09/09/2011 - 10:17

عارنا في اللد وكرامتهم في بن غوريون!‪/‬ زهير أندراوس

فلنبدأ الحكاية من النهاية: قيام السلطات التركيّة بتفتيش المواطنين الإسرائيليين في مطار اسطنبول الدوليّ هذا الأسبوع، هو تصرف عنصريّ بامتياز، ولا يُمكن لأيّ عاقل، كان منْ كان، أنْ يُحاول إيجاد التبريرات والتسويغات له، كما أنّه من الأهميّة بمكان أنْ نشير في هذه العجالة إلى أننّا نرفض التشفي على المواطنين الذين تمّت إهانتهم في المطار التركيّ، لا لسبب، إلا لكونهم يحملون جوازات سفر الدولة العبريّة

عارنا في اللد وكرامتهم في بن غوريون!‪/‬ زهير أندراوس

فلنبدأ الحكاية من النهاية: قيام السلطات التركيّة بتفتيش المواطنين الإسرائيليين في مطار اسطنبول الدوليّ هذا الأسبوع، هو تصرف عنصريّ بامتياز، ولا يُمكن لأيّ عاقل، كان منْ كان، أنْ يُحاول إيجاد التبريرات والتسويغات له، كما أنّه من الأهميّة بمكان أنْ نشير في هذه العجالة إلى أننّا نرفض التشفي على المواطنين الذين تمّت إهانتهم في المطار التركيّ، لا لسبب، إلا لكونهم يحملون جوازات سفر الدولة العبريّة، ذلك أننّا، أولاً وقبل كل شيء، نؤمن بكونيّة القيم الإنسانيّة، ونعتقد بأنّ حريّة الإنسان على هذه البسيطة هي حريّة مطلقة، مستشهدين بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، مضافًا إلى ذلك، فإننّا نرفض الانسياق وراء الترهات والخزعبلات القائلة إنّ على الإسرائيليين أنْ يذوقوا طعم العنصريّة المرّة أكثر من العلقم، التي يقومون بإطعامها يوميًا للفلسطينيين، هنا في هذه الأرض، إذ أنّ هذا التوجه ينُم عن إشباع غرائز مُشوهة، لا ناقة لنا فيها ولا بعير.

***

ولكن مع هذا نقول إنّ الشيء بالشيء يذكر، وعليه لا يُمكن التوقف هنا، بل مواصلة التطرق إلى هذه القضيّة، ذلك أننّي كعربيّ وكفلسطينيّ، أعيش في دولة الأكثريّة اليهوديّة، ذقت مرارًا وتكرارًا عذاب التفتيش المهين والمُذّل في المطارات الإسرائيليّة، فقد تحوّلت كل سفرة لأيّ عربيّ من الداخل الفلسطينيّ إلى جزء لا يتجزأ من المشهد الذي بات مُتعريًا وعاريًا، خصوصًا في مطار اللد الدوليّ، والمعروف إسرائيليًا باسم مطار بن غوريون، ولكن يجب التشديد على أنّه خلافًا للإسرائيليين في مطار اسطنبول، لست ناقمًا على أولئك الذين يقومون بمهمة التفتيش المهين، ذلك أنّهم، إضافة إلى كونهم صهاينة، إيْ ينتمون قلبًا وقالبًا إلى حركة عنصريّة استعماريّة وتوسعيّة، قائمة على نفي الأخر، يتلقون الأوامر من سلطات الأمن في الدولة العبريّة، والحق يُقال إنّهم يقومون بتأدية واجبهم العنصريّ على أحسن وجه، بامتيازٍ، وبتفوقٍ يُثير الشفقة، وبرأينا المتواضع فإنّ كلّ من يعمل في مطار اللد هو عنصريّ أبًا عن جد، عنصريٌّ تسري في عروقه كراهية عمياء للناطقين بالضاد، ولكل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ذلك أنّ العنصريّة باتت رياضة وطنيّة يمارسها الإسرائيليون ببراعةٍ، ويُعوضون بتطبيقها عن إخفاقاتهم في الفوز بالميداليات خلال المسابقات الرياضيّة، وعلى الرغم من أننّا لا ندّعي فهم نظريّة العنصريّة وسُبُل تطبيقها على أرض الواقع، فإننّا نقترح على أركان دولة الاحتلال تنظيم مسابقة عالميّة في العنصريّة، شريطة أنْ لا يكون وزير الخارجيّة، أفيغدور ليبرمان، مشاركًا فيها، لأنّ تسجيل اسمه كمتسابق سيُخيف وسيُرعب باقي المرشحين للفوز بالميدالية الذهبيّة، وعليه لا غضاضة بأنْ يعكف هذا المستجلب من الاتحاد السوفييتي سابقًا على تنظيم مسابقة عالميّة في مسائل وقضايا انتقال الدولة العبريّة من مرحلة العنصريّة إلى مرحلة الفاشيّة.

