06/10/2011 - 11:45

سوريا في مواجهة الأعداء، ومواجهة الإصلاح../ عوض عبد الفتاح

(نُشر هذا المقال في صحيفة فصل المقال بتاريخ 04.02.2011، أي قبل شهر من اندلاع الثورة السورية)

سوريا في مواجهة الأعداء، ومواجهة الإصلاح../ عوض عبد الفتاح
(نُشر هذا المقال في صحيفة فصل المقال بتاريخ 04.02.2011، أي قبل شهر من اندلاع الثورة السورية)
 
نُشر هذا المقال الذي يتناول الثورات العربية، يتركز في الهمّ السوري، ويُعبّر عن الخشية على مصير سوريا بعد الثورات، ويتوقع حصول الانتفاضة، بل يكاد يجزم بحتمية وقوعها بعد الثورتين التونسية والمصرية، ولأنه هناك أسباب عميقة لحصول التغيّر في سوريا: ويُستشف من المقال رغبة الكاتب في رؤية النظام السوري والرئيس بشار الأسد تحديدًا، يُسرّع الإصلاح والتجاوب مع مطالب الشعب قبل أن تجتاحه العاصفة. وبالتالي فإنه ضمنًا يحمل النظام، لا الشعب، المسؤولية عما تمرّ به سوريا.
وقد يُسأل السؤال أليس من الطبيعي أن من يخطئ (أي النظام) في قراءة تفاعل الثورات العربية على بلده ويستبعد إقدام شعبه على الثورة أن يستنتج النتائج بدل إغراق هذا البلد بالدماء.
 
 
سوريا في مواجهة الأعداء، ومواجهة الإصلاح
 
ليس تسرعًا أن يتحدث المرء عن تفاعلات متوقعة  أخرى للثورة التونسية وللثورة المصرية في أقطار عربية أخرى، فالانتفاضة المصرية، وتقدمها المتسارع، والتي انطلقت بعد أيام قليلة من رحيل طاغية تونس، تسقط هذا الوصف. أي لم يعد هناك من يتجرأ على وصف التوقع بحصول تغييرات في هذا البلد العربي أو ذاك، تسرعًا، أو تفاؤلاً ساذجًا، أو إسقاطًا للرغبات الذاتية.
 
وهذا الأمر إنذارٌ لمن لا يزالوا يمسكون في دفة القيادة في البلدان العربية، ورسالة مفترض أن تكون إيجابية لمن يُفكر ويسعى إلى إحداث إصلاح جدّي في بلده. كما هو حافزٌ لمن يئس واستكان، أو نزع ثقته من شعبه، لأن يتهيأ وينفض عن نفسه حالة الجمود الفكري والسياسي ويبدأ بتغيير ذاته أولاً. ليس هذا فحسب، بل هو درس هام وكبير ليس فقط للزعماء بل لكل واحد منا.
 
لا نتحدث هنا عن تداعيات ثورة تونس وبالأخص ثورة مصر على إسرائيل ومشروعها التوسعي في المنطقة. إسرائيل هي الطرف الغربي (المنزرع في الشرق العربي) الوحيد غير القادر على إخفاء ذهوله وصدمته ويطالب علنًا حلفائه في الغرب بدعم الطاغية مبارك ومساندته في البطش بشعبه. كتب المحلل الاسرائيلي البارز في صحيفة هآرتس قبل أيام من اشتعال الثورة في مصر، أن حسني مبارك الوحيد من بين زعماء العالم الذي يلتقي رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو المعزول عالميًا، هذا فقط مؤشر واحد على كون هذا النظام عونًا لإسرائيل في عزلتها المتزايدة.
 
