08/09/2011 - 13:09

عرب النقب وأراضيهم: بين مطرقة القوننة وسندان الأمننة../ د. ثابت أبو راس*

الحديث يدور عن مصادرة أراض تساوي أكثر من 75% مما يملكه عرب البلاد. إنها نكبة صغرى يجب عمل المستحيل من أجل تجنبها

عرب النقب وأراضيهم: بين مطرقة القوننة وسندان الأمننة../ د. ثابت أبو راس*
تستعد حكومة إسرائيل في جلستها في الأسبوع القادم للتصويت على مخطط "برافر" والمعروف باسم "خطة توطين عرب النقب" أو مخطط "تطبيق قرارات لجنة "غولدبرغ". فبعد أكثر من سنتين ونصف من الاستعدادات والنقاشات في الدوائر الحكومية توصلت لجنة برافر إلى ضرورة سلب حقوق ملكية عرب النقب في أراضيهم. هذه الخطة فيما لو صادقت عليها الحكومة، مع التعديلات الأخيرة، تنص على التهام حوالي 500 ألف دونم من أصل 600 الف دونم من أراضي عرب النقب التي ترفض الحكومة تسجيل ملكيتهم عليها. وتنوي حكومة إسرائيل سن قانون خاص في الكنيست لتمرير هذه السياسة العنصرية تجعل من سكان القرى الغير معترف بها مخالفين للقانون بمجرد سكنهم على أراضيهم.
 
المقلق في الأمر أن جماهيرنا العربية في النقب والمثلث والجليل لا تدرك، بما فيه الكفاية، حجم وخطورة هذه الهجمة وانعكاساتها على مستقبلنا في وطننا. وللمقارنة فإن كل ما يملكه المواطنون العرب في الجليل والمثلث بملكية خاصة لا يزيد عن 650 ألف دونم. أي أن الحديث يدور عن مصادرة أراض تساوي أكثر من 75% مما يملكه عرب البلاد. إنها نكبة صغرى يجب عمل المستحيل من أجل تجنبها. كيف لا وكل من عمل على إعداد المخطط وتنفيذه هو من رجال الجهاز العسكري الإسرائيلي. فإيهود برافر جاء من جهاز المخابرات ووظيفته الأخيرة كانت نائب رئيس مجلس الأمن القومي. أما الجنرال يعقوب عميدرور، رئيس مجلس الأمن القومي الحالي، فهو من أدخل التعديلات الأخيرة على الخطة وجعلها أكثر سوءا بضغط من ليبرمان وأحزاب اليمين المتطرف. مقابل ذلك وعلى الأرض يرأس السلطة لتوطين عرب النقب ضابط الشرطة المتقاعد إيهود باخر. والأنكى من ذلك أن الحكومة الإسرائيلية تنوي تعيين الجنرال دورون ألموغ إياه (الذي لا يستطيع دخول بريطانيا بسبب اتهامه بجرائم حرب) مسؤولاً من قبل الحكومة على تنفيذ المخطط. إذا الحكومة الإسرائيلية تتعامل مع عرب النقب وكأنهم مشكلة أمنية وبحاجة لجنرالات لحلها وليست مسألة مدنية.
 
من جهة أخرى لا تخفي الحكومة الإسرائيلية نواياها تجاه عرب النقب. فسياسة التهجير القسري والحصار من خلال تركيز كل عرب النقب في منطقة السياج الممتدة من رهط شمالاً حتى ديمونا جنوبًا والمدعوة منطقة "السياج"، مستمرة منذ سنوات الخمسين من القرن الماضي حتى يومنا هذا. وتستعد حكومة إسرائيل اليوم ومن خلال خطتها إلى تقليص منطقة السياج أكثر وأكثر من خلال إقامة بلدات يهودية فيها وتضييق الخناق أكثر على عرب النقب من خلال هدم ما ينيف عن عشرين قرية عربية وتجميع سكانها في البلدات القائمة.
 