***

قبل عشر سنوات ونيّف، وضمن عملي في مجال الصحافة، انضممت إلى رئيس الوزراء آنذاك، إيهود باراك، في زيارة لفرعون مصر الأخير، حسني غير المبارك، وصلت إلى المطار، ودخلت مع ممثلي وسائل الإعلام العبريّة، "الزملاء في المهنة"!، إلى نقطة التفتيش، دخل منْ دخل، دون تفتيش أوْ إهانة، وعندما وصل دوري، تلقيت أمرًا من رجل الأمن بالتوقف جانبًا، وبدأ الرجل بتوجيه الأسئلة الاستفزازيّة، ولكننّي حافظت على رباطة جأشي، أجبت على الأسئلة ببرودة أعصاب، أولاً لكي لا يشعر هذا القزم العنصريّ بأنّه حقق هدفه، وثانيًا لقناعتي التامّة، بأنّه يقوم بتنفيذ أوامر جهاز الأمن العام (الشاباك)، وثالثًا، لإيماني العميق بأنّهم أرادوا من وراء هذا التصرف الأحمق توجيه رسالة ليّ ولجميع العرب الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصلانيين، بأنّكم حتى لو حملتم جواز السفر الإسرائيليّ وبطاقة الصحافة الحكوميّة، فأنتم أولاً وأخيرًا من فئة المشبوهين، وحقوق المواطنة الفرديّة والجماعيّة، لا تسري عليكم. كما أننّي لا أُخفي عن الجميع حقيقة تفتيشي الدقيق في كل مرّة أُغادر فيها فلسطين عن طريق المطارات والمعابر الحدوديّة، وفي كلّ مرّة أتذكّر قول الشاعر: لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب.. لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها...تبقى الأسود أسودًا والكلاب كلاب، تبقى الأسود مخيفة في أسرها...حتى وإنْ نبحت عليها كلاب.

