائيلية تشير إلى أن أكثر الإئتلافات الإسرائيلية ثباتا قد تنهار في 24 ساعة وكثيرا ما يجري ذلك باستخدام أتفه الأسباب.
 
الدعوة لانتخابات جديدة في الوضع القائم لا يعني بالضروروة أي تغيير جدي. ولهذا فالإمتحان الأساسي لحركة الاحتجاج هو استمرارها حتى يجري المجتمع الإسرائيلي حسابا عسيرا مع النفس، ويعيد ترتيب أولوياته بشكل جذري محطما المقولات الرئيسية التي سيرته أو قل قيدته عقودا بأولوية الأمن والخطر الوجودي الذي تواجهه إسرائيل وتفضيل الحياة الحرة الكريمة والانسانية، وربط سياسات العسكرة والاستيطان بسياسات اللبرلة الإقتصادية وخصخصة دولة الرفاه.
 
 انتخابات جديدة بدون ظهور قوى واصطفافات جديدة في المنظومة السياسية الصدئة في إسرائيل لن تسفر عن تغيير راديكالي. ستكون مفارقة مدوية أن يقوم حراك اجتماعي بدأ بصبغة مطلبية بحتة بإحداث ثورة في المنظومة السياسية للدولة العبرية، وهو ما فشلت به عقود من الحروب والحراك السياسي العالمي. هذا السيناريو لم يحدث حتى الآن لكن لمجرد وجوده كاحتمال ترتعد فرائص المستوطنين واليمين الفاشي الذي فرض أجندته خلال عقود وخاصة خلال العقود الأخيرة.
 
 إذا هل ستستمر حركة الاحتجاج أم ستجهض من خلال مفاوضات مملة وطويلة مع الحكومة تستنزف الحركة الشعبية وتدخلها في خلافات ومتاهات نسبة تحقيق المطالب، ناهيك عن الإمكانية الواقعية بأن يؤدي أي تدهور في الحالة الأمنية إلى العودة إلى السيناريو المعهود "هدوء.. هناك إطلاق نار" وفض أي مظهر للإحتجاج وعودة القطيع إلى تحت خيمة الإجماع القومي.
 
هل ستمتد حركة الاحتجاج إلى الشارع العربي بنفس العفوية والغضب وبتماه مع مطالب المحتجين؟ لا يبدو لي ذلك ، سيكون هناك حراك من الأحزاب والقوى والنشطاء السياسيين بالتضامن والمشاركة في المظاهرات ليس أكثر، وهذا مهم طبعا ولنا مصلحة كبرى فيه ولكن لا أرى حدوث حراك شعبي عفوي احتجاجي بقضايا مطلبية، وذلك لأسباب عديدة أهمها ارتباط أي قضية مطلبية لدينا بالقضية الأساسية وهي قضية التمييز القومي ومصادرة الأرض فأي حركة احتجاج ستكون من أول لحظة ذات طابع سياسي قومي بامتياز، ولهذا لا أنصح أحدا بأن يرفع شعار "يا أبناء الطبقات الوسطى اتحدوا" بعد أن عفى الزمن على يا "عمال العالم اتحدوا".

التعليقات