09/09/2011 - 10:07

درس تــركـــــيّـــــا‪/‬ عوض عبد الفتاح

دخل الخلاف بين تركيا وإسرائيل مرحلة جديدة بعد رفض الأخيرة تقديم اعتذار رسمي وتعويض لأهالي الشهداء الأتراك الذين سقطوا بنيران قوات البحرية الاسرائيلية أثناء الهجوم على سفينة مرمرة التركية.

درس تــركـــــيّـــــا‪/‬ عوض عبد الفتاح

دخل الخلاف بين تركيا وإسرائيل مرحلة جديدة بعد رفض الأخيرة تقديم اعتذار رسمي وتعويض لأهالي الشهداء الأتراك الذين سقطوا بنيران قوات البحرية الاسرائيلية أثناء الهجوم على سفينة مرمرة التركية.

وبذلك تكون إسرائيل ماضية في غيّها وغير مدركة ولا قادرة على هضم التحوّلات الجارية في المنطقة، واستنتاج النتائج المطلوبة. هي ترى هذه المتغيرات الاستراتيجية، الإقليمية، العربية والإسلامية، سواء من الشمال أو من الجنوب، وتتحسس المخاطر الجدية التي تشكلها هذه المتغيرات على منظومة السيطرة الصهيونية في المنطقة. ولكن طبيعة الكيان الاسرائيلي الذي قام على النهب والاستيطان وهدم وطن لشعب بأكمله، وعلى أيدلوجية عنصرية انعزالية، تجعل من إمكانية التنازل عن هذه العقلية والممارسة طوعيًا غير واردة إطلاقًا.

إسرائيل تنشغل في التحديات والمخاطر المحيطة بها، ولكن قادتها الممسكين بدفة الدولة ينشغلون في كيفية تقوية جهاز الهيمنة والاحتلال ونظام السيطرة بأحدث أنواع الأسلحة. هم يعلنون أنهم يرغبون بالسلام، ولكنهم وعلى لسان باراك، في حفل تخريج فوج من قوات البحرية الاسرائيلية يوم الأربعاء، "فإن إسرائيل لا يمكن أن تحقق السلام وهي ضعيفة" ما معناه وهذا ما قاله، على إسرائيل أن تـُضيف المزيد إلى قوتها العسكرية. مع أن هذه القوة كشفت في السنوات الماضية محدوديتها في مواجهة شعوب المنطقة.

هذا ما كان منذ وطأت قدم أول صهيوني أرض فلسطين. إنه الجدار الحديدي الذي تحدث عنه قائد الجناح التنقيحي في الحركة الصهيونية، جابوتنسكي. وفلسفته تقوم على بناء القوة العسكرية الضاربة التي تجعل الفلسطيني يذوّت أبديّة المشروع الصهيوني في فلسطين، وأن يأتي بعدها صاغرًا، متوسلاً قبوله عبدًا تحت الهيمنة الصهيونية الاستعمارية. ولهذا اعتبر الثعلب شمعون بيرس اتفاقية أوسلو أعظم انتصار للحركة الصهيونية منذ إقامة إسرائيل. والحقيقة أن المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية حتى توقفها قبل عام (وكذلك العلاقات الأمنية القائمة حتى اللحظة) هي بمثابة تحقق للأمل والتخطيط الصهيونيين، والأمر الذي يشكل امتهانًا لشعب فلسطين ولحركته الوطنية ولقافلة الشهداء والأسرى الطويلة الذين ضحوا من أجل تحرير الوطن وتحرير الإنسان. لقد جاء هذا النهج الفلسطيني الرسمي اقتفاءً بنهج السادات الذي قدّم لإسرائيل أكبر هدية، وهي إخراج أهم دولة عربية من الصراع لتتحول فيما بعد وتحت قيادة حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة شعب مصر العظيم، إلى مقاول ثانوي في مشروع حماية إسرائيل كقلعة متقدمة للامبريالية الأمريكية والغربية في المنطقة العربية وشعوب الشرق. وتحول النظام العربي الرسمي بما فيها دول كانت في السابق تعلن وقوفها المبدئي ضد الامبريالية الأمريكية، إلى نظام يتقيّد بقوانين اللعبة الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل. ونظـّر الحكام العرب وأبواقهم من الإعلاميين والمثقفين، وبدعم من أجهزة الأمن لاستحالة مواجهة أمريكا وإسرائيل حتى دبلوماسيًا. فجاءت المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي وثم المقاومة اللبنانية ضد العدوان الاسرائيلي عام 2006 لتعيد الاعتبار للمقاومة بأشكالها المختلفة، بعد أن حققت إنجازات استراتيجية بالنسبة لشعوب الأمة العربية. وتبعتها الثورات العربية الشعبية لتشكل استمرارًا لهذه التراكمات، ولتمنع ثورة مصر دون تنفيذ عدوان إسرائيل وحشي آخر على قطاع غزة ردًا على عملية إيلات.

في المقابل، وإلى جانب هذه النماذج التي يُجسّد حالة تمرّد صاعدة واستعادة الشعور بالكبرياء، ظهر النموذج التركي. فنحن أمام دولة إسلامية حليفة للولايات المتحدة وحليفة لإسرائيل منذ الخمسينيات. فبعد انتقال نظامها، من العسكر والعلمانية الشديدة، إلى حزب العدالة، وبعد أن تصالحت مع بيئتها الثقافية (الإقليمية) بدأت تتصرف بكبرياء وباحترام للذات في تعاملها مع إسرائيل. ليس الخلاف مع إسرائيل أيدلوجي فقط بل هو أيضًا خلاف على المصالح، وعلى طموحها في تبوّؤ دور إقليمي في المنطقة. ما معناه أن سلوك تركيا السياسي الحرّ لا يُقيّده الحليف الأمريكي ولا الإسرائيلي. وهذا سلوك مختلف كل الاختلاف عن سلوك الحكام العرب الذين قبلوا أن يكونوا عبيدًا لأمريكا ولاستراتيجيتها في المنطقة.. وقبلوا أن يكونوا حلفاء لإسرائيل. والأمر يُطرح علينا أيضًا كفلسطينيين، هل قيادة السلطة الفلسطينية قابلة لهضم النموذج التركي (ونموذج الثورات العربية بطبيعة الحال)، أي هل هي على استعداد للمضيّ قدمًا في التحرّر من ذلّ نهج أوسلو ومواصلة المواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل وأمريكا عبر إعادة ملف القضيّة الفلسطينيّة إلى الأمم المتحدة وإتباع ذلك بالمقاومة الشعبية أم ستعود إلى نفس النهج بشروط محسّنة ومهينة؟

التعليقات