***

وهناك نقطة مهمة يجب التشديد والتأكيد عليها: المواطنون الإسرائيليون الذين تمّ تفتيشهم في تركيا كانوا من بين آلاف السياح اليهود الذين يزورون بلد أحفاد أتاتورك بهدف الاستجمام، أمّا نحن، يا أختي العربيّة ويا أخي الفلسطينيّ، فإننّا لسنا سياحًا في إسرائيل، التي هي موطننا، وبطبيعة الحال ليست دولتنا بأيّ حال من الأحوال، كما أننّا لسنا عابري سبيل، بل كنّا هنا قبل أنْ يصلوا هم من جميع أصقاع المعمورة إلى هذه الأرض، وسنبقى هنا إلى أبد الآبدين، شاء منْ شاء، وأبى من أبى، وُلدنا هنا قبل أنْ يخترعوا مقولتهم الكاذبة، والتي تمكّنوا للأسف من تسويقها للغرب الذي يدّعي التنور، إنّ فلسطين هي أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، كما أنّه يتحتّم علينا التوضيح بشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل: إنّ التفتيش المهين الذي يتعرض له عرب الـ48 في المطارات هو تحصيل حاصل، ذلك أنّه نتيجة مباشرة لسياسات الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، التي تنام عنصريّة وتستفيق فاشيّة، ويكفينا في هذا المقام التذكير بأنّه في الدورة الحاليّة للبرلمان الصهيونيّ، تمّ تشريع العديد من القوانين لتضييق الحيّز، الضيّق أصلاً، على تحركات الفلسطينيين في موطنهم، وتحجيم الديمقراطيّة، ديمقراطيّة الأكثريّة اليهوديّة، بهدف منع نحو 20 بالمائة من "المواطنين" العرب من المناورة ضمن الديمقراطيّة المزعومة، فهذه الدولة، التي باتت تعيش حالة فريدة من نوعها، حالة من العزلة الدوليّة بسبب سياساتها، تسير بخطى حثيثة نحو نظام العزل العنصريّ، الذي كان سائدًا في جنوب إفريقيا إبان حكم الأقليّة البيضاء، ولكي لا نُتهم بالتحريض، وهي تهمة ما زلت أنتظر قرار النائب العام تقديمي للمحاكمة بسببها أوْ شطبها، نُورد ما قالته الأسبوع الماضي البروفيسور غابرئيلا شاليف، مندوبة تل أبيب السابقة في الأمم المتحدّة لصحيفة (معاريف): أُحذّر من أنّ الدولة العبريّة بعد إقرار الأمم المتحدّة دولة فلسطين، ستبدو مثل جنوب أفريقيا في زمن التفرقة العنصرية، وإسرائيل تواجه تسونامي سياسيًا لم يسبق لها أنْ شهدت له مثيلاً، وهذا التسونامي سيُلقى بها، أيْ بإسرائيل، خارج السياج لتتعرض لعقوبات ومقاطعات شديدة. نهاية الاقتباس.

***

آن الأوان لأنْ ننتقل من مرحلة توجيه الاتهامات إلى الجلاد، دقّت ساعة الانتقال إلى مرحلة العمل العلميّ والمدروس: الشكاوى ضدّ عمليات التفتيش في المطارات لم تجد نفعًا، فهذه الدولة المارقة، لا تكتفي بعدم تنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة، بل أنّها لا تحترم حتى القرارات الصادرة عن أعلى هيئة قضائيّة فيها: المحكمة العليا، وبالتالي حتى لو أصدرت هذه المحكمة قرارًا يمنع إذلال المسافرين العرب، فإنّ السلطات ذات الصلة ستجد الطرق والوسائل للالتفاف عليه، مثل الحاجة الأمنيّة، البقرة المقدّسة لديهم، وبالتالي نسوق اقتراحًا لأعضاء الكنيست العرب وللجنة المتابعة، والاقتراح يقول بسذاجةٍ: علينا تقديم مشروع قانون إلى الكنيست بموجبه تتم مأسسة التفتيش في المطارات والمعابر البريّة والمائيّة، بحيث يُقام مسارٌ خاص بالعرب، باللون الأحمر، ومسارٌ ثانٍ لليهود باللون الأخضر، ونعتمد خلال تقديمه على مشروع العزل العنصريّ، الذي تفتق ذهن الاحتلال الإسرائيليّ لابتكاره في الضفة الغربيّة المحتلّة: شوارع خاصة بالفلسطينيين، وشوارع مُعدّة للصوص الأرض، أيْ قطعان المستوطنين.

***

وأخيرًا وليس أخرًا: في شهر شباط (فبراير) من العام 2007 تُوفيت في الولايات المتحدّة، السيدة د.لميس جرار، ابنة مدينة عكا، وفي الاستجواب الذي قدّمه النائب السابق، د. عزمي بشارة، إلى وزير المواصلات تبيّن أنّ شركة (إل عال) الإسرائيليّة رفضت نقل الجثة لدفنها في مسقط رأسها لأنّها لا تنقل جثث المسلمين، على حد تعبير ممثل الشركة. سيداتي وسادتي نقول ونفصل إنّ منْ لا يحترم جثة بسبب الانتماء الدينيّ، هو بمثابة صعلوك على شكل إنسان حضاريّ، أمّا الأخطر والأدهى فيتكشّف إذا لجأنا إلى العصف الذهنيّ: إذا كانوا يخشون الأموات من العرب والمسلمين، فما بالكم بالأحياء؟

التعليقات