الممعن في هذه الخطة يرى البعد الأمني والعقلية الأمنية في بنودها. حيث تنص بمعارضة تعويض عرب النقب عن أراضيهم في النقب الغربي، غربي شارع 40، المؤدي من مفرق بيت كاما إلى مدينة بئر السبع (أرض مقابل أرض) وتقترح الحكومة الإسرائيلية التعويض المادي فقط لسكان هذه المنطقة التي هجروا منها بعد العام 1948. إخلاء هذه المناطق الخصبة الواسعة من سكانها العرب والتخطيط لهدم قرى غير معترف بها محاذية للخط الأخضر مثل: أم الحيران، عتير وسعوة وتل عراد هدفه إبعاد عرب النقب عن المناطق الحدودية مع قطاع غزة وجبال الخليل، وبالتالي منع التواصل الديمغرافي الموهوم بين شقي الدولة الفلسطينية العتيدة.
 
لقد أصبح الخطاب والتشريع الأمني للمؤسسة الإسرائيلية مدخلاً لحل قضايا عرب النقب. فسكان قرية قطامات غير المعترف بها، لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب لأن قريتهم تقع في منطقة عسكرية. أما قرية أم الحيران فهي متاخمة للخط الأخضر لذلك يجب هدمها وبناء بلدة يهودية اسمها "حيران" مكانها للحفاظ على الحدود. أما الحاجة لإقامة منشآت عسكرية في النقب الواسع فهو أمر مستحب ومرحب به إسرائيليًا ما دامت تقام هذه فوق القرى غير المعترف بها وعلى حساب سكانها. وقد علمنا الماضي أن المؤسستين التخطيطية والتشريعية الإسرائيليتين جاهزتان لهذا الأمر دائما وعلى استعداد تام لتفصيل قوانين خصيصًا لشرعنة هذه السياسات.
 
وهذا ما حدث في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد والانسحاب الإسرائيلي من سيناء حيث تم إخلاء آلاف المواطنين البدو من أراضيهم في تل الملح، ومصادرة أكثر من ستين ألف دونم من أراضيهم من اجل إقامة مطار "نفتيم" العسكري.
 
خطة برافر خطيرة ولا يمكن تطبيقها، لا في نصها الأول ولا نصها الأخير والمعدل. ليس فقط لأنها لا تصحح الغبن التاريخي بحق عرب النقب منذ العام 1948، بل لأنها تكرس سياسة العزل، الحصار والتضييق ولا تضع الحلول لقضايا عرب النقب الأهم، قضايا الأرض، التخطيط والعدل الحيزي.
 
لقد عرف شعبنا معارك أرض ناجحة في الماضي في بيت جن، الكرمل ومنطقة الروحة.
 
الصمود والتحدي ووحدة الجماهير كانت أحجار الزاوية في نجاح هذه الأيام المشهودة من تاريخ شعبنا. وللتذكير فإن الإضراب العام في يوم الأرض الأول في العام 1976 والذي سقط فيه ستة شهداء قد حدث في أعقاب مصادرة 15 إلف دونم في أرض المل في مثلث: سخنين، عرابة ودير حنا. نستطيع إدراك هول الهجمة عندما نعلم أن الحديث اليوم يدور عن التهام نصف مليون دونم من الأرض العربية في النقب.
 
إن الوضع الحالي والشرذمة القائمة اليوم بين السكان العرب في النقب لا يبشران بخير. والتسونامي القادم من قبل الحكومة المتمثل بسياستها العنصرية يتطلب تحصين عرب النقب وتدعيم نضالهم. النقب وسكانه بحاجة إلى مظلة عربية قطرية تحمي هذا النضال وتدعمه. هناك مسؤولية تاريخية كبرى تتحملها لجنة المتابعة بكل مركباتها، ليس فقط لدعم عرب النقب ومؤسساتهم بل بالمشاركة الفعالة في الذود عن خط الدفاع الأول والأخير لعرب هذه البلاد هو خط الدفاع عن الأرض العربية في النقب.
 
 حان الوقت لأن تنقل لجنة المتابعة مقرها للسنتين القادمتين إلى بئر السبع. هذه الخطوة فيما لو نفذت من شأنها المساهمة في رص صفوف عرب النقب، زيادة ثقة الناس بأنفسهم وبقدرتهم على الذود عن أراضيهم. من جهة أخرى هذه الخطوة ستزيد من ثقة الناس بمؤسسات شعبهم وتلاحمهم معها أيضا. فهل من مجيب؟

التعليقات