إن الحديث هنا هو عن آفاق ثورة التغيير في العالم العربي.
التداعيات الأولية التي تحصل الآن في بقية الدول العربية تتمثل في إقدام قادة عرب على اتخاذ إجراءات اقتصادية أو أخرى تتعلق بالحريات. ولكن من المشكوك فيه في ضوء تجربتي تونس ومصر أن يكتفي المواطن في هذه الدول بهذه الإجراءات المحدودة. لقد أعادت هذه الثورات الإنسان العربي الى وعيه وإلى ذاته، ويكتشف الآن من جديد إرادته التي كانت معطلة، والتي تراكم عليها غبار القمع والحجر على العقل الذي يمارسه النظام، سواء نظام التقاليد أو النظام السياسي.
 
هذا الوضع الجديد سيضطر بعض القادة العرب الى القيام بقراءة جديدة للمتغيرات ولشروط التغييير في بلادهم. ويبدو أن هناك خطر حقيقي من نفاذ صدقية التغييرات والبطيئة والإصلاح المتعطل. لن أتطرق الى قادة دول أو أنظمة أخرجت نفسها منذ حقبة طويلة من معادلة القوة ضد الهيمنة الأجنبية على المنطقة، وفي الوقت ذاته أخفقت في بناء دول وطنية. إنما سأتحدث عن سوريا الوطنية، بقيادتها وشعبها، والتي يهمنا جدًا دورها وموقعها.
 
لقد ظهر الرئيس السوري بشار الأسد في المقابلة مع جريدة الوول ستريت جورنال، واثقًا من الاستقرار في سوريا، وأكد فيها حصانة سوريا أمام ثورات اجتماعية وديمقراطية عاصفة. ونبعت ثقته من عدة أمور: أولاً لأنه مع الإصلاح ويسير فيه منذ توليه الرئاسة، إذ يقول في المقابلة: "بدأنا الإصلاح منذ أن أصبحت رئيسًا. لكن الطريقة التي ننظر بها الى الإصلاح مختلفة عن الطريقة التي تنظر بها أنت إليها (مراسل الصحيفة المتمثل للغرب)، بالنسبة إلينا لا يمكن أن تضع الأحصنة أمام العربة". ويتحدث عن التغييرات التي نفذت في فترته قائلاً: "نحن لم يكن لدينا في الماضي إعلام خاص ولم يكن لدينا إنترنت أو جامعات أو مصارف خاصة. كل شيء كانت تديره الدولة.. لا يمكنك أن تخلق الديمقراطية التي تسأل عنها بهذه الطريقة.. لديك طرق مختلفة لخلق الديمقراطية".
 
ثانيًا، لأن سوريا بقيادته تواصل التمسك بموقعها ودروها الوطني، ومناهضة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة. ويقول في المقابلة: "أنا لا أتحدث بالنيابة عن التونسيين أو المصريين، أنا أتحدث بالنيابة عن السوريين، وهو أمر نتبناه دائمًا، لدينا ظروف أصعب مما لدى أغلب الدول العربية ولكن على الرغم من ذلك فإن سورية مستقرة، لماذا؟ لأنك يجب أن تكون مرتبطًا بشكل وثيق جدًا بمعتقدات المواطنين، هذه هي المسألة الجوهرية. عندما يكون هناك اختلاف بين سياستك وبين معتقدات الناس ومصالحهم سيصبح لديك هذا الفراغ الذي يخلق الاضطراب، إذًا فالناس لا يعيشون فقط على المصالح بل أيضًا على المعتقدات وخصوصًا في الميادين العقائدية، ولن يكون بإمكانك فهم ما يجري في المنطقة إلا إن فهمت الناحية العقائدية للمنطقة".
 
ثالثًا، نموذج تقسيم وتدمير العراق على يد القوات ال أمريكية الغازية تحت يافطة الديمقراطية، أرعب قوى معارضة عديدة فتراجع صوتها لصالح وحدة الوطن والمجتمع، مؤجلة، على ما يبدو طرح مطالبها. ولكن السؤال اليوم هل ستبقى هذه المطالب مؤجلة.
 
