21/10/2011 - 11:56

تداعيات ودلالات صفقة تبادل الأسرى \ جوني منصور

ومقابل انجاز نتنياهو السياسي وقد يكون مؤقتًا، فإن مكانة الجيش الاسرائيلي إزاء هذه الصفقة قد أصيبت بخلل. الجيش الاسرائيلي الذي يعتبره الاسرائيليون بقرتهم المقدسة، وما يزال، في حالة ليست كما كانت سابقا. وهذا ما دعا عددا من القيادات السياسية والعسكرية إلى إعادة النظر في بنية ورؤية الجيش من خلال منظور التغييرات الحاصلة اقليميا، وخاصة في عالم عربي متغير. وكشفت الصفقة مدى التباين بين المستويين السياسي والعسكري، واشتداد حدة التوتر بينهما.

تداعيات ودلالات صفقة تبادل الأسرى \ جوني منصور

 

 
أفرزت صفقة تبادل الأسرى بين اسرائيل وحركة حماس عددًا من الدلالات التي لا بد من الإشارة إليها لفهم ما ستؤول إليه الحالة السياسية العامة ومشهد التحركات الديبلوماسية القادم على المنطقة عامة، وعلى الصراع الاسرائيلي ـ العربي بوجه خاص.
 
• الصفقة انجاز
أما بالنسبة لحماس فإن الصفقة بحجمها إنجاز كبير. بالرغم من أن مقترحا سابقا للصفقة شمل حوالي ألف وخمسمائة أسير. من جهة أخرى، إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من أعضاء حماس وفتح وفصائل أخرى ومن فلسطينيي الداخل عكس توجها ايجابيا في الساحة الفلسطينية والعربية بأن حماس لم تهتم فقط لرجالها بل لكافة مركبات الشعب الفلسطيني. هذا التوجه البراغماتي يشكل قاعدة جيدة لدفع اتفاق المصالحة إلى حيز التطبيق على أرض الواقع، ومنع بقائه حبرا على ورق.
 
لا شك في أنّ الصفقة في حد ذاتها انجاز هام للشعب الفلسطيني عامة وللحركة الأسيرة خاصة. حيث أن الصفقة في دلالالتها الأولى قد نسفت وحطمت الغطرسة الاسرائيلية وتبجح القيادات السياسية والعسكرية بأنه لن يبقى جندي اسرائيلي واحد في السر، وان اسرائيل بحكومتها وجيشها وشعبها تتجند لإعادته حيّا أو ميتا. وهذا ما قامت به حكومة اسرائيل بحربها على غزة لاستعادة الجندي الأسير جلعاد شاليط، وأنزلت كميات هائلة من قنابل بغضها على القطاع وقتلت مئات الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الأبرياء. وفشلت في استعادة جنديها. وكذلك فشلت مخابراتها من الشاباك والموساد في معرفة المكان الذي تم فيه إخفاء شاليط. ولم تستطع هذه المخابرات بما تملكه من امكانات معروفة عالميًا من الوصول إلى مكان الجندي ولا تحديد موقعه أو المواقع القريبة من مكان أسره. وناورت حكومتا اولمرت ونتنياهو على فرص الاقتناص دون نجاح يذكر. وبالرغم من تشديد الحصار على القطاع وأهله إلا أن صمود الفلسطينيين فيه، وفشل سياسات اسرائيل القمعية وعدم تمكنها من إعادة الجندي فيه الكثير من دلالات تراجع مناعة اسرائيل وضعف اجهزتها الأمنية في الاختراق والعمل.
 
 رضوخ حكومة نتنياهو
أمام فشل حكومة اسرائيل في إعادة جنديها، وازدياد الضغط   الجماهيري في اسرائيل والذي قادته عائلة شاليط ومؤازريها، رضخت الحكومة الاسرائيلية في النهاية لدفع هذا الثمن الذي اعتبره نتنياهو غاليا.
 
 هل حماس طرف تفاوضي؟
من جهة أخرى فإننا نقرأ الصفقة من منظور سياسي، حيث أنه يبدو أن نتنياهو قد بدأ ينظر إلى حماس كطرف أو شريك في التفاوض معه نيابة عن السلطة الفلسطينية في رام الله. ما يريده نتيناهو هو معاقبة محمود عباس على قيامه بطرح مشروع اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين دون الاتفاق حول ذلك مع اسرائيل. أضف إلى ذلك أن نتنياهو يدرك تمامًا أن قوة فتح والسلطة الفلسطينية في مناطق ومواقع عدة في الضفة الغربية باتت ضعيفة إلى حدٍّ ما. مقابل ذلك، فإن الصفقة بمركباتها بيّنت بوضوح أن حماس ليست حركة عسكرية فقط إنما حركة سياسية اعتمدت المسار البرغماتي في تعاملها مع ملف الاسرى، وهذا امتحان لها.
 
