28/08/2011 - 21:38

وهـم الشراكـة/ حسن عبد الحليم

حمل الأسبوع الأخير بين ثناياه تطورات خطيرة على ساحتنا السياسية، تبدو في ظاهرها نتاج التباين حول الموقف من الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، لكنها في باطن الأمر تعبير عن اختلاف عميق في الرؤية والمنطلقات، الأمر الذي بات يهدد بتقويض أعلى هيئة تمثيلية للفلسطينيين في الداخل، ألا وهي لجنة المتابعة.

وهـم الشراكـة/  حسن عبد الحليم

حمل الأسبوع الأخير بين ثناياه تطورات خطيرة على ساحتنا السياسية، تبدو في ظاهرها نتاج التباين حول الموقف من الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، لكنها في باطن الأمر تعبير عن اختلاف عميق في الرؤية والمنطلقات، الأمر الذي بات يهدد بتقويض أعلى هيئة تمثيلية للفلسطينيين في الداخل، ألا وهي لجنة المتابعة.
رضخت لجنة المتابعة هذا الأسبوع لضغوط دعاة "الشراكة العربية اليهودية" واضطرت للتراجع عن بيان صدر عنها، وأعادت توزيعه بعد تعديله بما تيتماشى مع توجههم إزاء الاحتجاجات الإسرائيلية. إلا أن الأسوأ وقع يوما قبل ذلك، وتمثل في تصريحات للنائب بركة في ختام مظاهرة نظمتها الجبهة في عرابة البطوف تحت شعار "العدالة الاجتماعية"، تهجم فيها على "الانعزاليين" و "المغالين"، و"المتقوقعين" الذين يرفضون المشاركة في خيام "روتشيلد"، واتهمهم بأنهم "يأتون بمغالاة عاجزة وهابطة في القضية الاجتماعية ويقولون لا يجب ان نشارك في خيم روتشيلد، هذا كلام اقل ما يمكن القول عنه غير مخلص لقضايا الجماهير العربية وهو كلام غير وطني". ولم يسلم رئيس لجنة المتابعة من هجوم بركة حيث قال: " محمد زيدان يقول أن لا مكان للعرب في خيام اليهود ونحن نقول لمحمد زيدان بانه لا مكان لك في رئاسة لجنة المتابعة" .


الجانب الإيجابي الوحيد في تصريحات بركة أنه فتح المجال للنقاش العلني، وأتاح للجماهير العريضة الاطلاع على مواقفه، كما أتاح للآخرين الرد عليه وتبيان مواقفهم بعد أن كانوا يتجنبون الصدام من منطلق الحرص على وحدة وطنية متأرجحة تجمعها توافقية لجنة المتابعة باتت هي أيضا في مهب الريح، ولكن بما أن الباب فتح، فلا شك بأنه سيقال الكثير قبل أن يغلق..

تشكل أزمة السكن محورا رئيسيا لاحتجاجات الشارع الإسرائيلي، وبما أن قضية السكن مرتبطة بالأرض فهي تمس عصبا حساسا لدينا. تنبع أزمة السكن لدى فلسطينيي الداخل من سياسة مشتقة من طبيعة نشوء وقيام إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وتهجيره، وكل ما تبعها من مصادرة أراضي وتضييق الخناق على البلدات العربية، ومن سياسات التهويد وهدم البيوت والتهميش والإفقار ومحاصرة الوجود العربي الفلسطيني عموماً، وتتداخل فيها قضية التهجير ومصادرة أملاك المهجرين واللاجئين الفلسطينيين.
أما اليهود فقد جمعهم
المشروع الصهيوني من كل أصقاع الأرض، وحلوا مكان اصحاب البلاد، بعد الاستيلاء على منازلهم وأراضيهم، فأزمة السكن لديهم نابعة من سياسة اقتصادية اجتماعية، وسلم أولويات يطغى عليه الطابع الأمني، والتراجع في مساهمة الدولة في البناء لهم وفي تسهيل حصولهم على سكن كما فعلت دائماً، ومن سياسات اقتصادية نابعة من اعتماد أعمى على مبادئ السوق الحرة وعلى رأسمالية الحيتان.

فأين وجه التقاطع في أزمة السكن بين السالب والمسلوب؟

كيف يمكن أن نجد قاعدة مشتركة للنضال بين عائلة ابو عيد في اللد، التي هدمت منازلها السبعة، وبين من يطالب بتكثيف الاستيطان في اللد؟ أو بين سكان العراقيب التي هدمت 30 مرة، وبين مواطن من "رمات أفيف ج" يسعى للحصول على مسكن بأسعار وشروط مريحة. كيف لعائلة العجو المهددة بالإخلاء من مدينة الرملة- تلك المدينة التاريخية التي أصبحت بشكل مخطط ومنهجي حي فقر على هامش المدينة اليهودية- أن تناضل إلى جانب الحركة التي تخطط لإقامة مشاريع تهويد مكان بيوتها؟

