21/10/2011 - 11:44

الفنّان بين تهوّيل المقاطعة والتطبيع!\ بن ثابت صليبا

بالواقع، إن دعوات المقاطعة للأعمال الثقافية الفنية في الداخل مركبة من جزأين: الأول يقع تحت بند التطبيع وهو يشمل الفنانين الأجانب والعرب غير فلسطينيي الداخل على حد سواء، الثاني يخص الفنانين المحليين والتي يرتكز بالأساس على مصادر التمويل وغيرها، وإلى هذا سوف نعود بعد هذه المقدمة القصيرة.

الفنّان بين تهوّيل المقاطعة والتطبيع!\ بن ثابت صليبا

 

 
"بالواقع ودون الدخول في سجال مع أحد، فهذه ليست المرة الأولى ومؤكدًا لن تكون الأخيرة لإثارة هذه القضية، التي أستوقفت حتى الصحافة العربية في الخارج" (نجوان درويش – الأخبار اللبنانية العدد ١٥٣٨ السبت ١٥ تشرين الأول) التي أوجزت في مقالها حوار الندوة التي أقيمت مؤخرًا في حيفا تحت عنوان "خصوصية العمل الثقافي لدى فلسطينيي الداخل" ومدى اندماجها في الحملة للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وفيه ورد على لسان الكاتب والناقد أنطوان شلحت "نحن مشوّهون، نحن عرب ناقصون وإسرائيليون ناقصون وفلسطينيون ناقصون" وهي ما تلخص بدورها خصوصية العمل الفني والثقافي في الداخل وما تواجهها من مطبات حقيقية تعيق وضع المعايير الأخلاقية والموضوعية في كل ما يتعلق بقضية المقاطعة.
 
حقيقة الأمر أنّ هذه القضية، كغيرها من القضايا الشائكة المستعصية على الحسم، والتي يشتد من حولها النقاش ويحتد وتنتهي عند إما مع أو ضد، وكلّ ما يرافقها من تابوهات وتراشق اتهامات ما بين العمالة والتخوين والارتهان. ومن موقعي النظري كمؤيد مبدئي "للمقاطعة"، وبالرغم من التزامي بذالك من جهة، ورغبتي عدم دخول العبثية المفرطة من جهة أخرى، ينبغي أن يجتاز النقاش الجدي الساعي الى التوعية (وليس التحذير !) حدّ المقاطعة والتحوّل إلى البحث والتفكير الموضوعي بعيدًا عن المزاودة لوضع الصيغة الثابتة (مع التأكيد على الثابتة!)، التي ينطوي تحتها تفعيل حد "المقاطعة" لتمتد إلى جميع الفئات الجماهيرية ولعدم بقائها نخبوية مقتصرة على المثقفين لا غير ؟!
 
بالواقع، إن دعوات المقاطعة للأعمال الثقافية الفنية في الداخل مركبة من جزأين: الأول يقع تحت بند التطبيع وهو يشمل الفنانين الأجانب والعرب غير فلسطينيي الداخل على حد سواء، الثاني يخص الفنانين المحليين والتي يرتكز بالأساس على مصادر التمويل وغيرها، وإلى هذا سوف نعود بعد هذه المقدمة القصيرة.
 
إن المبدع من كاتب، مخرج، عازف، ممثل أو مغنٍ، هو في آخر الأمر فنان متحرر من كافة الحواجز النمطية، فبالإضافة الى انتمائه القومي وهمّه الوطني يبقى اهتمامه الأول فنّه وهاجسه الوصول الى أبعد حد في مجال تخصصه، وهذا توصيف لفئة تُمثل معظم الفنانين بشكل عام. هنالك فئة من الفنانين تسخّر فنها لخدمة قناعاتها الوطنية، الاجتماعية وغيرها التي تُجسّد هموم شعبها وقضاياه من محاربة الظلم والفقر والتوق الى الحرية، العدالة، بالتالي يتحول الفنان إلى حامل رسالة يريد إيصالها الى أكبر عدد من الناس، وفي كلتا الحالتين يحمل اللقب فنانا ومبدعا.
 
وبالعودة إلى موضوعنا، ينطلق الجزء الأول من المقاطعة من مبدأ رفض التطبيع مع إسرائيل وهو يشمل كما ذكرت الفنانين الأجانب والعرب غير المحليين، بخصوص العرب فعلى ما أعتقد أن من يأتي منهم للتواصل وإقامة العروض لعرب الداخل لا يجوز شمله بالتطبيع وبالتالي المقاطعة هنا ليست بمكانها ...أما فيما يتعلق بالفنانين الأجانب (عمرو فاروق كمثال) تبقى القضية محصورة بالقناعات الفردية والأخلاقية للفنان وفي هذه الحالة هو المدعو للمقاطعة بالمنطلقات ذاتها التي كانت سائدة إبان حكم الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، وفعالية هذه الدعوات تبقى مرتبطة بحجم وثقل المؤسسات الخارجية والداخلية صاحبة الدعوة.
 
من هنا، وللخوض في المعضلة الأساسية في هذه القضية نتحول الى الفئة الثانية وهي الأهم والمتعلقة بدعوة المقاطعة ألا وهي فنانو الداخل، يبقى الفنان، المبدع والموهوب في الداخل وبالرغم من الخصوصية التي يقرها الجميع ! كغيره من فناني العالم قلقا من تحقيق أمرين؛ الأول مصادر تمويل لإنتاج العمل، والثاني أطر تضمن له الوصول إلى الجماهير. ومن ثم يتحول القلق إلى هاجس من حيث استحسان المشاهد، القارئ والمتتبع للعمل وهو ما يضمن له النجاح، الشعبية والشهرة. بذلك يرتبط الفنان من حيث التمويل والانطلاق بمؤسسات الدولة التي يحيا بها منها الرسمية والخاصة المحتكرة ومنها العالمية الداعمة للفن بشكل عام، بالتالي فهو رهن هذه المؤسسات ليرى عمله النور بداية ومن بعد الانتشار والوصول الى أبعد الحدود لينتهي عند العالمية! بهذا، وللإنصاف لا بد وتزامنا مع دعوة الفنان لمقاطعة وبحق المؤسسات الإسرائيلية (العنصرية بمعظمها !) البحث وإيجاد البديل الذي يضمن إنتاج العمل الفني ونشره دون الارتهان للداعم، وضمان بيئة حاضنة ومشجعة للفنان لمزاولة عمله باحترام والعيش بكرامة كباقي البشر. وبمدى اعترافنا بضرورة الفن وأهميته بالمجتمع وفي حال تجاهل الاعتبارات الوارده أعلاه تصبح الدعوة إلى المقاطعة عبثية عديمة الأثر كغيرها من الدعوات المرتبطة بقضايا أخرى تخص مجتمعنا في الداخل!

التعليقات