16/09/2011 - 15:39

أزمة السكن في البلدات العربية / امطانس شحادة

ضائقة المسكن لدى المجتمع الفلسطيني تختلف إلى حد بعيد عن مشكلة ارتفاع الاسعار في المدن الإسرائيلية. فإذا كان العامل الأول في ارتفاع أسعار البيوت في المدن الإسرائيلية هو رغبة الشباب اليهود بالسكن في المركز وشحة العرض هناك، فان أسباب الأزمة في البلدات العربية تعود إلى: غياب مناطق بناء ملائمة؛

أزمة السكن في البلدات العربية / امطانس شحادة



ضائقة المسكن لدى المجتمع الفلسطيني تختلف إلى حد بعيد عن مشكلة ارتفاع الاسعار في المدن الإسرائيلية. فإذا كان العامل الأول في ارتفاع أسعار البيوت في المدن الإسرائيلية هو رغبة الشباب اليهود بالسكن في المركز وشحة العرض هناك، فان أسباب الأزمة في البلدات العربية تعود إلى: غياب مناطق بناء ملائمة؛ عدم إقرار خرائط هيكلية؛ ومسطحات نفوذ؛ عدم وجود بناء عمومي؛ عدم إقامة اي بلدة عربية جديدة منذ العام 1948؛ مصادرة أراضي. اي ان المسببات هي سياسية بامتياز وتعود لتعامل الدولة مع المواطنين العرب. المواطن العربي يبقى محاصرا داخل البلدات العربية، وفي افضل الحالات يحاول الانتقال الى ما يسمى المدن المختلطة، ويمنع، بواسطة القانون، من محاولة السكن فيما يُسمى بالبلدات الجماهيرية الصغيرة.

حجم الضائقة لدى المجتمع العربي

اظهر المسح الاقتصادي الاجتماعي للعام 2010، والذي نفذه مركز الجليل للأبحاث، أن 93% من الأسر الفلسطينية في إسرائيل تمتلك البيوت التي تسكنها، مقابل 66% من المجتمع الإسرائيلي. كما اظهرت المعطيات ان المجتمع الفلسطيني يعاني من نقص حاد بالأراضي بصورة عامة وبتلك المخصصة للبناء بصورة خاصة. مما يأهل ضائقة السكن لتتحول الى احدى القضايا الأكثر إلحاحا للمجتمع العربي، وفقا لمعدي التقرير. فقد اظهرت البيانات ان 55% من الاسر الفلسطينية في البلاد تحتاج الى وحدة سكنية واحدة اضافية على الاقل في السنوات العشر القادمة (اي 100,000 وحدة سكنية). تصل هذه النسبة في منطقة الشمال الى 57% وتنخفض تدريجيا في الجنوب لتصل الى 52%. وتقول 47% من مجمل الاسر الفلسطينية التي تحتاج الى وحدة سكنية واحدة على الأقل في السنوات القادمة انها لن تتمكن من بناء اي وحدة سكنية. وفقا لمعدي التقري فان المجتمع الفلسطيني سيواجه أزمة سكن حقيقة وخطيرة في السنوات القليلة القادمة.

معطيات ودراسات المركز العربي للتخطيط البديل تفيد أن طريقة تعامل الدولة مع ضائقة السكن تزيد الامور تعقيدا، كونه يتجاهل الى حد بعيد مشاكل البلدات العربية. فقد أظهرت دراسة أعدها المركز مؤخرا أن دائرة أراضي إسرائيل وفرت خلال الفترة بين عام 2005- 2010 فقط 21% من الأراضي المطلوبة لسد احتياجات المواطنين العرب من الوحدات السكنية، في حين وصلت هذه النسبة 59% للمواطنين اليهود.

إن تجاهل الدولة لضائقة السكن في البلدات العربية متواصل دون توقف، بل يبدو ان الحكومة الإسرائيلية تبحث عن أساليب لإخراج البلدات العربية من دائرة المستفيدين من اي خطة جدية للتعامل مع ضائقة السكن. فعلى سبيل المثال، حاولت برامج وزارة المالية لتخفيض أسعار المنازل وكبح الطلب عليها، بواسطة فرض ضرائب على من يقومون بشراء المنازل بهدف الاستثمار، أي لتأجيرها أو لبيعها عندما يرتفع سعرها. وحاول بنك اسرائيل لجم الطلب من خلال رفع فوائد قروض الاسكان وتشديد شروط الاقراض. في كلتا الحالتين لا تحمل تلك الوسائل حلولا لضائقة الاسكان في المجتمع العربي لأن الطلب على الوحدات الإسكانية فيه لا يتأثر بهذه الخطوات، فشراء الشقق السكنية لأغراض الاستثمار أمر شبه معدوم في الوسط العربي، كما أن منح القروض الإسكانية ليس متاحا لغالبية الأزواج الشابة العربية التي تُخطط لبناء أو شراء بيت في بلدة عربية. هذا مثال على تجاهل صناع القرار لخصوصية الأزمة الإسكانية العربية وحيثياتها الخاصة.

