08/08/2011 - 09:23

دولة المهاجرين وأرض المهجَّرين../ ياسمين ظاهر

فعلى مشاركة العرب أن تكون بتحدي مشروع اللاسياسة وعرض مشروع سياسي بإمتياز. وحتى الآن لم تفعل هذا سوى مجموعة من النشيطات المسيسات والنسويات – وهنّ قلة قليلة - واللاتي أطلقن على خيمتهن "خيمة 1948"، بدلالة واضحة على النكبة وآثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكارثية على الشعب الفلسطيني، وتعرضنّ هنّ وخيمتهن الى الاعتداء أكثر من مرة

دولة المهاجرين وأرض المهجَّرين../ ياسمين ظاهر
لا يسع المرء إلاّ أن يتضامن مع المطالبين بحقوقهم. وملتحفو الخيم من اليهود الإسرائيلين، من الطبقات المختلفة، في تل أبيب، الخضيرة، حيفا وكل أنحاء الدولة الصهيونية هم كذلك. إنهم يعيشون وبالفعل أوضاعاً اقتصادية صعبة، جزء منهم لا يجد عملاً وجزء آخر لا يستطيع أن يسدد الدفعات المتبقيّة عليه ثمنًا للعقارات المرتفعة التي تضاهي بأسعارها أهم وأكبر مدن العالم. ودون أن نخوض في نهج الحكومة، الاستعماري والرأسمالي - الحكومة الحالية وسابقاتها طبعا- فمن الواضح أن دولة المهاجرين هذه أصبحت أكبر مصيف ليهود العالم الأثرياء وتضيّق شيئا فشيئا على من ليس بمقدورهم تسديد فواتيرهم. ولكن، لا يجب أن يختلف اثنان أن من يدفع الثمن الأبهظ أولاً وأخيراً هو الفلسطيني والفلسطينية أصحاب الأرض الأصليون، ويبقى أنه وبطبيعة الحال، لا يمكن عزل هذه التأثيرات وهي تطال من تطاله من الاسرائيليين ايضا ولو بدرجات أقل بكثير.
 
ولكن، بين تفهمنا وتضامننا مع المعتصمين والمعتصمات في كل مكان وبين تسويق خيمهم كأنها خيمنا، ومطالبهم كأنها مطالبنا او أن الحلول التي ينشدونها قد تنهي بعض الغبن الذي وقع علينا، أو أن وحدة صف نضالية في طريقها إلى هذه البلاد، فشتّان. ومن يسوق هذه التسويغات يعيش في وهم ويحاول إرغامنا على تصديقه. وكأن هؤلاء المسوغين "للثورة الشاملة في إسرائيل" لا يعرفون إلاّ "الانضمام إلى" و"الانضواء تحت" دون محاولة تشكيل حالة مختلفة وإحداث التغيير حقا. فخيمة تل أبيب حقيقة، ليست خيمتنا وهي أيضا لن تكون، لأسباب عدة نبدأها مثلا بتصريحات مثل "نحن لا دخل لنا في السياسة"، "نحن لسنا مع اليمين أو مع اليسار"... "كل ما نريده هو خفض أسعار البيوت للتمكن من امتلاكها أو استئجارها"، لقد تكررت هذه التصريحات كثيرا. آمل أن العرب الذين يشعرون أن الخيم في تل ابيب أو الخضيرة أو حيفا هي خيمهم، قد سمعوا هذه التصريحات التي أطلقها مرارًا وتكرارًا قادة هذه الحركات. ولكن يبدو أن صوت الأجندة أحيانا ما يعلو على صوت التحليل العقلاني وصوت الحقيقة.
 
إن كل المعادلات التي حاولت وستحاول تسويق وتسويغ علاقة لمشاكل الطبقة الوسطى الإسرائيلية المرفهة (أو غيرها من الطبقات الاجتماعية) ونضال الإنسان العربي الفلسطيني، هي معادلة باءت على مدى ستين عاما بالفشل وسيكتب لها الفشل من جديد. وليس لمطالب هذه الطبقة الآنية أية علاقة بهدم البيوت في كل أنحاء فلسطين، ووضع البلديات العربية، وفرص عمل العرب. ولن تخرج هذه الطبقة ولا الطبقات المسحوقة – وهي بالفعل كذلك – في أية نضالات تضامنا مع نضال العرب.
                                                
لماذا؟ إن العامل الأهم لقيام أية ثورة أو انتفاضة أو بناء "وحدة نضاليّة" هو عامل التماهي والانصهار بمطالب هذه الحركة. والخيم الإسرائيلية لا تعرف ولا تود أن تعرف شيئا عن العراقيب أو سخنين أو اللد، فالأخيرة لا يمكن أن تقع ضمن تعريف "اللا سياسة". وهي حالات مركبة، لا يمكن دبلجتها بثلاثين ثانية في برنامج تلفاز "لجذب الجمهور للانضمام للخيم" ولا يمكن الحديث عنها دون التطرق إلى التاريخ وكيفية نشوئها. علينا أن لا نوهم أبناء شعبنا أن إحدى هذه الخيم الإسرائيلية ستساعدنا، أو أننا قادرون على تغيير قيد أنملة فيها وببوصلتها السياسية أو حتى بتضامنها مع نضاله.
 
