28/09/2011 - 09:09

"استحقاق أيلول".. إعادة إنتاج ذات البضاعة../ نزار السهلي

تنقضي أيام أيلول، كما في كل عام وكل وقت لتتضح الصورة عند كل اعتلاء لسيد البيت الأبيض منبر المنظمة الدولية "مشددا على أمن إسرائيل كإستراتيجيه أولى" لأي إدارة أمريكية تتربع في البيت الأبيض. ويقدم نتنياهو خطابه التوراتي الناسف لكل أوهام الاستعطاف الدولي مع عذابات الشعب الفلسطيني أمام تخلخل وانهيار الجبهة الفلسطينية المفاوضة. فُزنا بالابتزاز والضغط والإهانة لكل المجتمع الدولي المرتبك والحائر وللجانب الفلسطيني الفاقد لروحه وأسلحته التي أضاعها طيلة عقدين متدحرجا أمام المفاوض الإسرائيلي

تنقضي أيام أيلول، كما في كل عام وكل وقت لتتضح الصورة عند كل اعتلاء لسيد البيت الأبيض منبر المنظمة الدولية "مشددا على أمن إسرائيل كإستراتيجيه أولى" لأي إدارة أمريكية تتربع في البيت الأبيض. ويقدم نتنياهو خطابه التوراتي الناسف لكل أوهام الاستعطاف الدولي مع عذابات الشعب الفلسطيني أمام تخلخل وانهيار الجبهة الفلسطينية المفاوضة. فُزنا بالابتزاز والضغط والإهانة لكل المجتمع الدولي المرتبك والحائر وللجانب الفلسطيني الفاقد لروحه وأسلحته التي أضاعها طيلة عقدين متدحرجا أمام المفاوض الإسرائيلي.
 
لعل الرسالة الأبرز من حدث أيلول الفلسطيني، تكمن في كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، عند حديثه "عن التمسك بالضفة الغربية وبالجبال المحيطة بها، كأرض حيوية لإسرائيل" وعدم اعترافه بكل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، وأيضا بكلمة الرئيس الأمريكي اوباما "لا مجال للطريق المختصرة لإنهاء النزاع " والمقصود القرارات والمنابر الدولية، بل في غرف المفاوضات المظلمة!
 
يذهب أيلول ويقدم الفلسطينيون طلب الاعتراف "بالدولة"، متخطين كل المصاعب والضغوط التي مورست عليهم لثنيهم على أن تكون لديهم "كيانية" مستقلة بحدود واضحة على كل الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 67، وقدم "أبو مازن" طلبه للمنظمة الدولية، التي قابلته بتصفيق حار بعد" انهمار" الاعتراف الدولي الداعم لعضوية فلسطين، تاركا خلفه وضعا داخليا متشرذما.
 
الالتباس الحاصل في وضع الجبهة الفلسطينية الداخلية، ينطوي على كثير من المخاطر تعتلي فن الخطابة السياسة التي برع في تقديمها أبو مازن، من حالة الانقسام إلى ظروف وكيفية مواجهة حرب الاستيطان التي تشنها إسرائيل على الأرض الفلسطينية، فسلمية الخيار النضالي مع البحث الفصائلي عن حصة ما بعد أيلول من كعكة المصالحة لا توفر جبهة للتصدي لكل العربدة الصهيونية، وهو التباس يكمن في التفاصيل الشيطانية للتنسيق الأمني الذي يضرب كل مقاومة لهجمات المستوطنيين التي تنهب الأرض.
 
الربيع الفلسطيني الذي تحدث عنه أبو مازن، وبعبارات ممزوجة بالمشاعر العاطفية لن تبني وتؤسس دولة في الغد القريب وقد خرج منها آخر جندي محتل وأخر مستوطن مستورد من أصقاع الأرض، فالتصعيد المستمر والسطو على الأرض والممتلكات لم يتوقف للحظة واحدة قبل المفاوضات وبعدها. ففي ذات الوقت التي تخرج تصريحات الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي المعبرة عن الرغبة الجامحة في العودة للمفاوضات، يقدم نتنياهو برنامجه التفاوضي على أساس الشعور المتعالي لدولة الاحتلال مع قضية الشعب الفلسطيني وفي الأجندة الإسرائيلية مزيد من الأساطير التوراتية، يصف نتنياهو المنظمة الدولية "بالغرفة المظلمة " فيها ضوء ينبلج من واحة "الديمقراطية" الوحيدة التي تمثلها إسرائيل في المنطقة. هذا التهكم على المنظمة الدولية التي منحت إسرائيل أول اعتراف بها على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني من خلال قرار التقسيم الشهير في العام 1947، هو تهكم على الحق والتاريخ الفلسطيني الذي لا يسمح له بالعودة 63 عاما الى الوراء بينما يلوح نتنياهو بأسطورة خرافية تعود لـ 3000 عام حين قال: " هل تعلمون من أين جاءت تسمية اليهود؟ إنها تعود إلى منطقة يهودا. ويوجد حالياً في مكتبي ختم قديم عبارة عن خاتم للتوقيع لمسؤول يهودي من عصر الكتاب المقدس. وقد تم العثور على هذا الختم بمحاذاة الحائط الغربي ويعود تأريخه إلى حوالي 2700 عام أي إلى عهد الملك حزقيا".
 
