15/10/2011 - 11:12

لماذا انحسرت عنا روح الثورات العربية؟../ حنين زعبي

أما بعض أحزابنا السياسية فمطلوب منها على الأقل، إذا لم تستطع أن تكون ثورة دائمة، ألا تكون ثورة مضادة

لماذا انحسرت عنا روح الثورات العربية؟../ حنين زعبي
كان السؤال لدينا "هل ستنسحب روح الثورات العربية على أجواء فلسطينيي الداخل" هو أحد الأسئلة التي أدرجت بعد سؤال إمكانية نجاح الثورتين التونسية والمصرية، وذلك بعيد اندلاعهما.
والإجابة هي مركبة، فالثورات العربية لم تنجح في إحداث هبة لدينا لا على مستوى قاعدة النضال وانتشاره، ولا حتى على مستوى هدفه، و"اقتصر" تأثيرها على مستوى قفزة كمية ونوعية في نضال الشباب الفلسطيني في الداخل. ويبقى السؤال ماذا ستكون أبعاد ثورة الشباب هذه.
ويعود أهم أسباب عدم استلهام روح الثورات العربية على مستوى قاعدة النضال وروحه وحتى هدفه –إسقاط العنصرية الصهيونية-، رغم التغيير الكمي والنوعي الواضح في نضال الشباب الفلسطيني في الداخل، هي أن النضال السياسي في الداخل، وعلى خلاف العالم العربي، ما زال محكوما بالأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة لدينا. ففي الوقت الذي أظهرت فيه الثورات العربية مدى انحسار دور الأحزاب السياسي، أمام السلطة وداخل المجتمع، وتحميلها جزءا من مسؤولية الجمود السياسي الحاصل في العالم العربي، إلا أن جزءا كبيرا من الحراك السياسي ومن المواجهة المباشرة وغير المباشرة مع سلطات الاحتلال قادتها وتقودها الأحزاب السياسية في الداخل الفلسطيني، دون أن يخلو الأمر من انتقادات شعبية كثيرة توجه لها.
إذا الفراغ السياسي وضعف الأحزاب السياسية في العالم العربي والذي كان وراء تحول ثورة الشباب إلى ثورة شعب، لم يكن موجودا في حالتنا، مما يعني أن القوة والفاعلية النسبية للأحزاب العربية، حدّت -للأسف- من جانب تأثير الثورات العربية!
وبقيت الأحزاب العربية ضمن 3 تمايزات رئيسية، تتوزع على التيارات الرئيسية الثلاث: التجمع – التيار القومي- الذي يعمل على تنظيم الفلسطينيين قوميا ورفع سقف النضال في مواجهة العنصرية الإسرائيلية، الجبهة –التيار الشيوعي- التي ما تزال ترهن سقف النضال بما يقبله اليسار الصهيوني، والحركة الإسلامية، التي تعزف عن النضال الوطني لصالح حراك دعوي من جهة ونشاط إسلامي معتكف عن بناء وحدة وطنية وعن مواجهة الصهيونية معا.
ولم تنجح الثورات العربية في إحداث ثورات في مفاهيم مثل احتكار سقف نضالنا لليسار الصهيوني، كما لم تنجح في إخراج التيار الإسلامي من صومعة خطاب ديني غير مسيس، يرى في المواجهة الوحيدة مع المشروع الصهيوني ما يتعلق بحماية الأقصى والأوقاف الإسلامية ليس غير.
ذلك يعني أن إسقاط النظام، هو ليس هدفا متفقا عليه في الداخل الفلسطيني، فلا التيار الشيوعي يريد أن يسقط نظاما عنصريا، -بل يريد مساواة ضمن النظام القائم- ولا التيار الإسلامي لديه برنامج لذلك، وكلاهما موجود وقوي على الساحة السياسية.
بالتالي أعاقت مركزية الحياة الحزبية لدينا، وتشرذمها بين 3 أقطاب تحدد بوصلات مختلفة للنضال -اثنين منهما معاديين لروح المواجهة الواضحة مع المشروع الصهيوني- انتقال روح الثورات العربية إلى الداخل الفلسطيني، محدثة انقلابا في الساحة السياسية لعرب الداخل.
مع ذلك، ورغم هذا العائق السياسي في عدم تحول ثورة الشباب لدينا إلى ثورة شعب، علينا ألا نستهين بثورة الشباب. فقد شهدناها على شكل نقلة كمية ونوعية في نضال الشباب في يوم الأرض سخنين، ، يوم الأرض اللد، النكبة، النقب، وخيمات الاعتصام تضامنا مع الأسرى في حيفا والناصرة وأم الفحم.