هذا التجاهل يظهر جليا من تعامل دائرة اراضي إسرائيل ومؤسسات التخطيط الرسمية مع احتياجات المواطنين العرب وتعامل وزير البناء والاسكان، أريئيل اتياس، بشكل خاص مع هذا الموضوع. بالنسبة لتعامل مؤسسات التخطيط مع احتياجات البلدات العربية فقط بينت دراسة للمركز العربي للتخطيط البديل ان هناك 33 مخطط لبناء 20 الف وحدة سكنية في بلدات عربية، لا تزال عالقة في مرحلة البحث والنقاشات في لجان ومؤسسات التخطيط والبناء المختلفة منذ 19 عاماً. علماً ان هذه المخططات هي بالأساس مخططات لتوسيع مناطق التطوير الموجودة حالياً. أي ان هذه المخططات بالكاد تفي بأغراض السكن في البلدات العربية في الوقت الحالي، دون الحديث عن الاحتياجات المستقبلية للبلدات العربية. وجاء في الدراسة ان وزارة الداخلية قد قامت بالإعلان عن اختيار 3 مخططات فقط، من أصل 33، تضم 911 وحدة سكنية (من أصل 20 الف) لتسريع المصادقة عليها وذلك في إطار خطة الطوارئ لتسريع البناء بهدف السكن في المناطق المختلفة من البلاد. وقال المركز ان المصادقة على كافة المخططات العالقة قد يساهم بحل مشكلة حوالي 50% من النقص بالوحدات السكنية بالإضافة الى انه كان بالإمكان حل جزء من مشكلة هدم البيوت المستفحلة في البلدات العربية.


اما وزارة البناء والاسكان فتتجاهل تجاهلا تاما تقريبا احتياجات البلدات العربية. وعدا عن مدينة الناصرة، لا يوجد للوزارة أي مشاريع بناء في بلدات عربية. بل انه حتى حين يعرض الوزير خطة للتعامل مع ازمة الاسكان في الدولة تستثني تلك الخطط المواطنين العرب بشكل كامل. فقد توصل وزير البناء والإسكان الى اتفاق مع وزارة المالية لمنح تسهيلات وهبات مالية بقيمة 100 ألف شيكل لشراء شقق في الضواحي- النقب والجليل. مراجعة البرنامج والخطط توضح ان عددا صغيرا من البلدات العربية مشمولة في هذه الخطة ( 8 من 28 بلدة) كونها تشمل البلدان المعرفة "منطقة تطوير أ" فقط، وتشمل البناء العامودي فقط.

اما خطة رئيس الوزراء وقانون "لجان الإسكان الوطنية" الذي تمت المُصادقة عليه في الكنيست الإسرائيلي بداية آب، والذي سيتم بموجبه إقامة ستة لجان خاصة لتسريع المصادقة على المخططات في الألوية المختلفة في البلاد، فهو أيضا يشمل بنودا تُبقي البلدات العربية خارج اللعبة. منها إن القانون لا يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية في مجال البناء لدى العرب، حيث يشترط القانون وجود أكثر من 200 وحدة سكنية في مشاريع الإسكان، كما ويشترط إقامتها على أراضي 80% منها على الأقل أراضي دولة، الأمر الذي لا ينطبق على البناء في البلدات العربية.
اختار الجمهور اليهودي أزمة السكن لتكون الشرارة التي تُشعل نار الاحتجاج وتكشف عن مدى الغبن والظلم الاجتماعي الذي تعاني منه الطبقات الوسطى والفقيرة في البلاد. وحتى كتابة هذه السطور لا يعرف أحد إلى أين ستصل هذه الهبة. فمتى ستُشعل أزمة السكن في المجتمع العربي، الآتية لا محالة، شعلة الاحتجاج عند عرب البلاد وماذا ستحرق في طريقها؟

 

التعليقات