تغييرات في توجهات حماس
فتنازل قيادة حماس عن عدة مركبات كانت قد صاغتها سابقًا بخصوص تبادل الأسرى لهو دليل أن حماس تشد رحالها لخوض حراك سياسي فعلي مع اسرائيل. ففي العام الماضي أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، أن حركته تقبل بحدود 67 كأساس للدولة الفلسطينية، وبالرغم من انه لم يعترف بدولة اسرائيل رسميًّا، فمجرد قبوله بهذه الحدود فهو قد قبل بوجود اسرائيل. من جهة أخرى، قبول حماس بإبعاد عدد من الأسرى المحررين فيه دلالة على رضوخ قيادة حماس للضغط الاسرائيلي، وهذا ما يمكن ان تستغله اسرائيل مستقبلاً في صفقة قادمة برفع عدد ونسبة المبعدين. وهذا في حد ذاته فشل في صد الضغط الاسرائيلي. ومن تداعياته مستقبلاً زيادة الضغط على قيادة حماس في ابتزاز شروط أصعب وأشد قسوة.
 
 امتحان لشعبية نتنياهو
أما تداعيات الصفقة على الساحة الاسرائيلية فإن نتنياهو قد كسب تأييدًا شعبيًا هو في أمسّ الحاجة إليه ليُخرج حكومته من الجمود الداخلي الذي توجهه في اسرائيل. حيث أن الصفقة قد حرّكت الشارع الاسرائيلي بأن هذه الحكومة تفعل. وكسب نتيناهو تأييدًا حكوميًّا وحزبيًا لقبوله بشروط الصفقة ليظهر أمام ناخبيه أنه ما زال زعيمًا وقائدًا، وهذا سيتم التعبير عنه كإنجاز في صناديق الاقتراع في انتخابات الدورة القادمة من الكنيست الاسرائيلي، والتي على ما يبدو ستكون في العام القادم.
 
 كشف الخلل في المؤسسة العسكرية
ومقابل انجاز نتنياهو السياسي وقد يكون مؤقتًا، فإن مكانة الجيش الاسرائيلي إزاء هذه الصفقة قد أصيبت بخلل. الجيش الاسرائيلي الذي يعتبره الاسرائيليون بقرتهم المقدسة، وما يزال، في حالة ليست كما كانت سابقا. وهذا ما دعا عددا من القيادات السياسية والعسكرية إلى إعادة النظر في بنية ورؤية الجيش من خلال منظور التغييرات الحاصلة اقليميا، وخاصة في عالم عربي متغير. وكشفت الصفقة مدى التباين بين المستويين السياسي والعسكري، واشتداد حدة التوتر بينهما.
 
 الربيع العربي كان حاضرًا
ويبقى السؤال المركزي هنا، هل للربيع العربي دور في التأثير على دفع عملية إتمام الصفقة وانجازها في هذا الظرف حصريًّا؟ قد يكون الجواب ايجابيا، من حيث أن الربيع العربي لم يكن مقصورًا على بلد عربي واحد، إنما تعدى تونس إلى مصر وليبيا وسوريا والبحرين، وغيرها مستقبلاً. ولا شك في أن مسلسل الثورات في العالم العربي ليس لصالح اسرائيل لا في الوقت الراهن ولا في المستقبل القريب أو البعيد. فالمتغيرات ستحصل في العالم العربي نفسه وفي سياسات قياداته المستقبلية، وفي علاقات العالم العربي مع الغرب، ومع القضية الصراعية في الشرق الأوسط، بل جوهر ونواة الصراع كافة نعني الصراع الاسرائيلي _ العربي. وهذا معناه، أن اسرائيل لا يمكنها أن تبقى متغطرسة ومتعنتة ومتشبثة بمواقفها. لهذا، هناك من يعتقد أن الصفقة هي علامة أو بادرة لحراك سياسي مستقبلي.
 
 الخلاصة
لا شك أن الصفقة انجاز للشعب الفلسطيني عامّة، ولحركة حماس خاصة. ولا شك في أن الصفقة قد أدت إلى تحريك المنطقة من جمودها وتوترها للسير في طريق سياسي – تفاوضي سيكون لحماس دور فيه، قد يأتي على حساب دور فتح رام الله.

التعليقات