ثورة الشباب لدينا هي فرصة تاريخية، إذا لم يكن لإعادة حسابات تيارات سياسية مركزية لدينا، فليكن لإعادة الاعتبار لمفهوم النضال في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، من حيث هو إعلاء لأهمية وجاهزية خروج فئات واسعة من الشعب وتعبئتها في الحراك الوطني. نحن نرى روح التحدي لدى الشباب، ينتقل إلى الجو العام فينجح جميع المحطات الوطنية، فتفاجأنا جميعنا من هيبة إضراب ومظاهرة النقب، حيث لم نتوقع مشاركة الآلاف، وهنا علينا أن نسجل أن التجمع الوطني الديمقراطي أخطأ في عدم المطالبة بالإضراب العام في الذكرى الحادي عشر للانتفاضة الثانية.
إن الإمساك بلحظة التحدي هي من المهام الوطنية الأولى للمرحلة الراهنة، والاستثمار في الشباب، هو الإمساك بطاقات التحدي، وإذا عرف التجمع أن عملية النضال تبدأ بشحذ طاقات ومصادر قوة الشعب، وأن إعادة بناء لجنة المتابعة العليا كالهيئة العليا للتمثيل السياسي في البلاد، هو إحدى طاقات النضال، فعليه أن يعرف أيضا أن الشباب هم طاقة النضال الأولى، وأن الاستثمار فيهم هو الوجه الآخر لعملية إعادة بناء لجنة المتابعة. فعندما نعمل على بناء مؤسساتنا القومية، علينا بموازاة ذلك الاستثمار ببناء قيادة هذه المؤسسات وحاملها، وبروح الثورات العربية فإن شباب اليوم عليهم أن يكونوا قادة اليوم، وليس الغد.
بالتالي على التجمع أن يحرص على ضمان المجال لشبابه الصاعد والحاضر في كل مكان، لأن يأخذ دوره على جميع الأصعدة، بما فيها تلك المتعلقة بعملية إعادة بناء لجنة المتابعة، بموازاة ذلك، وحرصا على تعزيز المناخ الوطني العام، علينا كحزب وطني أن نضمن تمثيلا ودورا للعديد من الأطر الشبابية غير الحزبية التي نمت وتطورت في الآونة الأخيرة، منخرطة في هموم ونضالات شعبها.
لكن الاعتراف بدور الشباب الحزبي والمستقل، يتبعه ضرورة وعي الحاجة لعملية تسييس هذا الشباب، تسييسا يقوم على قاعدة أن السياسة في نهاية المطاف هي عملية قيادة وليست احتجاجا فقط، وأن القيادة تكمن في طرح برنامج كامل، وفي تعبئة الناس حول مشروع واضح، وفي تمثيل الناس من خلال هذا المشروع. صحيح أن الاحتجاج السياسي هو مراس سياسي مهم وضروري، لكن قيادة الشعب من أجل هدف ما مبلور وواضح، هو لب العمل السياسي وهو أصعب مراحله وأخطرها.
وما يحدث في مصر هو إحدى الأمثلة على ذلك، فقد تطور ائتلاف شباب الثورة في مصر، ككيان غير حزبي، نتيجة لضعف الأحزاب السياسية في مصر، لكن أعضاء الائتلاف يعرفون أن التحدي الحقيقي الذي يواجههم هو طرح مشروع سياسي قوي ومقنع وقادر على تعبئة الناس وتمثيلهم برلمانيا (لا يعني ذلك أن ائتلاف شباب الثورة سيتحول بمجمله لحزب سياسي). والمتتبع لحواريات الشباب المصري يعرف تشديدهم على أن الحياة السياسية تتم من خلال الأحزاب السياسية وليس من خلال الائتلافات أو الأطر المختلفة.  
بالتالي من المتوقع أن تحدث الثورات العربية عملية توليد لجيل كامل من الأحزاب الشبابية، أو لجيل كامل من الشباب الذين سينخرطون في أحزاب قائمة أو مستحدثة، مما يعني أن الساحة الحزبية ستشهد ثورة هي الأخرى، ثورة في مفاهيمها التي ستلائم نفسها مع قيم الثورة من تعددية وعدالة وديمقراطية، في برامجها وفي مدها بدم شبابي جديد.
 
أما بعض أحزابنا السياسية فمطلوب منها على الأقل، إذا لم تستطع أن تكون ثورة دائمة، ألا تكون ثورة مضادة.

التعليقات