كيف ستناضل سخنين إلى جانب "مسغاف"- ذلك الوحش الاستيطاني الذي التهم كل ما حولها وحاصرها حتى الاختناق؟ وكيف يمكن ان نجد قاسما مشتركا بين ابن الطيبة التي تتعرض لمخططات هدم واسعة وبين المستوطن من "معاليه أدوميم"؟ وما هي القاعدة المشتركة للنضال بين "يساريي وفناني عين هود"، واهالي عين حوض الأصلييين الذين يتجرعون المرارة حين يمرون عن بيوتهم ؟
كيف يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية في ديمقراطية الأسياد دون أن تلغي نفسها؟ وما هو مفهوم العدالة الاجتماعية في مجتمع عنصري هجر شعبا آخر وحل مكانه؟

هل أخذتكم نشوة الاندماج في مظاهرات اليسار الصهيوني إلى حد التماهي التام، ومغالاة البعض في ذلك إلى حد التعبير عن افتخارهم بإسرائيليتهم. وماذا كانت نتيجة الهرولة إلى "روتشيلد"؟ وعد غير ملزم من اليسار الصهيوني بطرح بعض القضايا العربية كالقرى غير المعترف بها، والخرائط الهيكلية، كما صرح النائب بركة.

هل يتوقع دعاة الشراكة أن تخرج حكومة نتنياهو عن طورها وتتهافت على قرانا العربيةـ لحل مشاكلها؟ ألا يسألون أنفسهم كيف ستحل أزمة السكن؟ وعلى حساب وأراضي من؟

يأتيهم الجواب دون عناء السؤال من وزير الداخلية إيلي يشاي الذي أقر توسيع مستوطنة حاريش، وبناء آلاف الوحدات السكنية في القدس، لاحتواء الاحتجاجات وتقديم حلول لأزمة السكن. وتبعه قرار لوزير الأمن، باراك، ببناء مئات الوحدات السكنية في الضفة الغربية، لإرضاء المستوطنين الذي دخلوا معترك الاحتجاجات. وها هم غلاة المستوطنين يدوسون على مفاهيم الشراكة ويقيمون تحت وقع الاحتجاجات بؤرة استيطانية في جبل طرعان. وماذا عن مشاركة المستوطنين في احتجاجات تل أبيب؟ هل هي مشاركة اقتصادية - اجتماعية ايضاً؟
تعرف إسرائيل نفسها بأنها "دولة اليهود"، أي لكل يهود العالم، لكنها ليست لأصحاب البلاد الأصليين، الذين تعتبرهم خطرا ديمغرافيا، واستراتيجيا، وتتعامل معهم انطلاقا من هذه العقيدة(أي هي للأثيوبي والروسي وليست لدعاة الشراكة). في بنية إسرائيل وتركيبتها وظروف نشوئها غير الطبيعية- من غير المنطق ألا تكون عنصرية، ومن الطبيعي أن تسن قوانين تشرعن هذا التوجه وتخدم مشروعها الإحلالي، وأن ترتكب أبشع الجرائم بما فيها هدم المنازل والتهجير والتهويد بغطاء قانوني، ويصبح من الطبيعي أن تتحول قوانين تنظيم البناء التي تبدو في ظاهرها بريئة، إلى أداة هدم وحصار وتضييق على الفلسطينيين، وأن تستخدم قوانين السكن الشعبي في المدن الساحلية كأداة تهجير للعرب .

هذا اليسار الذي يشاركه دعاة الشراكة "النضال"، هو يسار كاذب ومنافق، ولو كان غير ذلك لاعترف بالظلم الذي وقع على شعبنا. هو يسار يدور في فلك الصهيونية ولا يخرج من مفاهيمها، ويدفع ضريبة يساريته بشعارات تسقط أمام أول امتحان (بالمقابل هناك قوى يهودية غير صهيونية موقفها متقدم عن الكثير من الأحزاب العربية).

لا يفهم مما قيل أعلاه أن هناك دعوة للانعزال، بل على العكس ثمة ضرورة لتصعيد نضال مواز يجتاح كل بلدة عربية ويرفع قضاياها بقوة ويشدد على ألا تكون حلول السكن لليهود على حساب العرب. ولا شك أن الإصلاحات الاقتصادية التي تعكف اللجنة الحكومية على بلورتها، قد تعود بفوائد اقتصادية على العرب.

لسنا مع الانعزال لكننا ضد الإلحاق بمواكب اليسار الصهيوني، لسنا مع التقوقع لكننا ضد الاذدناب لخيام روتشيلد. لدينا ازمة سكن وعلينا ان نناضل من اجل حقوقنا، ولكن ليس تحت مظلة الصهيونية.

لكن في العمق، لن تحل مشاكلنا بشكل جذري، ما لم تتغير أمور أساسية تستحضر احتلال عام 1948 والتهجير وتنطلق منه. وما "النضال العربي اليهودي" في كنف الصهيونية إلا ضرب من الوهم والكذب على الذات وعلى الجماهير.. وإذا كان لا بد من خيمة عربية في "روتشيلد" فلتكن خيمة النكبة.

التعليقات