خيمة تل ابيب، ستذهب للجيش ولن تقتنع أنها "تدفع ثمن الاحتلال". نذكّر أن تسعين بالمائة من الإسرائيليين كانوا سيدعمون أية حرب همجية ستشنها دولتهم في المنطقة وهؤلاء ممثلون بنفس الأرقام في هذه الخيم. والأهم أنهم لا يعادون تكريس الوضع الحالي، ولا يطالبون بتغيير جذري لا في السياسة ولا في شكلها. فهم مثلاً يطالبون بحلول تقدمها الوزارة، ولا يبغون حلّ هذه الوزارة والنظر أبعد من مطلبهم الآنيّ ونحو تغيير السياسات.
 
إنهم أولاً وأخيراً يبغون تعاطف الشعب معهم. وهذا التعاطف يتطلب، كما نعلم مجموعة من الأعلام البيضاء والزرقاء، والكثير الكثير من القومية، وأيا من "حكماء الخيم"، لن يسمح بعبور خطوط السياسة الواضحة وهي: "دون سياسة!". وفي كل الأحوال من يريد أن يُخرج هذه الحركة عن المسار الذي سارت وتسير به إلى الآن وهو الخوف والابتعاد عن السياسة بمعناها الأكبر، عليه أن يتحدّاها ويتحدّى خطابها، لا أن يجاريها ويشعر أنها بيته الطبيعي. عليه أن يستغلها لوضع أجندة سياسية، لا أن يهرب هو أيضا من السياسة ويؤجلها إلى حين ويغوص في حسابات الإجماع العام.
 
هل هذا يعني أن لا يستغل العرب اللحظة "الثوريّة" ليطلقون صرختهم عاليا: كلا من قال هذا. إن أردتم الحقيقة، فقد إستغل الإسرائيليون الثورات العربية كرافعة لمطالبهم وكخلفية تعريف بتدهور أوضاعهم الاقتصادية، ومن أكثر من الفلسطينيين حقا في هذا البلد ليطالب بالتغيير. ولكن المهم هو تغيير التيار لا اللحاق به، فنحن لا نستطيع مواكبة مسرحية اللاسياسة. بالإضافة إلى أن مطالب السكان الأصليين لا تقتصر على تخفيض بأجور البيوت (أصلا غالبية العرب يسكنون بقراهم ومدنهم لا يجدون أرضا للبناء)، فنحن نعلم أن لب مشكلتنا يكمن في سلب أرضنا – أرض المهجرين لإقامة دولة المهاجرين- وإعطائنا مواطنة شكلية فوق هذا.
 
 فعلى مشاركة العرب أن تكون بتحدي مشروع اللاسياسة وعرض مشروع سياسي بإمتياز. وحتى الآن لم تفعل هذا سوى مجموعة من النشيطات المسيسات والنسويات – وهنّ قلة قليلة - واللاتي أطلقن على خيمتهن "خيمة 1948"، بدلالة واضحة على النكبة وآثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكارثية على الشعب الفلسطيني، وتعرضنّ هنّ وخيمتهن الى الاعتداء أكثر من مرة.
 
 الاعتداء على خيمة ال 1948 هو دليل على فاشية الإجماع وعلى الجهة التي ستجنح نحوها الجموع إن نجحت بالحصول على مبتغاها. وجود النشيطات يطرح تساؤلا حول انكفاء اليسار على أنواعه، القديم والجديد، وبحثه عن فتات إجماع، وعدوله عن النزوح الى هذه الخيمة وتبنيّ مقولتها الواضحة.   
 
على أية حال، لا يعرف الإنسان ماذا عليه أن يتوقع من مجموعة أشخاص تسمي اعتصامها لحقوق السكن "غير سياسي". وتقول وتعيد أن "لا مطالب محددة لها" وكل ما تسعى اليه "هو رفع القضية للحكومة لتقترح هي بنفسها وخبرائها الحلول". ففي البدء، قد يصاب الانسان بحمّى أيلول، ولوهلة يشعله سراب تل ابيب ولهيب الشبيبة ممن يودون تغيير واقعهم وهو بالفعل أمر مفرح، إن حصل هنا أو في أية مكان آخر على وجه الكرة الأرضيّة. ولكنه يعدل عن بناء أوهام على مجموعة تريد أن تخلص نفسها، ولا يهم شاكلة هذا الخلاص!

التعليقات