11/08/2011 - 10:53

روسيا تفقد فرصة في العالم العربي.. / بيوتر رومانوف*

حقيقة إن الاحتجاجات العربية تحمل معها عدم الاستقرار، وحقيقة أن الله وحده يعلم بما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف، أمر مفهوم. وهذا لا يمكن ألا يسبب القلق. فعلا، الحياة مع نظام الرئيس مبارك أو نظام الأسد، إبان الفترة التي سادت فيها اللامبالاة في الشارع، كانت أكثر سهولة، ولكن من الخطير، بعد أن أصبح ببساطة غير مربح بالنسبة لمصالح روسيا، مواصلة التشبث طويلا بالماضي وتجاهل المستقبل بعناد

روسيا تفقد فرصة في العالم العربي.. / بيوتر رومانوف*
الترجمة إلى العربية: مجيد القضماني
 
حقيقة إن الاحتجاجات العربية تحمل معها عدم الاستقرار، وحقيقة أن الله وحده يعلم بما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف، أمر مفهوم. وهذا لا يمكن ألا يسبب القلق. فعلا، الحياة مع نظام الرئيس مبارك أو نظام الأسد، إبان الفترة التي سادت فيها اللامبالاة في الشارع، كانت أكثر سهولة، ولكن من الخطير ( ببساطة غير مربح بالنسبة لمصالح روسيا) مواصلة التشبث طويلا بالماضي وتجاهل المستقبل بعناد.
 
بالمناسبة، في التاريخ الروسي حدثت مثل هذه المحاولات للحفاظ على ما لا يمكنك الحفاظ عليه. لنتذكر مثلا، رغبة نيقولا الأول العنيدة بالتمسك بــ مبادئ الشرعية.. بل على العكس، عدم رغبته في رؤية تلك التغيرات الثورية التي حدثت في أوروبا آنذاك...! تلك الثورات الأوروبية، كما هي الثورات العربية الحالية، لم يكن بالامكان التنبؤ بما ستسفر عنه ولهذا أثارت المخاوف. وقتئذ نيقولا بافلوفيتش، وانطلاقا من مبادئ الشرعية ومن أن السياسة الخارجية الروسية على النقيض من سياسة القوى الكبرى الأخرى الأوروبية هي سياسة أخلاقية، خاض مبارزة ثنائية مع التاريخ. وقد خسرها طبعا.
 
وها هي وزارتنا الخارجية اليوم، تتمسك في العالم العربي بالماضي الذي لم يعد ممكنا استعادته، وليس فقط، بل وتقوم بإلقاء اللائمة (من السهل أن تقرأ ذلك ما بين السطور) على الدبلوماسية الغربية وتتهمها بالصفاقة الأخلاقية. أعتقد، أنه اتهام منصف وعادل، ولكنه لا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الصفاقة الغربية منصهرة بقوة مع براغماتية حماية المصالح الغربية.
 
ولكن إلى أي حد سياستنا نحن براغماتية؟ سؤال كبير. كان علينا أن نبدأ منذ الأمس بالبحث، في هذه الفوضى العربية الحالية، عن حلفاء المستقبل. وأن نساعدهم في الوصول إلى السلطة. أما المركب الأخلاقي في سياستنا، فإنه غير واضح بنفس مقدار عدم وضوحه في السياسات الغربية. دماء الأبرياء تسفك على يد كافة المشاركين في الأحداث في مصر وليبيا وسوريا، من الثوريين وأعداء الثورة.
 
في الوقت الحاضر، ليس واضحا متى سيتمكن المنتفضون من إنهاء القذافي، وما هي الألوان السياسية للسادة المنتصرين، ولكن حقيقة أن العقيد أصبح "غير قابل للحياة" سياسيا، أمر جلي. ولهذا السبب حدد الغرب خياراته ويعمل بنشاط مع نخب ليبيا الغد. يعمل، بطبيعة الحال، ليس من أجل الديمقراطية الليبية، ولكن من أجل مستقبل العلاقات الاقتصادية المفيدة، من أجل شركات النفط الكبرى والمال الوفير. وهذا ليس أبدا "غير ذي أهمية" بالنسبة لنا، لكن نحن لا نرغب حتى في الدخول في مجموعة الاتصال، وهي التي تدير اليوم- على أقل تقدير شكليا - الأزمة الليبية.
 
مواقف الغرب من سوريا تتشدد.. ومرة أخرى، السبب هو، بالطبع، ليس الديمقراطية. حقيقة أن بشار الأسد يقوم بسفك دماء المدنيين الأبرياء - حتى خلال شهر رمضان المبارك - ليست إلا مبررات شكلية. الغرب لا يحب النظام الذي يدعم إيران ومقاتلي "حزب الله" و"حماس". وبالمناسبة، ليس من الواضح لماذا يجب أن نعجب نحن بهذا النظام، ولكن تلك قصة أخرى. في النتيجة عزلة الأسد تزداد يوما بعد يوم. بريطانيا وكندا أعلنتا أن "دبلوماسيي القذافي" شخصيات غير مرغوب فيها. حتى المملكة العربية السعودية والكويت استدعيتا سفيريهما من دمشق، أما النمساويون فقد علقوا طباعة العملة السورية في خطوة احتجاجية.
 
استنادا إلى الكلمات الأخيرة للرئيس ميدفيديف، فإن روسيا أيضا تقوم  ببطء بتعديل موقفها. "بشار الأسد - قال ميدفيديف - بحاجة ملحة للتصالح مع المعارضة واستعادة السلم الأهلي وإنشاء دولة حديثة. وإذا كان لا يستطيع القيام بذلك، فإن مصيرا محزنا ينتظره، وفي نهاية المطاف، يتوجب علينا، نحن أيضا، اتخاذ بعض القرارات".
 
فعلا القرارات يجب أن تُتخذ، ولكن مرة أخرى وللأسف، ستأتي متأخرة. لقد أدرك الغرب منذ فترة طويلة بأن الأسد غير قادر على التصالح مع المعارضة، وغير قادر على استعادة السلم الأهلي في البلاد، ولا إنشاء الدولة الحديثة في سورية. وكما هو الوضع مع القذافي، فلقد مضى وقته أيضا. أما الدبلوماسية الروسية فسيكون عليها الانتظار في نهاية طابور طويل لتسليم أوراق اعتمادها الى السلطات الجديدة في ليبيا وسوريا.

التعليقات