26/09/2011 - 17:30

لجان الحماية الشعبية كرد شعبي على اعتداءات المستوطنين المنظمة../ جمال برهم

في سياق النضال الوطني الفلسطيني المديد والغني بالمقاربات الشعبية الخلاقة، كان الشعب الفلسطيني وتعبيراته الوطنية والمجتمعية بمستوى من الذكاء والإرادة مما مكنه تقديم الإجابات على ما تطرحه المتغيرات وتطوراتها من تساؤلات كانت تبدو أحيانا أنها صعبة وحارقة

لجان الحماية الشعبية كرد شعبي على اعتداءات المستوطنين المنظمة../ جمال برهم
في سياق النضال الوطني الفلسطيني المديد والغني بالمقاربات الشعبية الخلاقة، كان الشعب الفلسطيني وتعبيراته الوطنية والمجتمعية بمستوى من الذكاء والإرادة مما مكنه تقديم الإجابات على ما تطرحه المتغيرات وتطوراتها من تساؤلات كانت تبدو أحيانا أنها صعبة وحارقة.
 
وفي جميع المحطات النضالية والتي كانت تأخذ طابع المقاومة الشعبية تحديدا، وأبرز نماذجها انتفاضة كانون 1987، كانت الركيزة التنظيمية تتكامل مع الركائز الأخرى السياسية، الكفاحية والديمقراطية، لتعطي المقاومة الشعبية زخمها وتمدها بمقومات الاستمرارية والتجذر.
 
وسعيا منها لتصليب الركيزة التنظيمية، وحتى تكون قادرة على تأطير الفعل الشعبي، فقد عمدت القوى على تشكيل الهياكل والأطر واللجان المختلفة، لتجد القطاعات الجماهيرية ذاتها بفئاتها المختلفة منخرطة في الفعاليات والمناشطات الانتفاضية والشعبية بغض النظر عن تموضعاتها السياسية، القطاعية و الاجتماعية، فتشكلت لجان الأحياء والخدمات الصحية والغذائية ولجان التعليم الشعبي ولجان المصالحات الشعبية واللجان الضاربة وكذلك ما درج على تسميتها بلجان الحراسة والحماية الشعبية.
 
ولجان الحماية الشعبية ليست فكرة طارئة بل تمتد جذورها عميقا في النضال الوطني الفلسطيني، ومقارباتها راسخة وممتدة في مسيرة هذا النضال، ففي ثورة 36-39 تشكلت لجان الحراسة والتي تكثفت مهامها بالسهر الليلي وحراسة مداخل القرى ومشارفها لرصد وتتبع تحركات جيش الانتداب البريطاني ودب الصوت عند الاقتحامات والهجمات من قبل قوات هذا الجيش، محذرة بذلك الثوار وأهالي القرى. وكانت هذه اللجان تقوم بإشعال النار في نقطة محددة ومتفق عليها مع القرى المجاورة لتخبرهم بوقوع هجوم أو اقتحام ليأخذوا حذرهم، وأحيانا ليهبوا لدعم ونجدة القرى التي تتعرض للهجوم.
 
 وبعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 67 بادرت بعض القرى وعبر مجالسها المحلية في منطقة سلفيت الأكثر استهدافا من قبل المستوطنين بتعيين موظفين سموا بنواطير الأرض لحراسة الأراضي والمزارع والحقول من محاولات التخريب والحرق.
 