رابعًا، تعرض سوريا لمحاولات خارجية (امريكية) لإسقاط النظام بالتعاون مع قوى 14 آذار ولكن النظام صمد وتجاوز هذا المخطط، ولكن السؤال الذي يُسأل هل يكفي هذا لتحصين سوريا كدولة وكمجتمع في وجه التغيرات والتي تغري نفس القوى الخارجية للعب على التناقضات الداخلية للنيل من سوريا وموقفها الوطني.
 
خامسًا، وقوف سوريا الى جانب المقاومة اللبنانية والمساهمة الكبيرة في انتصاراتها ضد العدوان الاسرائيلي. مما منح القيادة رصيدًا كبيرًا في مجال التصدي للعدوان. لكن يسأل كثيرون ماذا مع الجولان المحتل.
 
 إن سوريا التي واظبت على موقفها الوطني والممانع، تحتاج إلى إعادة النظر بوتيرة الإصلاح البطيئة بسرعة أكثر مما تعتقد. لقد حما الموقف الوطني النظام في سوريا حتى الآن من عواصف التمرد، كما ألمح أو فـُهم من حديث الرئيس بشار الأسد لجريدة الوول ستريت جورنال. أنه بعد التغيير في تونس ومصر، حيث تدل توجهات الجمهور الثائر إلى تحرير مصر ليس فقط من الفساد الداخلي وبل أيضًا من التبعية للخارج ولإملاءاته، ربما لن لا يستطيع النظام في سوريا في المدى القريب أن يطرح نفسه كمتميز عن الأنظمة الجديدة المتحررة التي ستنشأ في تونس ومصر وغيرها. ما معناه أن مصر مثلاً، ستكون دولة وطنية ودولة تسعى الى الديمقراطية وحرية الأحزاب والتعبير عن الرأي وستتحول بعد فترة الى دولة متحررة من التبعية السياسية للخارج. رغم ما يمكن لهذا أن يشكل من ضغوطات خارجية كما يحصل منذ زمن بعيد ضد سوريا الوطنية. وبالتالي فإن الموقف الوطني لن يكفي لحماية سوريا أو نظامها. فالمواطن السوري سينظر الى مصر متحررة سياسيًا، ومتحررة اجتماعيًا، وكذلك تونس، وربما غيرها من أنظمة العرب.
 
لقد سقط نظام تونس وسقط معه النموذج النيوليبرالي وسقطت ارتباطاته بإسرائيل، ونظام مصر آيل للسقوط ومعه نفس النموذج. هذان النظامان مثلاً معظم الأنظمة العربية التي أخفقت في كل الثورات؛ السياسية، الاجتماعية والاقتصادية. فشلت جميعها في بناء دولة حديثة وأمة المواطنين. هذا ناهيك عن فشل مشروع الوحدة القومية.
 
إن غالبية الوطنيين والقوميين العرب يريدون لسوريا أن تكون محصنة في الحاضر والمستقبل نظرًا لموقعها ومكانتها في خارطة الصراع ضد إسرائيل وسياسة الهيمنة الأمريكية. كما أن هؤلاء يهمهم كرامة المواطن العربي أينما كان. إن سوريا اليوم تواجه تحديًا حقيقيًا بعد المتغيرات العاصفة.
 
بطبيعة الحال، إن الثورة الحاصلة في تونس ومصر تصب في مصلحة سوريا كموقف وطني، إذ أن هذا التغيير يوجه ضربة لأعدائها الأمريكان والاسرائيليين. إنها الآن الفرصة أمام سوريا، لاستثمار التغييرات الثورية، لأن تنفتح أكثر على الشعب وأن تواصل بسرعة أكبر محاربة الفساد. صحيح أن سوريا ليست دولة نفطية مُصدّرة، وليس لها مصادر اقتصادية ضخمة وهذا من المعيقات الجدية. فالذي أعطاها هذا الدور الهام هو موقعها الجيوسيايسي وموقفها الوطني الذي استطاعت قيادتها القيام به. لم يعد ممكنًا الادعاء بأن إحداث تغيير سريع يمكن القوى الأصولية المتشددة من استلام السلطة وفرض فكرها الشمولي على المجتمع الذي يتجه نحو رفض الشمولية الدينية والعلمانية على حد سواء.
 