وبهذا الأفق الذي تتجه فيه أحداث انتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبإحداث مأساة جديدة من إعادة الفريق الفلسطيني لطاولة المفاوضات كطريق وحيد "للدولة" مع غياب البرنامج الوطني الكفاحي للتحرر من الاحتلال تتواصل وتبقى الصرخة إياها، لإشعال فتيل التصدي لكارثة المفاوضات بالاقتراب من إرادة الشعب الفلسطيني لوقف الانهيار والتأشير لطريق آخر هو خيار الأغلبية الساحقة من شعب فلسطين الذي يستمر في المقاومة، ويرفض كارثة المفاوضات التي أضاعت 80% من ارض فلسطين التاريخية.
 
عرض لإنتاج ذات البضاعة
 
من هنا تبدأ معالم المشروع الذي تتسابق لتسويقه، الإدارة الأمريكية والرباعية الدولية، آخذين بالأفكار الإسرائيلية للوصول إلى مخرج ينتج ذات البضاعة الرديئة مع تحسينات لفظية، يلقى بها في وجه الشعب الفلسطيني، إذ كيف لأصحاب نظرية "وحدانية " الخيار المفاوض الذي يُعبر عنه فلسطينيا وأمريكيا وإسرائيليا أن يوفر الزخم الكافي من خلال الالتزام بميزان المفاوضات الذي يميل دوما في مصلحة فرض الاملاءات والشروط الإسرائيلية أن يبعث دينامية جديدة هي بالأصل صناعة إسرائيلية وعلى مسائل كبرى من نوع الاستيطان والحدود والقدس واللاجئين والأسرى والحدود والمياه.
 
وبما أن إسرائيل ربحت في سنوات التفاوض ربحا وفيرا في ضرب وشلّ حركة المقاومة بالتنسيق المتواصل مع السلطة المفاوضة من خلال إسقاط السلاح من يد الفلسطيني، وبالمحاولات المتتالية لانتزاع الروح العدائية من صدره، يبقى الحديث عن العودة الميمونة لطاولة التفاوض استكمالا لذات العجز في تسويق تلك الشعارات الرديئة.
 
لن نتحدث كثيرا عن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، فالتعويل المستمر على غير الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية لن يحصد سوى الخيبة التي تعيش أيامها سلطة رام الله برغم التصفيق الحار وكلمات العطف الأوربية عن الدولة، لأن الشعب الفلسطيني على يقين تام أن أية تكتيكات سياسية وشعارات لا تشتق من رؤية واضحة تستند إلى الحقوق الكبرى للشعب وفي مقدمتها حقه في مقاومة المحتل فإنها لن ترسخ سوى الردة التفاوضية المستمرة في العجز.
 
الحصار وحالة النزف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، المضافة لتراكم عدواني يشمل الوجود الفلسطيني فوق أرضه يتطلب العودة للشعب الفلسطيني كخزان مهم لرفد النضال الوطني، وعلى الذين غادروا الربط بين الخاص والعام، الوطني والقومي عبر تكريس مفاهيم قطرية ضيقة لتحط رحالها في بوتقة الصفقات أمام أطماع إسرائيل التوسعية، وهي ليست شعارات خشبية ولا لغة أكل عليها الدهر وشرب فحين يتباهى نتنياهو بأسطورة مزيفة عن خاتم منقوش عليه اسم أجداده عثر عليه في "حائط البراق" فلدينا آلاف الشواهد القائمة والتي تجعلنا نرى بوضوح ما بني خلف ضباب المفاوضات وجعجعة أيلول وكلها لا تغيب وراء ركام التفاصيل.

التعليقات