وفي الانتفاضة المجيدة عام 87 تشكلت في المدن والقرى والمخيمات لجان الحماية الشعبية الموحدة، والتي كان من مهامها تناوب الحراسة الليلية في الأحياء والقرى ومراقبة تحركات جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين وعملاءهم المأجورين، لتعلن عبر وسائل متفق عليها سواء من خلال الصفارات أو مكبرات الصوت عن وقوع اقتحام أو اعتداء، ليهب الناس والمجموعات الضاربة بالتصدي للهجمات والاعتداءات أو ليأخذ المطاردون والمطلوبون حذرهم، بحيث لعبت هذه اللجان دورا متميزا في إفشال العديد من الاقتحامات والاعتداءات، هذا عدا عن حمايتها لممتلكات الناس من السرقة أو التخريب، وبذلك مثلت لجان الحماية الشعبية أحد أهم أذرع الانتفاضة وجاءت لتعبر عن مستوى عال من الوعي لأهمية التأطير والتنظيم للفعل الشعبي حتى يتجاوز حالة العفوية ورد الفعل المرتبك، مما يرفع من منسوب الجهوزية للمجاميع الشعبية لتكون بمستوى الاستحقاقات الماثلة أمامها.
 
ولعل ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من تصعيد يومي وممنهج للاعتداءات والعربدات من قبل المستوطنين بدعم وحماية وتغطية من جيش الاحتلال، والتي تستهدف كافة المناطق والقرى الفلسطينية وتحديدا القريبة من المستوطنات وما يسمى بالشوارع الالتفافية، هذه الاعتداءات التي تجري اليوم تحت شعار "السيادة" بعد أن كانت تجري في السابق تحت شعار "جباية الثمن"، نجد أنها اليوم تأخذ طابعا نوعيا جديدا ومنظما من حيث التخطيط والتنفيذ والانسحاب أو الهرب، بحيث تقوم مجموعات المستوطنين المنفلتة من عقال جنونها الصهيوني العنصري بتشكيل خلايا سرية يتم تدريبها جيدا، وتحديد وسائل خاصة للاتصال فيما بينها وأحيانا بعيدا عن استخدام الهواتف الخليوية وتحديد بنك أهداف لاعتداءاتها بعد أن يتم رصد مداخل ومخارج القرى والمواقع المرشحة للاعتداء، والتعرف على طبيعة التواجد والحركة في شوارعها.
 
 وتتركز حاليا هذه الاعتداءات في مناطق نابلس وسلفيت ورام الله والخليل، ومن المتوقع أن تتوسع و تتصاعد هذه الاعتداءات في الأيام القادمة ارتباطا بتداعيات الحركة السياسية وتوجه الفلسطينيين للأمم المتحدة بطلب نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، وكذلك مع اقتراب موسم قطف الزيتون والذي يشهد في كل عام تكثيفا وتصعيدا للاعتداءات والانتهاكات من قبل جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، مما بات يستلزم من القوى والمكونات الشعبية في المناطق والقرى المختلفة المبادرة السريعة لتشكيل لجان الحماية الشعبية الموحدة، كي تأخذ على عاتقها حراسة القرى ومداخلها وأراضيها وكرومها، وترصد حركة المستوطنين لتقوم بإبلاغ الناس عن أي تحركات مشبوهة، ليقوم الأهالي والشباب واللجان الشعبية بالتصدي للاعتداءات والدفاع عن قراهم وممتلكاتهم وكروم زيتونهم، إذ ليس من المعقول أن تبقى القرى الفلسطينية مستباحة لعربدات وزعرنات المستوطنين ليعيثوا فيها انتهاكا وتخريبا.
 
ولعل الشباب الفلسطيني والقوى الفلسطينية الحية لديها من الإرادة و الخبرات المتراكمة القادرة على تشكيل هذه اللجان وبطرائق وآليات عمل إبداعية تستوعب التجارب والمقاربات السابقة، وتجيب على الخصوصيات الوطنية والاجتماعية في كل منطقة وقرية وتجمع. فإن كانت اليوم بلعين ونعلين والمعصرة وبيت أمر والنبي صالح نماذج متقدمة في التصدي للإجراءات والاعتداءات الاستيطانية الصهيونية العنصرية، فحركة الواقع تؤشر أن المقاومة الشعبية كخيار نضالي قد بدأ يشق طريقه لمواجهة ما تتعرض له الأرض الفلسطينية من هجمة استيطانية مسكونة بدعوات التطهير العرقي والعنصرية.

التعليقات