لقد أثبتت التجربة التونسية والمصرية عكس ذلك. ناهيك عن أن الجزء الأكبر من الإسلاميين أجروا في العقدين الأخيرين تعديلات هامة على أفكارهم كما أجرى الكثير من العلمانيين والقوميين أيضًا تعديلات على توجهاتهم بخصوص موقع الدين في المجتمع وأصبحوا أكثر واقعيين. خذ مثلاً راشد الغنوش، رئيس حركة النهضة الإسلامية، القادم  من المهجر الى تونس، بفضل الثورة يعلن أنه يرفض أن تكون الدولة التونسية دولة شريعة. فهو مثل العديد من المفكرين الإسلاميين وقادة الحركات الإسلامية عدّلوا من موقفهم من الدولة الدينية الى الدولة المدنية، حيث المواطنة هي العلاقة الناظمة بين الدولة والمواطن وليس الدين أو المذهب أو الطائفة. طبعًا ما يبقى من خلافات حول قضايا هامة أخرى، يظل خاضعًا للنقاش في جو من الاستقرار داخل الجماعة الوطنية المتعاقدة على إدارة الدولة والمجتمع وفق قواعد الديمقراطية وسلطة الشعب.
 
لقد مرّ عقد على ولاية الرئيس بشار الأسد، وبدأ ولايته بالإعلان عن محاربة الفساد والإصلاح السياسي. وتشير المعلومات الى بقاء الفساد منتشرًا في الدوائر الحكومية. ناهيك عن القمع السياسي، وقمع المجتمع المدني، ولم نسمع عن تقدم جدي في هذا المضمار. والفساد ليس فقط مسألة غير أخلاقية بل هو معيق أساسي لتقدم المجتمع وثغرة خطيرة في الحصانة الأمنية للدولة وأمنها الخارجي.
 
ويحضرني هنا ردّ وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع، أثناء لقاء في مكتبه في دمشق بعد وفاة الرئيس السابق حافظ ا لأسد بحضور الدكتور عزمي بشارة في صيف عام 2000، على سؤال أو تساؤل وجهته له حول طبيعة الحملة على الفساد وآفاق النجاح، قال وهو يتنهد "المهمة ليست سهلة.. ولن تحصل في وقت قصير". هذا أولاً كان اعترافًا بأن ظاهرة الفساد واسعة وثانيًا، أن هناك أوساطًا في الدوائر الحكومة تقاوم التغيير باتجاه الشفافية والعدالة، وأصبحت مصالحها مرتبطة بهذا النهج من الحكم. هذا ما فهمته فيما بعد من ردّ الأستاذ الشرع. ومن متابعتي المتواضعة للشأن السوري الداخلي.
 
إن كل الوطنيين والقوميين العرب يتطلعون الى سوريا كموقع عربي ممانع وليس فقط أنه منع المزيد من الانهيارات بل أنه ساهم في انتصارات المقاومة اللبنانية وفي تغيير مفاهيم أن من يصمد ويمانع يحقق كرامته الوطنية. لقد صمدت سوريا أمام الضغوط الأمريكية والحظر المفروض عليها. كما رفضت وترفض التنازل عن أي شبر من الجولان. ولكن التجربة الثورية الجديدة لتونس ومصر والاحتياجات التي انفتح عليها المواطن العربي تفرض على سوريا وغيرها أسئلة هامة لا بدّ أن تجيب عليها بما يخدم عملية الإصلاح والاقتصادي والاجتماعي، ويحصّن الموقف الوطني وغاية ذلك كله هو الإنسان.. المواطن.

التعليقات